طالبان بثوب جديد.. هل يمكن ترويض الإرهاب؟

طالبان بثوب جديد.. هل يمكن ترويض الإرهاب؟


19/08/2021

إذا كانت الأمور يعكسها الكلام، فتبدو تصريحات ساسة طالبان مطمئنة إلى حد كبير، كأنه ثوب جديد للحركة تستعد فيه لتكون على رأس نظام سياسي قادر على التعاطي خارجياً مع الدول بدلاً من الانعزال، يتوافق مع المكونات العرقية والمذهبية في الداخل، وصولاً إلى درجة مقبولة من الحكم الرشيد، لكن على الجانب الآخر ثمة قلق كبير من تنامي ظاهرة الإرهاب، وحصول العديد من التنظيمات على ملاذ آمن طال انتظاره.

استخدام الإسلام السياسي من جديد

حاولت الولايات المتحدة ترويض طالبان عبر جولات من المفاوضات رعتها الدوحة، ولما فشلت أوقعتها فيما حصل، إذ أرادت للسيناريو أن يجري من أجل الفرار من مأزق أرادت الصين وروسيا لأمريكا أن تغرق فيه لسنوات أخرى، وكذلك من أجل خلق الفوضى ودفع الجناح المتشدد داخل الحركة للقفز على التفاهمات والدخول على عجلٍ لكابول ما سيعقد المنطقة أمنياً، ويجعل الإسلام السياسي الذي يواجه مشكلات في الشرق الأوسط يجد ملاذاً آمناً من جديد، ويحل مشكلة الميليشيات والمسجونين في أماكن التوتر مثل سوريا وليبيا أن يجدوا قاعدة لهم، وهذا سيصعّب الأدوار السياسية والاقتصادية على بكين وموسكو، وهو هدف استراتيجي لواشنطن.

ورغم أنّ الولايات المتحدة كانت لا تريد لذلك أن يتم بهذه السرعة، فقد فشل تخطيطها وانسحبت من أفغانستان بهذه الطريقة لدوافع وأسباب كثيرة أهمها؛ فساد السلطة السابقة، وعمليات الاختراق التي قامت بها الحركة للقبائل والشخصيات المهمة عبر التمويل الذي تم من الدعم السخي الذي حصلت عليه طالبان عبر تجارة الأحجار الكريمة والتعدين وتجارة الأفيون، ليحصل الإسلام السياسي على قُبلة للحياة.

رسائل معكوسة لطالبان

في مقابل ما سبق وقبل سقوط كابول ذهب وفد يترأسه رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادر إلى الصين ثم إلى العاصمة طهران، والتقى بوزير الخارجية محمد جواد ظريف.

أما الزيارة الأكثر براغماتية فزيارتهم لموسكو لطمأنة الجانب الروسي، بل وتعهدهم بعدم خرق حدود دول آسيا الوسطى ومكافحة تهديد تنظيم داعش، إلا أنّ وجود أكثر من 400 عنصر للقاعدة من بينهم أيمن الظواهري، والآلاف من الجماعات الأخرى التي قاتلت مع الحركة، وفق مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يؤكد أنّها لن تمنح دعماً مطلقاً لها لكنّها لن تتوانى عن حماية التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن.

حاولت الولايات المتحدة ترويض طالبان عبر جولات من المفاوضات ولما فشلت أوقعتها فيما حصل

ما تزال العلاقة وطيدة بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة وخاصة من خلال شبكة حقاني التابعة لها، وهي علاقة قائمة على الصداقة وتاريخ مشترك من النضال والتعاطف الأيديولوجي، وفق تقارير نشرتها مجلة (الصمود) الناطقة باسم الحركة.

من هنا أطلق المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد تصريحاً ذكر فيه أنّه لا يوجد اتفاق ملزم يجبر الحركة على تسليم عناصر القاعدة، إلا أنّهم لن يسمحوا لاستخدام أراضي أفغانستان كمحطة يُشن منها هجوم على الغرب، ويُرجح أنّ هذا هو سياسة الحركة المقبلة.

إرهاب متفاقم

لقد ترسّخت على مدى سنوات العلاقة بين طالبان والحركات الجهادية من خلال الصلات الأيديولوجية والروابط الشخصية والأهداف المشتركة، بل إن الحركة أكدت في بيان نُشر على موقعها المعروف باسم "صوت الجهاد" في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أنّه ليس لها أي التزامات تقضي بقطع علاقاتها مع القاعدة بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة.

ولا يخفى استخدام طالبان لشبكة حقاني الإرهابية شبه المستقلة، والتي تقود بحد ذاتها ما يصل إلى 10 آلاف مقاتل، ولها علاقات تاريخية مع القاعدة، وتوفر لقادتها ملاذاً آمناً.

وقد تموضعت تنظيمات إرهابية بمساعدة طالبان داخل وخارج أفغانستان، بل وتوغلت بين خمسة ملايين أفغاني يعيشون في الخارج، بعضهم تم استقطابه في إيران للعمل مع تشكيلات إرهابية مثل (فاطميون)، أو مع تشكيلات مثل (طالبان باكستان)، أو حركة تركستان، ما دفع الصين لمحاولة التقرب للحركة حتى تستفيد من أفغانستان اقتصادياً، ولا تكون منصة إطلاق لهجمات عليها.

ما تزال العلاقة وطيدة بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة وخاصة من خلال شبكة حقاني التابعة لها

وسمحت الحرب بظهور تنظيم داعش في ولايات جنوبية وشرقية في كابول وجلال أباد، وأعلن "لواء التوحيد" و"أنصار الخلافة" و"الجهاد" و "جند الله" المنشقة من حركة طالبان باكستان ولاءها للتنظيم، والسيطرة على مناطق شرق أفغانستان، والآن عقب سقوط كابول من المرجح ازدياد الهجمات الداعشية، في مقابل تصدي الحركة لذلك بقوة لتبدو أمام العالم أنّها نسخة جديدة تواجه الإرهاب، وتستخدم ذلك كورقة مساومة أمنية مع الغرب، في وقت تقاتل فيه غريمها التقليدي، وتسمح فيه للقاعدة بالمرور من الأبواب الخلفية.

من هنا ستمثل سيطرة حركة طالبان تهديدات أمنية للجمهوريات السوفيتية السابقة، مثل الأحزاب الإسلامية الجهادية بأوزبكستان وطاجيكستان، ونمو الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وانتشار التطرف وتدفق اللاجئين، وزيادة تدفقات الأسلحة والمخدرات.

ولا يمكن للحركة أن تتحكم في كثير من المنشقين عنها والمنضمين إلى صفوف القاعدة على سبيل المثال، مما يعزز صفوفه، وفوق ذلك سيدفع ذلك إلى مزيد من الهجرات إليها.

وللأسباب السابقة نرى أنّ الإرهاب سيتفاقم بوصول طالبان لسدة الحكم في أفغانستان، إذ إنّها لا تمنع المواطنين الأجانب من الالتحاق بصفوفها، بل ومن عاداتها أن ترحب بالمنضمين من باكستان ودول آسيا الوسطى، وما تلتزم به فقط أمام العالم، وفق تصريحاتها الأخيرة، هو الحيلولة دون استخدام الأراضي الأفغانية لشنّ هجمات إرهابية على الولايات المتّحدة وحلفائها، بيد أنّه هذا وعد فقط، في ظل وجود واستمرار بقاء تنظيمات إرهابية متعددة على الأراضي الأفغانية، مثل شبكة "لشكر طيبة" الإرهابية التي تتعاون مع طالبان وتستهدف الهند.

سيناريوهات مستقبلية

ومن المحتمل أن تتعامل طالبان مع الجماعات المسلحة، ومنها القاعدة وفق عدد من السيناريوهات:

1- حماية وجود التنظيمات لكنه لن يكون بشكل مفتوح، والاستفادة من النموذج الإيراني في التعامل مع القاعدة، التي تفتح لهم معسكرات إيواء وتدريب، لكنها لا تعترف بذلك ولا تكشف عنها، وتُبقي بعض قادة القاعدة قيد الإقامة الجبرية مع منحهم فرص للتواصل مع المنتسبين، وأن تستمر الجماعات الإرهابية في اتخاذ أفغانستان كقاعدة لشن الهجمات الخارجية، لكنها ستعمل على منعها إظهارًا لالتزامها بمحاربة الإرهاب، وفق تصريحات قادتها الأخيرة.

  لا يمكن للحركة أن تتحكم في كثير من المنشقين عنها والمنضمين إلى صفوف القاعدة

2- التعامل مع التنظيمات التي ستتدفق وفق استراتيجية الحفاظ عليها واحتوائها لصالح بعض الدول، مع منعها من استخدام أفغانستان كمحطة انطلاق، وتوظيفها وفق ما يفرضه الوافع الأفغاني المحكوم من الحركة، ومن هنا يمكن ألا تسعى الجماعات الإرهابية في أفغانستان إلى شن هجمات خارجية، حتى لا يتكرر خطأ دعم الحركة المطلق لتلك التنظيمات.

3- الدعم المطلق لبعض التنظيمات مثل؛ "عسكر طيبة" و"جيش محمد" و"تحريك طالبان باكستان"، و"عسكر جنجفي"، و"جماعة الأزهار"، و"عسكر الإسلام"، وجماعات أخرى قاتلت إلى جانب طالبان على طول الأقاليم الحدودية في كونار وننكرهار شرق أفغانستان وهلمند وقندهار جنوب شرق البلاد.

ما تلتزم به الحركة فقط أمام العالم وفق تصريحاتها الأخيرة هو الحيلولة دون استخدام الأراضي الأفغانية لشنّ هجمات إرهابية على الولايات المتّحدة وحلفائها

في جانب آخر هناك تأثيرات كثيرة على منطقة الشرق الأوسط وبعض الدول العربية في الخليج ومصر، وقد ظهر من دعم حركة حماس لوصول طالبان لسدة الحكم في كابول، أنّ هناك خطاً واضحاً لتيارات الإسلام السياسي الداعم لطالبان، واعتبار أنها تجربة جهادية ناجحة، ستكون مثلاً لحركات أخرى في العالم العربي، وتعطي قبلة حياة لجماعات مثل؛ "الإخوان" أو "النصرة في سوريا"، ويمكن ذلك أن يتم عبر فتح خطوط اتصال بين تركيا والحركة قريباً لفتح منفذ لاستقبال أعداد من الهاربين والميليشيات والموالين.

ولا تستطيع الحركة أن تضمن مطلقاً منشقيها، أو الفصائل الموالية لها مثل؛ "شبكة حقاني"، فيما لا يمكن لها وفق فقهها الذي تتبعه تاريخياً من التخلي عن القاعدة وزعيمها، الذي قدّم بيعات لكل زعمائها منذ الملا عمر وحتى الآن، فيما أطلق القاعدة في شبه الجزيرة الهندية (مدونة السلوك) واعتبر أنّ طالبان "أب للجهادية العالمية"، وهذا ما لا يمكن أن تتخلى عنه الحركة، وهو ما يفتح الباب للإرهاب من جديد في المنطقة، وأمام ضرر كبير أقله هو الإيواء لعناصر من التنظيمات في الدول العربية، أو القنوات الإعلامية لها.

وتحتم تلك التطورات على الدول العربية صياغة استراتيجية للتعامل مع الواقع الحالي في أفغانستان عبر مجموعة من الخطوط، أهمها: تشكيل حلف إقليمي من الدول المحيطة بأفغانستان، والتنسيق سياسياً وأمنياً لمتابعة آخر التطورات، وتوسيع التعاون مع باكستان، وصياغة بيانات متوازنة عبر المؤسسات الدينية الرسمية (الأزهر)، لاختراق الحركة دينياً ومحاولة ضرب تطرفها؛ إذ إن هناك قطاعاً كبيراً يغلب عليها (أشعري - ماتريدي).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية