عتب لأردوغان وتخوين لغيره: ازدواجية الإخوان في التعامل مع التطبيع

عتب لأردوغان وتخوين لغيره: ازدواجية الإخوان في التعامل مع التطبيع


15/03/2022

لم يخرج تفاعل إخوان المغرب في معرض التعليق على زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى العاصمة التركية أنقرة عن تفاعلات إخوان المنطقة العربية؛ حيث تبني منطق الازدواجية أو التباين في التفاعل مع الخيار السياسي نفسه الذي تبنّته بعض دول المنطقة، لكن بقراءة مغايرة حسب طبيعة الارتباطات.

وبما أنّ إخوان المغرب موزعون إجمالاً على تيارين، حركة "التوحيد والإصلاح"، وجماعة "العدل والإحسان"، فقد صدرت الهيئات المعنية بمتابعة موضوع التطبيع بيانات في هذا الصدد، وإن كان التركيز هنا على هذه الازدواجية أو الكيل بمكيالين من منظور إخواني، سوف يكون نموذجها التطبيقي موقف حركة "التوحيد والإصلاح".

فقد اتضح أنّ موقف هذه الأخيرة، والذي عبّرت عنه في موقعها الرسمي [موقع "الإصلاح"]، جاء موزعاً على مادتين إخباريتين: الأولى مؤرخة في 11 آذار (مارس) الجاري، وهي تلخص مضامين بيان صادر عن "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" المقرب من الإخوان، وجاءت تحت عنوان: "علماء المسلمين: زيارة رئيس الكيان الصهيوني لتركيا خطوة تطبيعية مرفوضة ومدانة"، وهذا عنوان يلُخص موقف الاتحاد والحركة في آن، لأنّ الرئيس السابق للحركة الإخوانية، أحمد الريسوني، هو الذي أصبح اليوم رئيس الاتحاد الإخواني.

في حين خوّنوا غيرهم لم يتجاوز موقف إخوان المغرب مع زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا مقام الرفض والإدانة

أما المادة الثانية، فنشرها الموقع نفسه قبل يوم واحد قبل نشر بيان الاتحاد، وتهم موقفاً صادراً عن "المبادرة المغربية للدعم والنصرة" التابعة للحركة، جاء فيها أنّ "المبادرة المغربية للدعم والنصرة عبّرت عن رفضها واستنكارها لاستقبال رئيس الكيان الصهيوني من طرف رئيس تركيا"، وداعية "الشعب التركي الذي يحتضن القضية الفلسطينية وكل القوى الحية المناهضة للتطبيع، للتعبير عن رفض استقبال مجرمي الحرب واستنكار هذه الخطوة التطبيعية".

 

اقرأ أيضاً: أردوغان يساند إسرائيل في مزاعمها... ماذا قدم لها؟

والحال أنّ موقف الحركة كان مغايراً مع حالات أخرى لدول المنطقة العربية، فمثلاً مع الحالة الإماراتية والبحرينية، نقرأ في الموقع مادة إخبارية مؤرخة في 13 أيلول (سبتمبر) 2020، جاء في عنوانها: "بعد تطبيع الإمارات، التوحيد والإصلاح تعتبر تطبيع البحرين مع الكيان الصهيوني خيانة للقضية الفلسطينية وطعنة غدر للمقاومة"، دون أن نقرأ هذه الأوصاف نفسها في التفاعل مع زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا، مع أنّ تركيا منخرطة منذ عقود في علاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية مع إسرائيل.

والأمر نفسه في تعامل الاتحاد العالمي الإخواني، والذي أكد في البلاغ أعلاه أنّ "الزيارة كانت محل استهجان فعاليات وجهات عدة"، معرباً عن كونه "فوجئ بالزيارة الرسمية"، وبـ"الاستقبال الرسمي الذي خصته به الرئاسة التركية"، كما شدّد البيان أنّه بحكم كونه اتحاداً "يقف مع قضايا أمته وعلى رأسها قضية فلسطين وأنّه يقف مع الحق أينما كان، وضد التطبيع مع المحتلين لقدسنا وأقصانا، يعتبر هذه الزيارة خطوة تطبيعية مرفوضة ومدانة".

 

اقرأ أيضاً: إيران: التهديد لإسرائيل والضرب للأكراد

كما استطرد كل من أحمد الريسوني، والقره داغي رئيس وأمين عام الاتحاد الذي يتخذ من العاصمة القطرية الدوحة مقراً له، أنّ زيارة الرئيس الإسرائيلي، لا تليق "بمكانة الجمهورية التركية"، لأنّ "المكانة الدولية للجمهورية التركية، ومكانتها في الأمة الإسلامية لتحتم عليها أن تقف أكثر فأكثر، بكل إمكاناتها، في وجه الاحتلال وقادته ورموزه، وما يقومون به يومياً من جرائم وانتهاكات لكل القيم والمبادئ والقوانين الدولية".

سعيد لكحل: من النفاق جعل التطبيع حراماً على المغرب والدول العربية بينما يحلل للرئيس التركي

لم يتجاوز الموقف هنا مع زيارة الرئيس الإسرائيلي مقام الرفض والإدانة، وهذا ما نشره موقع إخوان المغرب، بينما موقف الاتحاد نفسه كان مختلفاً مع المغرب والإمارات في نهاية 2021، عندما أصدر الاتحاد في تشرين الثاني (نوفمبر) بياناً أشبه بفتوى جاء فيها: "عمل مدان ومحرم شرعاً وخيانة للعهد العمري، ولحقوق الشعب الفلسطيني"، وهي "الفتوى" التي لا نجد لها أي أثر في بيان الاتحاد أو بيان إخوان المغرب على هامش زيارة الرئيس الإسرائيلي للدولة نفسها، وبالكاد تحدثوا عن إدانة ورفض، دون الوصول إلى إصدار "فتوى تتحدث عن "عمل مدان ومحرم شرعاً وخيانة للعهد العمري".

 

اقرأ أيضاً: تركيا تسعى لتثبيت أقدامها في شرق المتوسط من بوابة إسرائيل

هذه الازدواجية في معرض تعامل إخوان المغرب وإخوان المنطقة مع الموضوع ضمن مواضيع أخرى دفعت ببعض الباحثين والنقاد لنشر مقالات رأي ونقدية، منها مقال رأي نقدي مؤرخ في 12 آذار (مارس) الجاري، بعنوان "أيها المناهضون للتطبيع! سفارة تركيا أمامكم"، للباحث المغربي سعيد لكحل، على موقع "دين بريس"، اعتبر في مضامينه أنه "من نفاق الاتحاد المعني، كونه جعل التطبيع حراماً على المغرب والدول العربية، بينما أحلّه للرئيس التركي ولي نعمته. فبسبب التعاطي الإيديولوجي مع القضية الفلسطينية، صار التطبيع العربي، عند الاتحاد وبقية التنظيمات، يخذل القضية الفلسطينية بينما التطبيع التركي يخدمها"، مع التذكير هنا بأنّ تقرير الأمم المتحدة لسنة 2016، حول الدعم والمنح التي تقدمها الدول لفائدة منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) ، لم يشر إطلاقاً إلى تركيا.

أما المملكة المغربية، فتبقى، بحسب تقرير وكالة بيت المقدس لسنة 2021، من بين جميع الدول الإسلامية المنضوية تحت لواء "منظمة التعاون الإسلامي"، صاحبة النصيب الأكبر في تمويل الوكالة بنسبة 87 في المائة من مساهمات الدول، وهذه معطيات ميدانية يتجاهلها هؤلاء ليس خدمة للقضية الفلسطينية، ولكن تصفية لحساباتهم مع الأنظمة السياسية التي لا تخدم أجنداتهم. لهذا "لن تصدر عن قياداتها أية دعوة إلى الاحتجاج أمام السفارة التركية، وهو أضعف الإيمان، تنديداً واستنكاراً لزيارة رئيس إسرائيل لعاصمة تركيا".

الازدواجية الإخوانية في التعامل مع هذا الملف أمر متداول وسبب من أسباب فشل الجماعة في الظفر بثقة شعوب المنطقة

وأضاف الباحث نفسه أنّ "مناهضة التطبيع مع إسرائيل من طرف هذه التنظيمات، ليست مبدئية وثابتة بحيث لا تتغير بتغير الأحوال واختلاف الدول، بقدر ما هي إيديولوجية وسياسية تخدم إستراتيجيات تلك التنظيمات. ولعل فتوى ما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي تتحكم فيه جماعة الإخوان المسلمين ويدين بالولاء لتركيا أردوغان، تجسد المتاجرة بالقضية الفلسطينية، كما تكشف عن نفاق هذه التنظيمات وكيلها بالمكاييل تبعاً لمصالحها لا مصالح الشعوب والأوطان".

هي ازدواجية متداولة عند المشروع الإخواني منذ عقود، ولا زالت مستمرة، وقد عاين الرأي العام في المنطقة تعامل المشروع مع أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013]، ومن ذلك المواقف السياسية للداعية يوسف القرضاوي ضد بعض دول المنطقة، من التي كان يزورها ويحظى بالتكريم من طرف صناع القرار فيها، ضمن أمثلة أخرى، تجعل الازدواجية الإخوانية في التعامل مع هذا الملف أمر متداول، وسبب من أسباب فشل الجماعة في الظفر بثقة شعوب المنطقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية