"طوفان الأقصى" يُغرق الاقتصاد الإسرائيلي في أزمات يعمّقها توسّع الحرب

"طوفان الأقصى" يُغرق الاقتصاد الإسرائيلي في أزمات يعمّقها توسّع الحرب

"طوفان الأقصى" يُغرق الاقتصاد الإسرائيلي في أزمات يعمّقها توسّع الحرب


21/10/2023

أيمن عمر

إن للحروب تداعيات لا تقتصر على الجانب العسكري والأمني والسياسي فحسب، بل تتعدّاها إلى ما هو أهم وهو الجانب الاقتصادي. وإذا كانت عملية "طوفان الأقصى" قد أحدثت في جانبها العسكري والأمني تداعيات كبيرة جداً، فإن بُعدها الاقتصادي لا يقلّ أهمّية عن ذلك، ويمكن تلخيصه بما يأتي:

النّاتج المحلي والعجز المالي

قدّر بنك "هبوعليم" تكلفة الحرب بين الكيان الإسرائيلي وحركة "حماس" الدّائرة تحت عنوان "طوفان الأقصى" بما لا يقلّ عن 27 مليار شيكل (6.8 مليارات دولار) حتى الآن وفقاً لتوقّعات أولية، وهي تشكّل ما لا يقل عن 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي الذي من المتوقّع أن يبلغ 521.69 مليار دولار في عام 2023 بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ما سيؤدي إلى زيادة العجز المالي الذي قُدّر قبل الحرب في آب المنصرم بـ6 مليارات دولار أي ما نسبته 1.3% من الناتج المحلي، ليصل إلى 12.8 مليار دولار أي سيتخطّى نسبة 2.5% من الناتج المحلي وليتجاوز بذلك هدف العجز المالي الذي حدّدته الحكومة لهذا العام وهو 1.1%، مع استمرار إيرادات الدولة من الضرائب في الانخفاض وزيادة الإنفاق الحكومي وخاصة الحربي. 

القطاع المالي

يُعتبر القطاع المالي أكثر القطاعات هشاشة وتأثّره المباشر بالحروب والاهتزازات الأمنيّة، إذ تكبّد قطاع البنوك النسبة الأكبر من الخسائر في التداولات بانخفاض بنسبة 9% في أسهم البنوك مع مبيعات بلغت 2.2 مليار شيكل (573 مليون دولار)، وأنهت مؤشرات الأسهم الرئيسية في تل أبيب (TA-125) و(TA-35) على انخفاض بنسبة 7% تقريباً، وانخفضت أسعار السندات الحكومية بقدر ما 3%، مع انخفاض مؤشر TA-Bank وأسهم البناء والتشييد والتأمين بشكل أكثر حدة بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى"، أي يوم الاثنين 9 تشرين الأول (أكتوبر). وقد أعلن "بنك إسرائيل" عن خطط لبيع ما يصل إلى 30 مليار دولار حداً أقصى من العملات الأجنبية في السوق المفتوحة، وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يواجه فيه الشيكل انخفاضاً، بحيث يقترب سعر صرف الدولار من 4 شيكل للدولار. يهدف البنك من وراء هذا الإجراء إلى الحدّ من تقلبات أسعار الصرف وتوفير السيولة للسوق، مع خيار ثانوي يصل إلى 15 مليار دولار من خلال آليات المبادلة. 

العمالة

بسبب حالة الحرب، تم استدعاء أكثر من 300 ألف من جنود الاحتياط الذين تركوا وظائفهم، الأمر الذي سينعكس على حجم القوى العاملة ودورها في الأنشطة والفعّاليات الاقتصادية ومساهمتها في الناتج المحلي، وهذا سيشكّل تحدّيات كبيرة للشركات. إن انخفاض الإنتاجية أمر شبه مؤكد وحجم الضرر الاقتصادي سيعتمد على مدة بقاء جنود الاحتياط بعيداً من وظائفهم. وستتأثر العمالة في العديد من القطاعات منها الزراعة، الاتصالات، الصناعات التحويلية، المطاعم، الفنادق، والتجارة، إذ إن العديد من العمال يأتون من غزة ويؤثّر الصراع على قدرتهم على العمل. إذ يبلغ عدد العاملين في الكيان الإسرائيلي نحو 139 ألف عامل في الربع الثاني 2023، وفي المستوطنات الإسرائيلية 25 ألفاً في الربع الثاني من عام 2023.

الأمن الغذائي وسلاسل التوريد

قد يحدث خلل في إمدادات البوتاس الموجودة في منطقة البحر الميت الغنية بالمعادن والتي تشكّل 3% من إمدادات البوتاس العالمية، وذلك بسبب صعوبة تصديرها من ميناء "أشدود" المركز الرئيسي لتصديرها والذي يقع على بعد 20 ميلاً فقط شمال قطاع غزة. وقد ازداد الطلب على السلع الغذائية الأساسية مثل الخبز والماء والحليب والبيض بسبب المخاوف من نقص الغذاء، ما أدّى إلى زعزعة قدرة المتاجر على تلبية حاجات المستهلكين. وقد ظهر ذلك جلياً في فراغ رفوف المتاجر من البضائع، ما سيُضطر المسؤولين إلى تحديد كميات شراء البيض والحليب والخبز والماء لكل عميل لضمان وجود ما يكفي منه. 

السّياحة

سيتأثّر قطاع السّياحة الذي درّ دخلاً بحدود 5.518 مليارات دولار أميركي في عام 2022، وهو يشكّل نحو 3.6% من إجمالي العمالة وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومع إلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى الكيان الإسرائيلي، لم يعد الطيران من مطار تل أبيب ممكناً. وقد ألغى عدد من المجموعات السياحية في جميع أنحاء الكيان الإسرائيلي فعّاليّاتهم المخطط لها وعرضوا استرداد المبالغ المدفوعة مقابل الجولات المستقبلية للعملاء. وسعى السياح العالقون في البلاد إلى حجز رحلات جويّة إلى الخارج حيث نظمت الحكومتان السويسرية والأيسلندية رحلات خاصة خارج البلاد لمواطنيهما. وطُلب من الذين يقومون بالرحلات البحرية أن يبقوا على متن سفنهم، ومن السائحين الآخرين البقاء في فنادقهم.

القطاعات ذات التقنية العالية

تّعتبر الصناعات ذات التقنية العالية على مدى بضعة عقود هي القطاع الأسرع نمواً في الكيان الإسرائيلي والمحفّز الأول للنمو الاقتصادي، إذ  تمثّل 14% من الوظائف وما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي. وهناك الآن 500 شركة متعددة الجنسيات معظمها مراكز بحث وتطوير بعد شراء شركات إسرائيلية ناشئة من إنتل إلى آي بي إم وأبل ومايكروسوفت وغوغل وفايسبوك تعمل في هذا الكيان. وبفعل الحرب انخفضت أسهم شركة إنتل بنسبة 0.5% يوم الاثنين، وانخفضت أسهم شركة تاور سيميكونداكتور ومقرها الكيان الإسرائيلي والتي تزود عملاءها بأشباه الموصلات التناظرية وأشباه الموصلات ذات الإشارات المختلطة، خاصة لصناعات السيارات والاستهلاك، المدرجة في نيويورك بنسبة 4.9%. 

ويمكن أيضاً تقدير الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي تقريبياً، إذ إن نحو 18% من الناتج الصناعي في الكيان الإسرائيلي يأتي من منطقة عسقلان، وإذا أضفنا منطقة بئر السبع فإنها تمثل نحو 25%.

هذه التقديرات لعملية "طوفان الأقصى" إذا انحصرت عملياتها العسكرية في النطاق الجغرافي، أما إذا تمدّدت الحرب لتصبح حرباً شاملة كأحد السيناريوات المطروحة، فإنه بالتأكيد ستتعاظم حجم هذه التداعيات إلى حدّ يفوق قدرة هذا الكيان على تحمّلها وحده، ما سيستدعي تدخّلاً دولياً من حلفائه لدعمه بالتمويل اللازم إلى جانب الدعم العسكري الحالي.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية