سيناريوهات ما بعد سيطرة طالبان على أفغانستان

سيناريوهات ما بعد سيطرة طالبان على أفغانستان


17/08/2021

على أهمية تفسير ما جرى في أفغانستان من سيطرة متسارعة لطالبان على مساحات واسعة من أفغانستان، تمّ تتويجها بالدخول إلى العاصمة كابول وهروب الرئيس أشرف غني، فإنّ سيناريوهات ما بعد سيطرة طالبان على الدولة الأفغانية تبدو أكثر أهمية، بعيداً عن حسابات "الرومانسية السياسية" التي ترى أنه تمّت هزيمة أمريكا شرّ هزيمة، أو تلك التي ترى أنّ ما جرى استلام وتسليم، وبمرجعية نظرية المؤامرة التي تشكّل مرجعية في تفسير أيّ متغيرات أو تحولات في المنطقة، وفيما يلي قراءة لما يجري في أفغانستان، وتقدير موقف مستقبلي لأكثر الاحتمالات حدوثاً:

ما الذي حدث؟ وكيف يمكن تفسيره؟

إنّ كل ما يجري في أفغانستان، بما فيه هذه السيطرة السريعة لطالبان على كافة أراضي أفغانستان، يأتي تنفيذاً لاتفاق تمّ إنجازه في الدوحة خلال مفاوضات السلام التي جرت بين أمريكا وطالبان برعاية قطرية، خلال رئاسة ترامب للبيت الأبيض، وربما ما يؤيد هذا السيناريو أنّ ما يجري في أفغانستان هو عملية استلام وتسليم، إذ لم تفرض طالبان سيطرتها على الولايات الأفغانية بقوة السلاح، بل إنّ غالبية المناطق التي دخلتها كانت بطرق سلمية، رغم أنّ ميزان القوى في المقارنة بين قوات طالبان وقوات الحكومة يميل لصالح الحكومة التي تمتلك قوات قوامها 300 ألف مقاتل، مقابل أقل من 100 ألف لدى طالبان، علاوة على التسليح الأمريكي لقوات الحكومة مقابل ضعف ترسانة طالبان، وهو ما يشي باختراقات واسعة لطالبان للقوات الحكومية.

 

إذا كان ما يجري تنفيذاً لاتفاق أمريكي مع طالبان، فالأرجح أنّ مرجعياته غير معزولة عن استراتيجية أمريكا الجديدة بمواجهة الصين وروسيا

 

وإذا كان ما يجري تنفيذاً لاتفاق أمريكي مع طالبان، فالأرجح أنّ مرجعياته غير معزولة عن استراتيجية أمريكا الجديدة بمواجهة الصين وروسيا، فوفقاً لأمريكا فإنّ طالبان 2021 ليست طالبان 2001، وبالإمكان استثمارها بما يحقق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، فطالبان الجديدة المتحالفة مع أمريكا ستكون رأس حربة ضد روسيا عبر دعم الفصائل الجهادية في مجموعة الدول الإسلامية المناهضة لروسيا، ودعم المسلمين الإيغور في الصين عبر الجيب الحدودي مع الصين، وسوف تعيد طالبان إنتاج صيغة الصراع السنّي ـ الشيعي ضد إيران من جديد من خلال فتح جبهات شرق إيران؛ تجعل إيران مشغولة بهاجس حدودها الشرقية، وهذا ما سيدفعها ذاتياً للانسحاب من مناطق في العراق وسوريا.

كيف ستكون أفغانستان القادمة؟

واضح من خلال خطاب طالبان الجديد على الصعيد الداخلي أننا أمام طالبان جديدة، مفرداته التأكيد على وحدة الشعب الأفغاني وكافة قواه، بإعلان "الصفح" عن كل من عمل مع الحكومات الأفغانية منذ الاحتلال الأمريكي، والتأكيد على حقوق المرأة، ودعوة الأفغان لعدم مغادرة أفغانستان، ودعوة موظفي الحكومة للاستمرار في أعمالهم والمساهمة في الحكومة الجديدة، بما يرسل رسائل بأنّ طالبان غادرت مربعات التشدد القديمة، وبالتزامن تشير المعطيات إلى أنّ الخطة الأمريكية تمّ إنجازها بالاتفاق مع تركيا وباكستان، من خلال دخول قوات تركية في إطار عضويتها بحلف الناتو لحماية السفارات الغربية، فيما تقدّم باكستان دعماً لوجستياً وإشرافاً على طالبان باتفاق مع واشنطن، لا سيّما أنّ باكستان اتفقت مع أمريكا على إقامة قواعد عسكرية جديدة على الحدود مع أفغانستان.

وتنفيذاً لهذه الخطة، فمن المرجح أن تمارس تركيا دوراً يتجاوز ما أعلن عنه حول حماية المقرات الدبلوماسية لسفارات حلف الناتو، من خلال تنظيم عمليات نقل المجاهدين من العراق وسوريا وليبيا، خاصة الموالين للقاعدة وداعش، لخوض حروب طالبان مع "أعداء الإسلام"، على غرار الجهاد العالمي ضد الجيش السوفييتي "الشيوعي" إبّان احتلال موسكو لأفغانستان.

 

من المرجح أن تمارس تركيا دوراً يتجاوز ما أعلن عنه حول حماية المقرات الدبلوماسية لسفارات حلف الناتو، من خلال تنظيم عمليات نقل المجاهدين من العراق وسوريا وليبيا

 

ويبدو أنّ موسكو وبكين كانتا تحسبان حسابات لهذا السيناريو، فكانت لقاءات لوفود من طالبان في موسكو وبكين، خلال العامين الماضيين، تؤكد على العلاقات المتينة وحسن الجوار بين طالبان وموسكو وبكين، وبالتزامن فقد حققت طهران اختراقات لطالبان "أو بعض أجنحتها" عبر تقديم دعم لوجستي لها خلال مقاومة الأمريكان.

مستقبل الخطة الأمريكية

مؤكد أنّ الدلائل تشير إلى أنّ اتفاقاً قد تمّ بين طالبان وأمريكا بدأت في شكلها العسكري بسيطرة طالبان على الأراضي والعاصمة الأفغانية، لكن مع ذلك ربما تنجح الخطة الأمريكية عبر الحليف التركي وبرعاية باكستانية بنقل جموع المجاهدين الإسلاميين إلى أفغانستان، بما يفتح جبهات متزامنة ضد "موسكو وبكين وطهران"، لكنّ احتمالات استقرار الأوضاع في الداخل الأفغاني تبدو غير مؤكدة، فالإسلام السياسي، ومنه طالبان، يحقق نجاحات حينما يكون في المعارضة، ولكنه يسجل قائمة من الخسارات العميقة حينما يكون في السلطة، بالإضافة إلى عدم الاستهانة باختراقات روسيا والصين وإيران لبعض أجنحة طالبان، وهي التي تدرك أنها مستهدفة بكل ما يجري في أفغانستان، ولن تسكت.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية