صلاة الأطفال في المدارس: العب يلا!

صلاة الأطفال في المدارس: العب يلا!


18/03/2018

 

"قاعد لوحدك كده سرحان.. الشيطان يوزّك في سكة شمال يفضل يقولك: العب يلا.." هذه المرة لم يردّد كلمات الأغنية- التي حصلت حتى كتابة هذه الأسطر على أكثر من 116 مليون مشاهدة- محتفلون في أحد الأفراح والمهرجانات؛ بل طلبة بالصف الخامس الابتدائي في إحدى المدارس الأردنية الخاصة عندما دعتهم معلمتهم لأداء صلاة الظهر في حصة المهني!

 

الأطفال أقبلوا على الصلاة وبعضهم تمتم بكلمات الأغنية ما أثار ضحك المصلين الصغار الذين جاروا زملاءهم، ولم تقف الأمور عند هذا الحد؛ بل غالبيتهم أدّوا هذه الشعيرة دون وضوء!

لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها في هذه المدرسة التي تصف نفسها بأنّها "حديثة بقالب إسلامي"؛ أطفال يضحكون ويتغامزون بعفوية أثناء صلاتهم، وأهالٍ سعداء بحرص المدرسة على تأدية أبنائهم شعائرهم الدينية كيفما اتفق!

ما يجعلنا نعلّق الجرس هو أسلوب التجارة باسم الدين الذي بات عدد كبير من المدارس الخاصة يتبعه بشكل أو بآخر

ما يجعلنا نعلّق الجرس، هو أسلوب التجارة باسم الدين الذي بات عدد كبير من المدارس الخاصة، يتبعه بشكل أو بآخر؛ منها ما يلجأ إلى تلميحات دينية في اسم المدرسة نفسها بما يوحي وكأنّها وقْف في سبيل الله، وأخرى تُقحم الشريعة –شكلياً- في رؤيتها ورسالتها وأهدافها، وفئة ثالثة تتخذ من حفظ كتاب الله وسيلة للحصول على خصومات، والنتيجة أكثر أنواع "البزنس" كسباً.

السؤال الذي يلحّ علينا، أيّ هدف يرتجى من طفل يقبل على الصلاة بقلب أجوف، وهو لا يدرك معناها بل لا يحقق شروطها؟! وما الفائدة التربوية التي ترتجى حين يُدفع الطالب للصلاة الإجبارية دون أن تمسّ روحه، حتى حوّلها إلى طقس "شكلاني" لا يؤخذ على محمل الجد!

أية تجارة أكثر بؤساً من تلك التي تلجأ إليها مؤسسات تعليمية لتبتز وجدان الأهالي عاطفياً باسم الدين، مقابل أقساط خيالية وتحصيل علمي متواضع، محاولةً التظاهر بأنّها حامية للدين والأخلاق لترضي أسراً تظن أنّها تضع أبناءها بين "حراس الفضيلة"، في مجتمع يعشق كلمة "محافظ"؟! إنّها مرحلة جديدة من مهزلة تجارة التعليم، ولكن هذه المرة باسم الله ونصرة دينه!

أسلمة الأهداف والرؤى

العام الماضي ذهبتُ في جولة على مدارس قريبة من منطقتي علّني أعود إلى مهنة التدريس تحدوني مثاليات وأحلام ساذجة بأن أساهم في تنشئة جيل محب خيّر، يفكر، يبدع، يؤمن بنفسه، ومنتم لوطنه ويقدم كل ما يفيد البشرية..، بعد جولة رصدية مكثفة استخدمت فيها خريطة غوغل للاستدلال، أول ما لفتني الكثافة بالتسميات الإسلامية التي اجتاحت المدارس، والحرص على "أسلمة" الأهداف والرؤية التي تتصدر المطوية التعريفية لكل منها؛ فغالبية المؤسسات التعليمية التي زرتُها تدعي أنّها "تسعى لإنشاء جيل مؤمن بربه منتمٍ لأمته.."، و"تربية الطالب تربية إسلامية.." و"الجمع بين الأصالة والمعاصرة.." ..عبارات تدور في الفلك نفسه دون أي خطة تطبيقية واضحة، غير آبهة بمهارات معرفية وصقل مواهب الطلبة على اختلافها.

أيّ هدف يرتجى من طفل يقبل على الصلاة بقلب أجوف، وهو لا يدرك معناها بل لا يحقق شروطها؟!

لم تقف الأمور عند الشعارات الدينية الفضفاضة، والأخطاء النحوية والإملائية التي صيغت بها، لكن ما غاظني أنني لم أصادف مدرسة تقدم وتفعّل خصومات للمتميزين والمتفوقين علمياً- أتحدث عن مرحلة ما قبل الصف الثامن- لكنني لاحظتُ غالبيتها تفرد في المطوية خصومات للطلبة الذين يحفظون القرآن الكريم تبدأ من 10% لمن يحفظ 5 أجزاء، لتصل إلى حد منحة كاملة لمن يحفظه كاملاً!! وتبين لي أنّ عدد المستفيدين لا يكاد يُذكر من هذه الخصومات "الدعائية" صعبة التحقق التي تستهدف الدعاية بالدرجة الأولى.

لي تجربة شخصية مع المدرسة التي درس فيها طفلي في الصف الثاني الابتدائي؛ إذ روّجت نفسها بأنّها صرح "يهتم بالعلم والتكنولوجيا الحديثة واللغات".. كانت تجربة صادمة بكل المقاييس؛ معلمات غير مؤهلات مطلقاً برواتب هزيلة رغم الأقساط العالية جداً التي يدفعها الأهل، والأدهى أنّي عرفت مصادفة من طفلي بوجود حصة دينية موجهة "غير منهجية"، يرِد المعلمة فيها بمشهدية مسرحية بريد تقص عليهم ما ورد فيه، ذات مرة قال لي: اليوم أخذنا قصة عن طفل عمره 9 أعوام وهو يسبح سمع الأذان ولم يصلّ، فعاقبه الله وسقط وأصيب بشلل رباعي! وهو في المستشفى سمع الأذان وبكى وندم؛ لأنّه لم يستطع الصلاة بعد ما أصابه جزاء ما اقترفت يداه، تحمّلتُ على مضض ما تبقى من السنة الدراسية آنذاك، وأنا في حالة استنفار بمراقبة كل ما يتلقاه طفلي حتى نقلته لمدرسة أخرى، وبكيتُ مع هذا الطفل المسكين وعلى حال آلاف الطلبة في أمثال هذه المدرسة التي يفترض أنّها تخضع لوزارة التربية والتعليم الأردنية!

وظيفة بشرط!

على الجانب الآخر، ليست الأمور بأحسن حالاً كثيراً، فقد تقدمتُ لإحدى المدارس المسيحية التي يشكل المسلمون أكثر من 80% من طلبتها، لكن حجابي حال دون أن أحظى بالوظيفة، سألتُ المديرة بشكل مباشر "هل تعينون محجبات؟" وأجابتني بالنفي، وبخجل تابعت "لا نحب تعريض الطلبة لرمز ديني كالحجاب!"، لكنني رددتُ عليها مبتسمة: لكنك ترتدين صليباً، والصلبان تنتشر في كل ركن بالساحة، والأطفال المسلمون يتعرضون لرموزكم ويحتفلون بمحبة مع زملائهم المسيحيين؛ يلونون البيض ويأكلون حلواكم ويزينون الشجرة، ويتبادلون التهاني، فلمّا أسقط في يدها قالت لي محرجة "شو بدك بمهنة التعليم المتعبة"!.

أية تجارة أكثر بؤساً من تلك التي تلجأ إليها مؤسسات تعليمية لتبتز وجدان الأهالي عاطفياً باسم الدين؟

والغريب أنّه رغم عراقة هذه المدرسة إلا أنّ معلمة اللغة العربية في المرحلة التأسيسية الأهم، كانت تعاني من ضعف واضح، كما ظهر في أوراق العمل، لكنّها حققت شرط الوظيفة؛  الدين والمظهر!

مبنى جديد مهيب يحسبه الظمآن ماء، وشعارات برّاقة أحاطت بمدرسة افتُتحت قرب بيتي، استوقفتني طالبتان لطيفتان مع معلمتهما بحكم الازدحام الصباحي الإجباري، وقدّمتا لي مسواكاً وهما تتلوان على مسامعي حديثاً نبوياً، بيوم المولد النبوي، لفتني فيه ثلاثة أخطاء نحوية.. اكتفيتُ بالابتسام لبراءة وجهيهما، وأنا أدعو للصغيرتين بأن يبارك الله فيهما ويصلح حال مدارسنا!!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية