
على رغم إجماعهم على معارضة الرئيس قيس سعيد ومسار 25 تموز/يوليو، يبدو أن الخلافات بدأت تشق الحقل الإسلامي بتونس المشتت بطبعه، بإعلان الإخواني المنشق عبد اللطيف المكي ترشحه للانتخابات الرئاسية، خصوصا أن حزبه يعد أحد أبرز مكونات "جبهة الخلاص الوطني" التي ينظر إليها على أنها واجهة لحركة "النهضة" الإسلامية، والتي أعلنت مقاطعتها الانتخابات الرئاسية واصفة إياها بـ"المسرحية".
وأعلن المكي رسميا ترشحه للاقتراع المقرر هذا الخريف، في خطوة قد تفاقم تشتت إخوان تونس المنقسمين بين من يدعم ترشح المكي لكرسي قرطاج، وبين من يدعم ترشيح أحمد نجيب الشابي رئيس "جبهة الخلاص" الإخوانية.
يأتي ذلك في وقت كان يتوقع فيه أن يحاول إسلاميو تونس رّص صفوفهم في محاولة للبقاء والصمود في وجه الأزمات التي يتخبطون فيها منذ عام 2021، بخروجهم من دوائر الحكم والمشهد السياسي برمته.
المكي يعمق انشقاقات الإخوان
وقال الباحث السياسي الجمعي القاسمي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "هذا الإعلان يؤكد أننا دخلنا الزمن الانتخابي بامتياز، وهو إعلان يؤكد أن الخلافات داخل جبهة الخلاص الوطني تفاقمت بشكل كبير، وتابع أن "الجميع يعرفون أن جبهة الخلاص كانت منذ البدء، تحاول الخروج بموقف موحد من أجل تزكية أحد قادتها لخوض هذا السباق، غير أن تباين وجهات النظر داخلها بين من يريد الدفع بأكثر عدد ممكن من المرشحين في الدور الأول لتشتيت الأصوات لكشف الحجم الحقيقي للرئيس قيس سعيد، وبين من يريد الذهاب للدور الثاني ويتم الالتفاف حوله".
وأكد القاسمي أن "وجهة النظر هذه سقطت وأصبحت منتهية بعد إعلان المكي ترشحه، أما في ما يتعلق بالجانب الإسلامي، فإن الانشقاقات عصفت بهذا التيار، بل إن الحركة الإسلامية بصورة عامة تحتضر ولم يعد بالإمكان الحديث عن تماسك داخلها سواء على مستوى حركة ’النهضة‘ أو ما فرخته من أحزاب سياسية". وشدد القاسمي على أن "المسألة مرشحة لمزيد من التفاقم، وسنرى في قادم الأيام أكثر من شخصية إسلامية أخرى تخوض الاستحقاق الانتخابي".
وقال القاسمي "من حيث المبدأ، عبداللطيف المكي سيراهن على الخزان الانتخابي لحركة ’النهضة‘، بالتالي استمالته التصويت لصالحه، لكن هذا الأمر يبقى رهن التطورات السياسية". وأضاف "رهان المكي على شعبية ’النهضة‘ متوقع، خصوصاً أن الرجل يعرف جيداً هذا الخزان، وهو الذي كان أحد أبرز قيادات الحركة".
يُذكر أن حزب العمل والإنجاز تأسس في الـ28 من حزيران/يونيو 2022 وشكل تجمعاً للمنشقين عن حركة "النهضة" التي عصفت بها الاستقالات الداخلية منذ نحو سنتين في وقت يقبع الآن معظم قياداتها في السجن، أبرزهم رئيسها راشد الغنوشي.
المكي كسر محاولات الترويج لمقاطعة الانتخابات
من جانبه، يقول المحلل السياسّي باسل الترجمان، إّن ترشح المكي هو انهيار جديد لإخوان تونس، معتبًرا أّن الجماعة فقدت كل تعاطف شعبّي معها وهي في مرحلة موت سريري، ويضيف في تصريح لموقع "المشهد العربي"، أّن ترشح المكي كسر كل محاولات "جبهة الخلاص" والإسلاميين في الخارج، للترويج لمقاطعة الانتخابات الرئاسية.
وتابع "عندما أعلن السياسي نجيب الشابي الذي يقود "جبهة الخالص" موقفها من هذه الانتخابات، كان عبد اللطيف المكي يقف إلى جانبه لكنه اليوم بإعلانه بشكل منفرد الترشح"، مشيرا إلى أن ذلك يعني أّن هناك تجاذبات وتباينات كبرى وسط بقايا "الإخوان" وحلفائهم".
و"جبهة الخلاص" هي تحالف لحركة النهضة وعدد من الأحزاب والشخصيات الموالية لها، يترأسها نجيب الشابي وهو سياسّي معروف لا ينتمي للغسلاميين، وكان سابًقا من منتقديهم لكنه تحالف معهم بعد أحداث 2021.
خطوة قد تفاقم تشتت إخوان تونس المنقسمين بين من يدعم ترشح المكي لكرسي قرطاج وبين من يدعم ترشيح أحمد نجيب الشابي
وفي تقدير المتحدث فإّن ترشح المكي هو آخر انهيارات "الإخوان" التي بدأت على عكس ما يحاولون الترويج له قبل 25 تموز/يوليو 2021، موضًحا "النهضة تجنى ثمار تراكمات أزماتها العديدة بعد مؤتمر 2016 حين باتت الحركة أسيرة للغنوشي وعائلته".
ومن بين الرسائل التي يكشفها ترشح المكي وفق ترجمان، هو تكذيب كل ما يحاول "الإخوان" ترويجه حول وجود مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ويوضح "يحاول "الإخوان" الترويج إلى أّن كل من يفكر في الترشح لهذه الانتخابات، يقع استبعاده، وبترشح المكي يثبت أّن هذه مغالطات إخوانية".
ويعتبر أّن ترشح المكي يأتي في سياق ضرب السردية التي يحاول "الإخوان" الترويج لها في الداخل، وخصوًصا في الخارج حول "إقصاء المعارضين ومنعهم من الترشح".
المكي يعول على الخزان الانتخابي للإخوان
بالمقابل، يقول محمد الميداني، المحلل السياسي التونسي في حديث لموقع "العين الإخبارية"، إن "المكي يطمح للترشح للانتخابات الرئاسية، ويعول على وهم اسمه الخزان الانتخابي لحركة النهضة"، مضيفا أن "ترشيح المكي للانتخابات الرئاسية ليس مدعوما من الحركة بشكل مباشر، لأن الشق الثاني يساند فكرة دعم أحمد نجيب الشابي الذي تخلى عن مبادئه حالما بالترشح لكرسي قرطاج".
وأشار إلى أن المكي يرى في نفسه المرشح الأحق بالنسبة للإخوان من الشابي ذي الخلفية السياسية اليسارية، معتبرا أنه بذلك يريد الاستفادة من فرص الدعم.
وأوضح أن "المكي يعي جيدا حجم اللفظ الشعبي للإخوان خاصة أنه عندما ترشح نائب رئيس النهضة عبد الفتاح مورو بالانتخابات الرئاسية لسنة 2019، خسرت الحركة بشكل كبير، لكن الهوس بالرئاسة يأسره".
وفي 2022 قدم المكي برفقة 112 قيادياً استقالاتهم من حركة "النهضة" في ضربة قاصمة آنذاك للحزب، خصوصاً أن الاستقالات شملت نواباً ووزراء سابقين وغيرهم، مما أحدث تكهنات بنهاية الحركة سياسياً، لا سيما بعد فقدانها الحكم.
وجاءت الاستقالات بسبب ما وصفته تلك القيادات بتعنت راشد الغنوشي في مواصلة قيادته الحركة وسعيه إلى تغيير نظامها الداخلي من أجل الاستمرار في موقعه.
المكي أحد أبرز قياديي النهضة
وعبد اللطيف المكي من مواليد 1962، ويعتبر أحد أبرز القيادات العليا لحركة النهضة الإخوانية، فهو أحد نوابها في البرلمان وكان وزيرا للصحة، ويُعرف بأنه من صقورها (الشق المتشدد للحركة).
وكان أحد مرشحي الإخوان لرئاسة الحكومة، وكذلك لخلافة راشد الغنوشي على رأس "النهضة"، لولا إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 التي عصفت بالحركة.
الانشقاقات عصفت بهذا التيار بل إن الحركة الإسلامية بصورة عامة تحتضر ولم يعد بالإمكان الحديث عن تماسك داخلها
وبعد التاريخ المذكور، أي بسريان الإجراءات الرئاسية تجاه الإخوان (تجميد عمل البرلمان قبل حله لاحقا)، استقال المكي من حركة النهضة رفقة 113 من أعضاء الحزب، مطلع آب/أغسطس 2021.
وكان المكي أحد مؤسسي الاتحاد العام التونسي للطلبة (اتحاد طلبة الإخوان) الذي كان بين يناير/كانون الثاني 1989 كانون الأول/ديسمبر 1990 ثاني أمنائه العامين بعد عبد الكريم الهاروني.
وظهر المكي بعد 2011 كأحد أبرز قياديي النهضة فانتخب رئيسا لمؤتمرها التاسع المنعقد في يوليو/تموز 2012 ، ومع عجز الجبالي عن تشكيل حكومة في شباط/فبراير 2013، برز اسمه كأبرز مرشح لخلافته قبل أن يتم اختيار علي العريض.
وترشح عبد اللطيف المكي في الانتخابات التشريعية لعام 2014 وفاز بمقعد في البرلمان.