طالبان وأمريكا: من التفاوض والاتفاق الهش إلى الخصومة

طالبان وأمريكا: من التفاوض والاتفاق الهش إلى الخصومة


03/02/2021

يمثّل الإعلان الأمريكي الأخير بخصوص بقاء قوات التحالف في أفغانستان، أحد التعقيدات الجديدة المحتملة في مسار محادثات السلام، التي بدأت مطلع العام الماضي، بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، في العاصمة القطرية "الدوحة"، والتي تقتضي عدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أيّة جماعة، مسلحة أو عسكرية، لتهدّد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها، إضافة إلى الإعلان عن خريطةِ طريق لانسحاب جميع القوات الأمريكية، وقوات حلف الناتو، من أفغانستان.

مفاوضات السلام ومسارات العنف

يعدّ اتفاق السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية، وبالتبعية إنهاء الوجود العسكري الأمريكي بأفغانستان، أحد الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب؛ إذ أكّد على إعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، لا سيما أنّ الحرب الممتدة لنحو 19 عاماً، والتي سمّيت بـ "فيتنام الثانية"، قد تسبَّبت في مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي، بحسب بعض التقديرات الأمريكية، كما ما تزال هناك قوات أمريكية قوامها نحو 12000 جندي.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ

ترجع بدايات الصراع الذي انخرطت فيه الولايات المتحدة ضدّ الحركة الأصولية بأفغانستان، إلى العام 2001؛ وذلك في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)؛ إذ نفّذت واشنطن غارات جوية، بعد شهر من الحادث الإرهابي، ورفض طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وبينما أنهى التحالف الدولي مهمته القتالية، عام 2014، إلا أنّه أبقى على آلاف العناصر، وفق ما عرف ببند تدريب القوات الأفغانية، كما أنّ واشنطن ظلت تستأنف هجماتها العسكرية، الميدانية والجوية، حتى في فترات تقليص قواتها.

يعدّ قرار بقاء قوات التحالف في أفغانستان تأكيداً بأنّ الإدارة الأمريكية تعطي أولوية لهذا الملف، بعد فشل معاهدة السلام التي نفّذها ترامب، برعاية الدوحة

وفي ظلّ إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يبدو أنّ ثمة متغيرات عديدة سوف يشهدها هذا الملف، سواء من الناحية السياسية أو الميدانية. وفي كلّ الأحوال، لم تشهد المفاوضات، خلال العام الماضي، تقدّماً لافتاً، في مراحلها المتفاوتة؛ فقد نفّذت طالبان ما يزيد عن 4500 هجوم، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، وذلك في غضون 45 يوماً، منذ توقيع الاتفاق، في نهاية شباط (فبراير) العام الماضي، كما استمر التصعيد الميداني من الحركة ضدّ مواقع الحكومة الأفغانية، وكذا استهداف قوات التحالف.

الناتو يصحّح مسارات ترامب

وتشير وكالة "رويترز" للأنباء، إلى أنّ أربعة من كبار المسؤولين في حلف شمال الأطلسي، تحدثوا عن "بقاء القوات في التحالف الدولي في أفغانستان إلى ما بعد الموعد النهائي، في أيار (مايو)، بحسب المنصوص عليه في اتفاق طالبان مع الولايات المتحدة"، وأضافت الوكالة، نقلاً عن أحد المسؤولين في حلف شمال الأطلسي: "لم يجرِ الإيفاء بشروط الاتفاق من جانب الحركة والحكومة، ومع  قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، ستكون هناك تعديلات على الاتفاق، وسيجري التعامل مع  فكرة الانسحاب المتسرعة، بالتالي، ستكون هناك إستراتيجية محسوبة العواقب بشأن الخروج من أفغانستان".

اقرأ أيضاً: فتح ملف أعداد الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان... ما الجديد؟

وقالت الناطقة الرسمية بلسان الناتو، أوانا لونجيسكو: "لا يوجد عضو في الحلف  يريد البقاء في أفغانستان لفترة أطول من اللازم، لكننا أوضحنا أنّ وجودنا ما يزال قائماً على الظروف"، مضيفة: "يواصل الأعضاء تقييم الوضع العام، والتشاور بشأن كيفية المضي قدماً"، كما لفتت إلى أنّ هناك "عشرة آلاف جندي من التحالف الدولي، بينهم أمريكيون، موجودون حالياً في أفغانستان".

وعلى ما يبدو، فإنّ حلف شمال الأطلسي الذي تعرض إلى الإقصاء والتهميش، خلال فترة إدارة ترامب، بحسب مراقبين ودبلوماسيين أمريكيين، كانت له مواقف مغايرة بخصوص سحب قوات التحالف من أفغانستان؛ إذ أعلن الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرج، نهاية العام الماضي: أنّ "التحالف العسكري قد يواجه عواقب وخيمة نتيجة خفض أعداد القوات في أفغانستان، وأنّ حلف الناتو سيواجه قراراً صعباً إذا ما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان".

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يحذر من إقامة "إمارة إسلامية" في أفغانستان.. لماذا؟

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ: "نحن في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاماً، ولا يريد أيّ من حلفاء الناتو البقاء لفترة أطول من اللازم، لكن، في الوقت نفسه، قد يكون ثمن المغادرة قريباً، أو بطريقة غير منسّقة مرتفعاً للغاية؛ إذ إنّ أفغانستان قد تصبح، مرة ثانية، منصة للإرهابيين الدوليين، وتخطّط أو تنظّم الهجمات على أوطاننا، كما يمكن لداعش إعادة بناء تنظيمه الإرهابي في أفغانستان بعد أن خسره في سوريا والعراق".

فشل اتفاق الدوحة

ومن جانبها، أعلنت الحكومة الأفغانية؛ أنّ "حركة طالبان فشلت في تلبية الشروط المنصوص عليها في اتفاق السلام، بسبب تصاعد العنف والفشل في قطع العلاقات والروابط مع الجماعات المتشدّدة، مثل تنظيم القاعدة".

يتفق والرأي ذاته الناطق الرسمي بلسان وزارة الدفاع الأمريكية، والذي قال: إنّ "طالبان لم تفِ بالتزاماتها، لكنّ واشنطن ظلت ملتزمة بالعملية، ولم تقرّر بعد بشأن أعداد القوات في المستقبل، كما أنّ بايدن ملتزم بإنهاء الحروب طويلة الأمد مع حماية الأمريكيين من الإرهاب والتهديدات الأخرى."

وبحسب وكالة "رويترز"؛ فإنّ مصادر داخل حركة طالبان أكّدت أنّها "قلقة بشكل متزايد، في الأسابيع الأخيرة، بشأن احتمال أن تغيّر واشنطن جوانب من الاتفاق، وتحتفظ بقوات في البلاد إلى ما بعد التاريخ المحدّد لخروجها، في أيار (مايو) المقبل"، وأضافت: "نقلنا مخاوفنا، لكنّهم أكّدوا لنا احترام اتفاق الدوحة والعمل به، لكن ما يحدث على الأرض في أفغانستان يظهر شيئاً آخر، وهذا هو السبب في أنّنا قررنا إرسال وفودنا لمعرفة آراء حلفائنا في الأمر".

د. هاني سليمان لـ"حفريات": فشل المفاوضات مع طالبان يُرجح أن يُحدث موجة عنف ضد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان

وصرّح الناطق الرسمي بلسان طالبان، ذبيح الله مجاهد: بأنّ "مقاتلي الحركة ما يزالون ملتزمين بعملية السلام، وتابع "لا شكّ في أنّه إذا لم يتم تنفيذ اتفاق الدوحة فستكون هناك عواقب محتملة، وسيتمّ إلقاء اللوم على  الجانب الذي لم يحترم الاتفاق، ونتوقع أن يفكر الناتو في إنهاء هذه الحرب، وأن يتجنّب المزيد من الأعذار لإطالة أمد المعاناة في أفغانستان".

ولذلك؛ يعدّ قرار بقاء قوات التحالف في أفغانستان بمثابة تأكيد على أنّ الإدارة الأمريكية تعطي أولوية لهذا الملف، خاصة في ظلّ فشل معاهدة السلام التي نفّذها ترامب، برعاية الدوحة، بحسب الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في القاهرة؛ إذ لم تحقّق المعاهدة أيّ اتفاق حقيقيّ ومستقر، يضمن الأمن والسلام.

مدير المركز العربي للبحوث والدراسات د. هاني سليمان

ويضيف سليمان، لـ "حفريات": "هذا القرار الأخير يعكس قراءة دقيقة وواقعية للموقف الراهن في أفغانستان، من الناحيتين السياسية والميدانية، وكذا الاستفادة من الخبرات والأخطاء التاريخية، التي وقعت فيها واشنطن في العراق، عندما تركته ساحة خصبة للإرهاب والتدخلات الخارجية، دون تهيئة الأوضاع للمرحلة الانتقالية".

وفي تقدير مدير المركز العربي للبحوث والدراسات؛ فإنّ تلك الخطوة من جانب إدارة بايدن تعدّ "إعلاناً رسمياً لفشل المفاوضات"، كما يرجّح أن "تحدث موجة من العنف، من خلال تنفيذ حركة طالبان مجموعة من الأعمال العدائية ضدّ قوات التحالف، لا سيما إذا ما أقدمت واشنطن على إجراءات جديدة تمسّ مساحات نفوذ وقوة التنظيم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية