عثمان كافالا يؤجج صراعات تركيا مع الغرب

عثمان كافالا يؤجج صراعات تركيا مع الغرب


26/10/2021

إثر استدعاء تركيا سفراء عشر دول، من بينها فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، غداة مطالبتهم بـ "الإفراج العاجل" عن رجل الأعمال والمعارض السياسي التركي، عثمان كافالا، والموقوف منذ قرابة أربع سنوات، يبدو أنّ الملف الحقوقي يفاقم الخلافات بين أنقرة والغرب، خاصة بعد صدور بيان من عدة دول أوروبية، اعتبر أنّ استمرار حبس كافالا "يلقي بظلال من الشكّ على احترام الديمقراطية، وحكم القانون والشفافية، في نظام القضاء التركي".

الخلافات بين أنقرة والغرب

وقبل أيام، أصدرت كندا وفرنسا وفنلندا والدانمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة، بياناً، شددت فيه على ضرورة إيجاد "تسوية عادلة وسريعة لقضية رجل الأعمال والناشط التركي، عثمان كافالا، المسجون قيد المحاكمة، وبدون لائحة اتهامات، منذ أربع سنوات، بينما مدّد القضاء التركي، مطلع الشهر الحالي، سجن كافالا، بالرغم من عدم صدور أيّ حكم في حقه، منذ عام 2017.

وفي ظل استمرار الأزمات المتصلة بتدني الوضع الحقوقي في تركيا، و"تسييس" القضاء، وكذا استهداف المعارضة وقوى المجتمع المدني، قالت المفوضية الأوروبية إنّ مساعي تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي "وصلت إلى طريق مسدود".

 

اقرأ أيضاً: أردوغان يطالب بقيود إضافية على مواقع التواصل الاجتماعي... ما الجديد؟

ووصفت المفوضية الأوروبية حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنّها تشرف على عملية "التآكل المستمر للديمقراطية وسيادة القانون"، إضافة إلى تجاهلها توصيات الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، كما لفتت إلى أنّ أنقرة لم تعد جادة في القيام بالإصلاحات التي يدعمها الاتحاد، وتابعت: "لم تعالج مخاوف الاتحاد الأوروبي الجدية من استمرار تدهور الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق الأساسية واستقلال القضاء، وفي ظلّ الظروف الراهنة، وصلت مفاوضات انضمام تركيا (للاتحاد) إلى طريق مسدود فعلياً".

تكتسب قضية رجل الأعمال والسياسي التركي المعارض على الزخم من الموقف الدولي في سياق الضغط على تركيا التي تتخذ مواقف إقليمية معادية لمصالح الغرب والولايات المتحدة

وفي خطوة تصعيدية جديدة ومباغتة، نفذ الرئيس التركي، مطلع الأسبوع الحالي، تهديداته السابقة بخصوص طرد سفراء عدة دول أوروبية، وأعلن أنّه قد طلب من وزارة الخارجية التركية إعلان سفراء عشر دول، من بينها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا "أشخاصاً غير مرغوب فيهم"؛ إذ قال أردوغان، أثناء زيارة لوسط تركيا: "أمرت وزير خارجيتنا بالتعامل في أسرع وقت مع إعلان هؤلاء السفراء العشرة (عبر اعتبارهم) أشخاصاً غير مرغوب فيهم"، ووصف هؤلاء السفراء بأنّهم "يفتقرون إلى اللياقة"، مضيفاً: "عليهم مغادرة البلاد إذا ما عادوا يعرفون تركيا ويفهمونها".

طرد السفراء

الباحث المتخصص في الشأن التركي، خورشد دلي، يؤكد أنّ موقف تركيا وقرارها بشأن السفراء، بداية من الاستدعاء ثم إعلان الطرد، على خلفية قضية رجل الأعمال والمعارض السياسي التركي، عثمان كافالا، سيجعل من الملفات الحقوقية والإنسانية قضية أكثر حضوراً في علاقة هذه الدول بالنظام في أنقرة، لا سيما أنّ تركيا عضو في العديد من المؤسسات الأوروبية الحقوقية والقضائية.

ويرجح دلي لـ "حفريات"؛ أنّه في حال واصلت حكومة الرئيس التركي تشددها وموقفها بخصوص عثمان كافالا، خلال الجلسة المقبلة للمحاكمة، فإنّ مؤسسات أوروبية، مثل المحكمة العليا ومجلس حقوق الإنسان، قد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات ضدّ تركيا، من بينها تجميد عضويتها، الأمر الذي من شأنه أن يرفع "درجة التوتر بين تركيا والغرب، خاصّة مع موقف الأخيرة بأنّ الديمقراطية في تركيا باتت في خطر شديد، نظراً لممارسات النظام التركي العدوانية والقمعية بحقّ خصومه السياسيين، فضلاً عن هيمنته على القضاء والمحاكم التي تقع تحت وطأة التسييس المستمر وتحولت لأداة للتنكيل".

المحلل السياسي خورشيد دلي لـ "حفريات": في حال واصلت أنقرة تشدّدها فإنّ مؤسسات أوروبية مثل المحكمة العليا ومجلس حقوق الإنسان، قد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات ضد تركيا

ووفقاً للباحث المتخصص في الشأن التركي، فإنّ الحكومة التركية تبرر استدعاء سفراء عشر دول ثم إعلان طردهم، بدعوى البيان الذي تم إصداره، والذي رأى أردوغان أنّه بمثابة "تدخل في الشؤون الداخلية التركية، ويؤثر على القضاء التركي"، غير أنّ "هذا التبرير غير مقنع، بسبب خصوصية قضية رجل الأعمال والسياسي المعارض عثمان كافالا، التي تحوّلت إلى قضية رأي عام، محلياً وخارجياً، وكذلك بسبب الخلل القضائي الموجود في محاكمته؛ فالرجل معتقل، منذ قرابة أربع سنوات، دون أيّة إدانة، لا سيما أنّ المحكمة برأته من قضية تظاهرات جيزي باراك، عام ٢٠١٣، قبل أن يتم اعتقاله بعد ساعات بتهمة التورط في المحاولة الانقلابية المزعومة والفاشلة، عام٢٠١٦؛ الأمر الذي ولّد قناعة كاملة بأنّ استمرار اعتقاله طول هذه الفترة، له مبررات سياسية، وليست قضائية، بالتالي، تحوّل اعتقاله والرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطية، صلاح الدين ديمرداش، إلى مجرد رسائل سياسية، للضغط على خصوم الرئيس التركي السياسيين، وتهديدهم بمصير مماثل".

إدانة أممية

وإلى ذلك، دان رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، موقف تركيا باتجاه سفراء الدول الذين جرى الإعلان بأنّهم "غير مرغوب فيهم"، وغرّد ساسولي، على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "يعدّ طرد سفراء 10 دول مؤشراً على التوجه الاستبدادي للحكومة التركية". وأضاف: "لن نخاف.. الحرية لعثمان كافالا".

 

اقرأ أيضاً: "الانقلاب الأبيض" في الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي: ما دور أردوغان؟

وبلهجة تحذيرية، هدّد مجلس أوروبا الحكومة التركية باتخاذ إجراءات عقابية، من بينها: تعليق العضوية، أو حظر حقّ التصويت، خلال الدورة المزمع إجراؤها، في الفترة بين نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) ومطلع كانون الأول (ديسمبر) العام الحالي، وذلك في حال لم يتم الإفراج عن رجل الأعمال والمعارض السياسي التركي.

كما أكدت الخارجية الألمانية أنّ برلين تجري مباحثات مع دول أخرى، عقب إعلان الرئيس التركي طرد سفراء 10 دول، بينها ألمانيا. وقالت الوزارة: "أخذنا بعين الاعتبار تصريحات الرئيس التركي أردوغان".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يرى الباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور سامح مهدي، أنّ سجل تركيا الحقوقي يحفل بوقائع انتهاكات وخروقات عديدة؛ إذ إنّ اعتقال عثمان كافالا، دون أيّ سند قانوني، بل والإفراج عنه ثم اعتقاله مجدداً، لا يعد استثناءً، بل له نماذج عديدة مماثلة، لافتاً إلى أنّ قضية رجل الأعمال والسياسي التركي المعارض تحصل على الزخم من الموقف الدولي المصاحب لها، والذي يأتي، بدوره، في سياق الضغط على تركيا التي تتخذ مواقف إقليمية معادية لمصالح الغرب والولايات المتحدة.

ويشير مهدي إلى أنّ نظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد تعرّض لانتقادات جمّة من قبل المنظمات الأممية، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، من بينها: "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والأخيرة كشفت في تقرير حقوقي، قبل ثلاث أشهر، وصول عدد المعتقلين في صفوف المدنيين والعسكريين إلى أرقام هائلة، وقالت بيانات المحكمة الأوروبية إنّ أعداد السجناء بلغت 360 ألفاً، وتضاعف عدد الموقوفين في الزنزانة الواحدة من 6 إلى 35، في الفترة بين عامي 2002 و2021.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية