
حملات إعلامية تحريضية تقودها المنصات الإعلامية الإلكترونية الداعمة للإخوان المسلمين بحقّ دولة الإمارات العربية المتحدة، عقب الإعلان عن توقيع اتفاقية وزارة الدفاع تتعلق بالتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب مع نظيرتها اليمنية.
تذكر تلك الحملات بالخط العدائي الذي تبنته قوى مرتبطة بالإخوان المسلمين في اليمن والدول العربية بشكل عام ضدّ المشاركة الإماراتية في التحالف العربي لدعم الشرعية منذ إطلاق عملياته في 2015، رغم أنّ التقييم الموضوعي للدور الإماراتي يبرز النجاحات الكبيرة التي حققتها في مواجهة الانقلاب الحوثي.
خلاصة سبعة أعوام من عمر التحالف العربي كشفت عن البواعث الحقيقية للكراهية العمياء من قبل إخوان اليمن ضد الإمارات، حيث نجحت الأخيرة في قراءة الواقع اليمني الجديد، بعد تغير معادلة الحكم بصعود الحوثي وسيطرته على معظم المناطق الشمالية في اليمن.
اتخذت الإمارات نهجاً راعى مصالحها وفعالية وجودها في اليمن، لهذا كانت أقرب إلى القوى الحقيقية في اليمن مثل الجنوبيين والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، وهما الجبهتان اللتان شهدتا أهم الانتصارات ضد الحوثيين.
بينما تسبب الإخوان عبر حزب التجمع الوطني للإصلاح في تشتيت جهود التحالف العربي وخصوصاً المملكة، ولم ينجحوا في تحقيق انتصارات عسكرية ضد الحوثي، سوى الصمود في مأرب بفضل المقاومة القبلية ودعم التحالف العربي، بل وتدخل القوات الجنوبية المدعومة من الإمارات.
تعاون عسكري
وقّعت دولتا اليمن والإمارات اتفاقية للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب في الثامن من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري. جاء ذلك كتتويج لزيارة وزير الدفاع اليمني محسن الداعري إلى أبو ظبي منذ 26 من الشهر الماضي. ووقع عن الجانب الإماراتي وزير العدل عبد الله النعيمي نيابةً عن وزير الدولة لشؤون الدفاع.
بحسب وكالتي الإمارات (وام) واليمن (سبأ) تأتي الاتفاقية "ضمن الجهود الرامية لتعزيز التنسيق العسكري والأمني بين البلدين". وتلبيةً لرغبة الجانبين في التعاون المتبادل بما يخدم مصالح البلدين وشعبيهما، وتأكيداً على الأهمية التي يوليها الطرفان للحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار في الجمهورية اليمنية، وفق البيان اليمني.
يؤكد المحلل السياسي والعسكري اليمني، العميد ركن ثابت حسين صالح، بأنّ التوقيع على اتفاقية التعاون الأمني بين الإمارات واليمن يمثل تحولاً نوعياً في مسار الحرب؛ إذ يمثّل إضفاءً للصفة القانونية المشروعة للتعاون الأمني بما ذلك مكافحة الإرهاب بين البلدين.
وأفاد لـ"حفريات" بأنّ الاتفاق يمنح الإمارات حقّ وواجب تقديم الدعم اللازم لليمن، والتصرف وفقاً للاتفاقية والمقتضيات الدفاعية والتصدي لأي عدوان.
يأتي توقيع الاتفاقية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد هدنة غير رسمية بين الشرعية والحوثيين، رغم العدوان الذي تشنه جماعة الحوثي على تعز والضالع والموانئ الجنوبية
ويأتي توقيع الاتفاقية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد هدنة غير رسمية بين الشرعية والحوثيين، رغم المناوشات والعدوان الذي تشنه جماعة الحوثي على تعز والضالع والموانئ الجنوبية. ويتعلق التعاون العسكري بين الإمارات واليمن بالقوات العسكرية التي تتبع وزارة الدفاع، والتي تنتظر إعادة هيكلة وفقاً لاتفاق الرياض 2019 والخطط التي بموجبها تأسس مجلس القيادة الرئاسي في نيسان (أبريل) الماضي، وهو ما يعرقله شركاء في الشرعية بسبب علاقاتهم أو انتمائهم إلى الإخوان المسلمين.
ويرى العقيد في قيادة محور تعز عبد الباسط البحر، أنّ توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين الإمارات واليمن يأتي ضمن جهود الحكومة لمكافحة الإرهاب، وتكاملاً مع قرار مجلس الدفاع اليمني والحكومة بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.
وشدد العقيد البحر على أنّ تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية يساعد في توحيد الجهود داخلياً وخارجياً في سبيل إنهاء الانقلاب، واستعادة الشرعية ووضع اليمن في إطاره الصحيح مع محيطه العربي.
عداء الإخوان
فضلاً عن الحملات الإعلامية ضد الدور الإماراتي في اليمن، التي تعود إلى العام 2015، هاجم مسؤولون في حزب الإصلاح الإخواني الاتفاقية من زاوية عدم مصادقة مجلس الشعب عليها. ومن المعروف أنّ تصديق المجالس التشريعية يأتي لاحقاً لعملية التوقيع على الاتفاقيات، ولهذا تدخل الاتفاقيات مرحلة التنفيذ الكامل بعد التصديق من المجالس التشريعية ورئاسة الدولة.
بدوره لفت العميد ثابت صالح، إلى دور الإخوان المسلمين في اليمن؛ حزب التجمع الوطني للإصلاح، بالقول إنّ دورهم منذ بداية الحرب كان سلبياً متخاذلاً، ثم متخادماً مع الحوثيين؛ لذلك لم يحاربوا الحوثيين بل حاربوا من يقاوم الحوثيين، وفي مقدمتهم الجنوب بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي. وأفاد بأنّ الإخوان اغتالو قادة المقاومة في اليمن الشمالي بدءاً من اللواء عبدالرب الشدادي في مأرب، مروراً بالعميد عدنان الحمادي في تعز، وأخيراً اللواء محمد الجرادي.
وأفاد العميد صالح بأنّ الإخوان يشنون حملة شعواء ظالمة ضد الإمارات رغم التضحيات التي قدمتها والانتصارات التي حققتها والدعم الذي قدمته للشمال والجنوب. وعلل ذلك بأنّه من الطبيعي أن "يعارض الإخوان أي جهد يستهدف مقاومة الحوثيين أو مكافحة الإرهاب".
العميد ثابت صالح لـ"حفريات": الإخوان يشنون حملة شعواء ظالمة ضد الإمارات رغم التضحيات التي قدمتها والانتصارات التي حققتها والدعم الذي قدمته للشمال والجنوب
وقال لـ"حفريات" رئيس مؤسسة دار المعارف للبحوث والإحصاء، سعيد بكران، بأنّ الإخوان يطرحون فكرة اليمن الاتحادي الفيدرالي، القائم حكم الإخوان والولاء لصنعاء. وشكك بكران في جدوى الحوار مع الإخوان في أي مسار، وقال إنّ أي حوار سينتهي إلى طريق مسدود، سواء على مستوى قضايا مستقبل حضرموت ومأرب، أو الشمال والجنوب، وغير ذلك؛ لأنهم يرفضون الشراكة في السلطة، وحين يقبلون يعملون على إضعاف الشركاء، وهذا طبعهم في اليمن والجنوب.
وبحسب وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، فقد أنهت الإمارات العربية المتحدة تدخلها العسكري في اليمن في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، من منطلق الحرص على رؤية انتهاء الحرب. وأضاف قرقاش "دعمت الإمارات جهود الأمم المتحدة ومبادرات سلام متعددة. لا تزال الإمارات منذ البداية من أكبر مقدمي المساعدات الإنسانية للشعب اليمني".
تقنين العلاقات الثنائية
يطرح العقيد في قيادة محور تعز عبد الباسط البحر، مجمل المخاوف لدى أطراف داخل الشرعية من الاتفاقية. وقال إنّ هناك تخوفات لدى بعض الشركاء والكيانات والجهات، بعضها قد يكون مبرراً والأخرى مبالغاً فيه. ولفت إلى أنّ ملاحظات هذه الأطراف هي؛ عدم توقيع وزير الدفاع اليمني على الاتفاق مع نظيره الإماراتي، الإمارات حليف مع اليمن فلا داعي لاتفاقية مستقلة، فضلاً عن تخوف كيانات من تحيز الإمارات لصالح قوى سياسية لا تتفق مع مصالحها.
وليس خافياً أنّ الطرف الوحيد الذي يعارض الإمارات في اليمن هم الإسلام السياسي؛ سواء مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) وفرع جماعة الإخوان المسلمين عبر ذراعها السياسي حزب الإصلاح، بينما تحظى الإمارات بعلاقات قوية مع قوى وطنية منها المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، وهما الطرفان الأكثر فعاليةً في التصدي للحوثيين.
ربما ساعدت قلة المعلومات المنشورة حول اتفاقية التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب بين الإمارات واليمن على تأجيج الحملات المعادية لها. مع ذلك هناك انتقادات لا أساس لها، مثل توقيع وزير العدل الإماراتي بدلاً من وزير الدفاع، إذ أنّ نيابة الوزير كافية، وتفي بالشق القانوني. ويعتبر تقنين العلاقات العسكرية بين البلدين هو أهم نتائج هذه الاتفاقية؛ حيث إنّ للإمارات وجوداً عسكرياً حتى ولو على مستوى الخبراء والمستشارين ضمن التحالف العربي، رغم إعلان أبو ظبي عن الانسحاب العسكري، ولهذا ربما اقتضت الحاجة العملية إلى توقيع هذه الاتفاقية.
من جانب آخر فتوقيع اتفاقية كهذه يصب في صالح الشرعية اليمنية، التي توارت عن المشهد سواء بحكم المكاسب الميدانية للحوثيين أو الخلافات التي تعصف بأركانها، وإنشغال المجتمع الدولي عن الأزمة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.