طبيعة الدور الإيراني في ليبيا ودلالته؟

طبيعة الدور الإيراني في ليبيا ودلالته؟


19/09/2020

هدى رؤوف

هل يمكن القول إن هناك حضوراً أو دوراً إيرانياً في ليبيا، التي توجد في الشمال الأفريقي وبعيدة جغرافياً من إيران؟ وأين هذا الدور في ظل الحضور الفعلي العلني لعدد من القوى والفاعلين الإقليميين والدوليين في الأزمة الليبية؟ ربما يمكن تتبع بعض المؤشرات والعودة إلى بعض من سمات السلوك الإيراني للإجابة عن وجود دور لطهران في ليبيا من عدمه وما هي ملامح هذا الدور؟ وما دلالته لسمات الصراعات في الشرق الأوسط أخيراً؟

يمكن أن تكون نقطة البداية هي زيارة جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا في شهر يونيو (حزيران) الماضي، الذي أكد خلالها بشكل معلن وواضح تأييد طهران لحكومة الوفاق الليبية المدعومة من أنقرة وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره مولود جاويش أوغلو. كما أنها كانت المرة الأولى التي تستضيف فيها تركيا وزير خارجية منذ أشهر بسبب تفشي كورونا. وقال ظريف "نسعى للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية لإنهاء الحرب الأهلية، نحن ندعم الحكومة الشرعية في ليبيا، وهي قادرة على إنهاء الحرب المستمرة"، مضيفاً "لدينا وجهات نظر مشتركة مع الجانب التركي حول سبل إنهاء الأزمة في ليبيا واليمن".

إذاً كان هذا أول تأييد رسمي لطهران لحكومة الوفاق وسط مزاعم وشائعات بأن الحرس الثوري ينقل أسلحة خلسة إلى قوات الجيش الوطني الليبي المدعوم من روسيا بقيادة خليفة حفتر. ثم بعد ذلك كانت هناك تقارير تتحدث عن وصول سفينة إيرانية محملة بالأسلحة إلى ميناء مصراتة، وأخيراً وفي ظل التحقيقات التي تجرى بعد انفجار مرفأ بيروت، كانت هناك تقارير تتحدث عن أن نيترات الأمونيوم المخزنة في المستودع في العاصمة اللبنانية، مطابقة للمادة التي استولت عليها اليونان من شحنة تركية كانت في طريقها إلى ميناء مصراتة في ليبيا في 10 يونيو 2020، حيث كان من المفترض أن تصل في النهاية إلى أيدي الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق الليبية والمرتزقة المدعومين من تركيا. ولمدّ الخط على استقامته في لبنان، نجد أن تركيا تسعى الآن إلى تطوير علاقتها به وبالطبع سيكون مفتاح التدخل هو علاقتها بإيران، ومن دون شك "حزب الله". فتركيا تؤرقها التحديات التي تثيرها الجالية الأرمنية حول مذابح الأرمن التي ارتكبتها الدولة العثمانية، لكن ستحاول أنقرة الاستفادة من علاقة "حزب الله" بالجالية والعلاقات الجيدة بين إيران وأرمينيا، فلا ننسى أن طهران وقفت إلى جانب الدولة المسيحية في نزاعها مع أذربيجان المسلمة. كذلك أظهرت بعض صور الأقمار الصناعية وجود عدد من المسلحين المنتسبين لميليشيا شيعية عراقية في ليبيا، متدخلين في المعارك الدائرة هناك.

إن كل هذه المؤشرات في أزمة ليبيا ولو توسعنا خارجها للحديث عن وجود تركي أخيراً في اليمن والبحر الأحمر، تؤكد أن هناك تعاوناً أمنياً وسياسياً وعسكرياً بين أنقرة وطهران في كثير من ملفات المنطقة.

ربما تثير كل هذه المؤشرات التساؤل حول طبيعة العلاقات بين تركيا وإيران؟ ودلالة هذا التداخل في الحرب الليبية؟ الواقع أن التنسيق التركي الإيراني سببه محاولة الجانبين الاستفادة من أزمات الإقليم على حساب المصالح العربية في الدول التي صدّعتها الثورات والحروب والإرهاب منذ 2011، لكن هذا لا ينفي تعارض مصالح البلدين وتناقضهما، لا سيما أن الطموح الإقليمي لكل منهما يتشابه من حيث طبيعة دورهما وأدواتهما لتحقيق هذا الطموح. الأمر الآخر الذي وجبت الإشارة إليه هو أنه كون إيران دولة شيعية أسست عشرات الميليشيات الشيعية المسلحة في المنطقة العربية، لا يعني عدم جاذبية الصراع الممتد في ليبيا لدعوتها إلى التدخل والاستفادة من تهريب الأسلحة لهذه المجموعات والأطراف المتصارعة، ذلك أن إيران لديها علاقات مع بعض الجماعات المسلحة السنية مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي.

الأمر الآخر أن هناك نزعة متزايدة لدى كل من إيران وتركيا لتشكيل كتلة إسلامية قائمة على العامل الأيديولوجي بشكل رئيس في مقابل مصالح الدول العربية الأخرى، ولا تفوتنا الإشارة إلى سعي كل من إيران وجماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكمهم في مصر إلى تقوية العلاقات مع طهران والانفتاح عليها، ومن ثم فإيران قد تسعى إلى توطيد علاقتها بالحكومة الإسلامية في ليبيا، وربما حكومة الإخوان المسلمين في تونس كذلك، بما يتّسق مع اصطفافها مع المحور التركي القطري.

إن الحرب في ليبيا لم تعكس فقط مفهوم الحروب بالوكالة من خلال تدخل أطراف إقليمية ودولية في أزمتها، بل عكست كذلك تناقض التحالفات والمحاور في المنطقة، فنجد أن التعاون بين إيران وتركيا في ليبيا يتعارض مع السياسة الخارجية الأميركية القائمة على الحفاظ على علاقة وثيقة مع تركيا لمناوأة النفوذ الإيراني في سوريا وأماكن أخرى في المنطقة، أيضاً يختلف دعم إيران لحكومة الوفاق عن حليفتها سوريا التي تتقارب مع الحكومة الليبية في طبرق. كما أنه على الرغم من الموقف المشترك بشأن ليبيا، تدعم تركيا وإيران أطرافاً متعارضة في الصراع في سوريا.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية