شيرين: قيمة فنيّة تستنزفها المزاجية والتسرع

شيرين: قيمة فنيّة تستنزفها المزاجية والتسرع

شيرين: قيمة فنيّة تستنزفها المزاجية والتسرع


14/11/2022

شريف صالح

بعد إعلان عودتها رسميًا إلى طليقها حسام حبيب، تعرّضت الفنانة شيرين إلى موجة انتقاد وسخرية في السوشيال ميديا. فكيف بعدما خرجت على جمهورها باكية حليقة الشعر تستدرّ عطفه ضد حبيب وتقول إنه "السبب في حلق شعرها"، وتصفه بعبارات مثل "حبّته عقربة" و"يغور وأرتاح منه"... ثم تعود لتظهر جالسة بجواره على أريكة حيث يتوسطهما "المأذون" وتصرّح بأنه "حب عمري".

لا يبدو أن شيرين كانت متصالحة مع ماضيها، ربما غاضبة، قلقة، متوترة، لكنها غير سعيدة، ومفتقدة الحب

في الحالتين هي شيرين بأحكامها العاطفية المتطرفة بين حدّين، ومزاجيتها، وعدم استقرارها النفسي، وتهكمها، وتراجعها، وارتباكها، وزلات لسانها.

عقدة الماضي

ابنة حي القلعة الشعبي (مواليد 1980) تلقت تعليمًا بسيطًا، وانتمت إلى أسرة بسيطة، إلى أن أتيحت لها فرصة ذهبية بالانضمام إلى كورال الأوبرا المصرية.

وفي مطلع الألفية الجديدة، وهي بالكاد تجاوزت العشرين، انضمت إلى شركة نصر محروس. آنذاك كان هناك مزاج جديد يولد مع القرن الحادي والعشرين، تطلب موجة تالية لما قدمه حميد الشاعري ومجموعته أمثال: هشام عباس، وإيهاب توفيق، وعمرو دياب.

مع كل التقدير لتجربة شيرين لكنها لا ترقى لوصف مثل "صوت مصر" بكل حمولته ورمزيته؛ لأنها ليست أم كلثوم ولا حتى شادية

قدّم محروس في ذلك التوقيت بهاء سلطان، وتامر حسني وشيرين التي غنت "آه يا ليل"، فرددتها البيوت والمقاهي والمحال، ثم غنّت في ألبوم مشترك مع تامر حسني، فحقق نجاحًا عريضًا وكان سبب نجومية الاثنين معًا.

لكنّ النجاح السريع لم يشف جروح الماضي وتواضع المستوى الاجتماعي والثقافي. صحيح أن كثيرًا من الفنانين من أصول اجتماعية بسيطة، ولكن المهم كيفية وعينا بذلك. وطبيعة المرآة التي ننظر منها وبواسطتها إلى أنفسنا.

لا يبدو أن شيرين كانت متصالحة مع ماضيها، ربما غاضبة، قلقة، متوترة، لكنها غير سعيدة، ومفتقدة الحب.

عقدة الشهرة

أحب الناس شيرين، وجدوا فيها وجهًا شعبيًا بسيطًا بسمرته النيلية، وملامحها "الولدانية" مع قصة شعرها القصير. فتنهم حضورها العفوي والمرح، والسلاسة في أغانيها والشجن والدفء في حنجرتها.

من حق شيرين أن تطمح لتكون "صوت مصر"، لكنها لا تستطيع ضبط سلوكها ومواقفها وتصريحاتها لتلبية تلك "الصورة" التي تحولت إلى مرآة لا ترحمها، وانتهت بها إلى تصريحات شهيرة اعتبرت مسيئة لبلدها وقدمت بلاغات ضدها

فكانت موهبتها اللافتة بوابتها إلى الشهرة والثراء السريع، إذ سرعان ما تعاقدت لخمس سنوات مع روتانا، أكبر شركة فنية آنذاك، مقابل ملايين الجنيهات.

كانت نهمة جدًا لتدشين نجوميتها، ألبومات وكليبات وحفلات ومهرجانات وأفلام ومسلسلات، وتقديم حتى أغنيات كلاسيكية لفنانين راحلين مثل وردة.

لكنّ النهم للإنجاز والشهرة، لم يوفّر لها الرضا المفقود عن الذات. بل ضاعف توترها خوفًا من أن تفقد القمة.

ومثلما شكّل الماضي عقدة ما، ومرآة حزينة للذات، شكلت الشهرة الواسعة عقدة ثانية، تطلبت منها التخلي عن عفويتها وبساطتها الشعبية، فلجأت إلى "البهرجة" في الشكل، ربما التجميل والغطرسة في تصريحات وتصرفات، وزلات لسان لا تنتهي.

كان من المفترض مع الشهرة، والثراء، وحب الناس، أن تشتغل أكثر على رسم "صورة" تليق بنجوميتها، وتضع مسافة محترمة بين شيرين الفنانة والإنسانة. لكنّ خواءها الداخلي تضاعف وخلط بين أدوارها.

صوت مصر

بحكم إنجازها وصلت شيرين على صعيد الأغنية المصرية إلى مكانة بارزة لا ينافسها من المطربات إلا أنغام الأكبر سنًا. وجرت محاولات من معجبي كلتيهما، إلى تدشينهما بوصفهما "صوت مصر" و"رمز مصر"، وهي مبالغات تحفظت شيرين نفسها عليها.

فمع خلو الساحة المصرية الفنية من القمم، سعى البعض لملء الفراغ بمن وُجد، ولن نعدم في السوشيال ميديا، من يعتبر صوتها أفضل من أم كلثوم.

لكن مع كل التقدير لتجربتها، هي وأنغام، لكنها لا ترقى لوصف مثل "صوت مصر" بكل حمولته ورمزيته. لأنها ليست أم كلثوم ولا حتى شادية. من ناحية ثورية التجربة وريادتها، وعمقها، وتنوعها، واتساع تأثيرها. فكي يصبح الفنان رمزًا لوطنه وللفن، يتطلب حالة نادرة من الإجماع عليه قلما يجود بها الزمن.

تملك أم كلثوم هذا الإجماع مصريًا، وعربيًا، مثلما تملكه أيضًا فيروز. ولكلتيهما إرث يمتد لنصف قرن على القمة لا بضع سنوات. واستمرارية عابرة للحدود والأجيال. هذا كله لا يتوفر لشيرين، ولا أنغام.

كذلك يصبح الفنان رمزًا للوطن حين يصبح معبرًا وحاملًا لقيمه وتراثه وشِيفراته، ويقدم له عطاء فريدًا. وهو ما لا يتوفر لشيرين - بكل اضطراباتها - بينما لو قلنا إن فيروز أرزة لبنان، وسفيرتها، وصوتها، فهذا صحيح، لأنها ممثلة ومعبّرة عن الوعي الجمعي والضمير الوطني، بمواقفها وسلوكها وأقوالها. تتماهى مع الوطن بتجربتها الإبداعية والإنسانية.

بوعيها الشعبي البسيط كانت شيرين تحلم بدور الزوجة والأم، وهذا حقها بالتأكيد.. تبحث عن الحب في منزل رجل شرقي الطباع، ولديها تصريحات قد تبدو مهينة - من منظور نسوي - تعبّر عن ذلك الوعي

من حق شيرين أن تطمح لذلك، لكنها لا تستطيع ضبط سلوكها ومواقفها وتصريحاتها لتلبية تلك "الصورة" التي تحولت إلى مرآة لا ترحمها، وانتهت بها إلى تصريحات شهيرة اعتبرت مسيئة لبلدها وقدمت بلاغات ضدها.

حلم الأمومة

اجتهدت شيرين، ولديها نجاحات لا يُستهان بها، لكنها سرعان ما غيّرت جلدها وابتعدت عن الطبيعة الشعبية الشجية والمرحة في أدائها، لمسايرة عصر الفيديو كليب. مع ذلك، تجربتها الفنية كلها، قد لا يبقى منها سوى بضع أغنيات قليلة.

وربما هي نفسها لا تثق تلك الثقة المطلقة بموهبتها، ولا تخلص لها مثلما أخلصت مطربات من وزن وردة وفايزة أحمد وصباح ونجاة.

إنها بوعيها الشعبي البسيط كانت تحلم بدور الزوجة والأم، وهذا حقها بالتأكيد، لا تريد أن تكون قديسة الفن مثل أم كلثوم. تبحث عن الحب في منزل رجل شرقي الطباع، ولديها تصريحات قد تبدو مهينة - من منظور نسوي - تعبّر عن ذلك الوعي.

لذلك جربت الزواج ثلاث مرات وانتهت بالطلاق، قبل أن تعود مجددًا لثالث أزواجها، وهي التي أنجبت ابنتين من زوجها الثاني.

ومثلما أدت توتراتها الشخصية، ومصالحها، إلى تغيير شركات الإنتاج، توترت على الدوام علاقتها بمؤسسة الزواج، وطغت خلافاتها العائلية على فنها. وباتت الشتائم والضرب والبلاغات سمة أساسية في علاقتها بمعظم المقربين منها. كأن هذا الحلم البسيط تحول - هو الآخر - إلى كابوس.

عدم رضا

في كل محطات حياتها لم تنعم شيرين بالرضا عن ذاتها، وهذا إيجابي ومفهوم في شقه الإبداعي، طمعًا في الأفضل، لكنه عذاب لا يرحم في شقه الإنساني، لأنها لن تعرف الاستقرار أبدًا ولن تنعم بالاحتواء والحنان.

في بعض أغانيها، وفي تصريحات لها، تصدر شيرين شخصية المرأة القوية والحرة والمستقلة، والتي لن ترهن حياتها من أجل رجل لا يستحق.

وفي الحقيقة هي خاوية وهشة، فوّتت على نفسها فرص النضج، والتصالح مع الذات، وحوّلت كل محطات حياتها إلى مرايا تعكس صورًا مشوّهة عن ذاتها.

كانت شيرين - بكل عثراتها - ضائعة في مراياها، وضحية احتياجٍ للحب. أن تعرف كيف تحب نفسها أولًا، ولا تنتظر من آخر أن يمنحها الحب

حتى لو فسّرنا ذلك بحساسية الفنان، فهذا لا يعفيها من السعي للأفضل كإنسانة. تلك الهشاشة كانت تدفعها دائمًا لاستدرار عطف الجمهور، وإشراكه في همومها ومعاركها، وانقلاباتها - حتى على نفسها - أو للاحتماء بمقرّبين منها، حتى لو كانوا هم أنفسهم مصدر الأذى ومستغلين لها ماديًا. إنها "متلازمة استكهولم" حيث تفتتن الضحية بجلادها.

ثم توّجت تخبطها في مرايا الذات، بما قيل أخيرًا عن "إدمانها"، والإدمان هو هروب من حقيقة الذات. من كل ما لا تريد أن تراه في نفسها.

كانت شيرين - بكل عثراتها - ضائعة في مراياها، وضحية احتياجٍ للحب. أن تعرف كيف تحب نفسها أولًا، ولا تنتظر من آخر أن يمنحها الحب.

منحتها الحياة فرصًا عظيمة لكنها ظلت تائهة عن نفسها، مثل عنبكوت تنسج خيوطها، لا لاصطياد فريستها، بل تصطاد بها نفسها هي. ظلمت نفسها أحيانًا. واستمتعت، ربما، بدور الضحية. كأمل أخير في أن تنال الحب.

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية