سيد القمني.. جرأة التفكير حتى الرمق الأخير

سيد القمني.. جرأة التفكير حتى الرمق الأخير


07/02/2022

بعد حياة مثيرة للجدل عُرف خلالها بطرح قضايا إشكالية تتعلق بالتاريخ الإسلامي، وبجرأته وشجاعته في مواجهة أفكار الجماعات المنتمية لهذا التيار، رحل أمس الأحد المفكر المصري، سيد القمني، عن عمر يناهز 75 عاماً بعد صراع مع المرض.

وأعلن خبر الوفاة، الإعلامي خالد منتصر، من خلال تغريدة قال فيها: "وداعاً سيد القمني"، وهو ما أكدته وسائل إعلام مصرية في وقت لاحق.

بدأ اهتمام القمني، الذي ترعرع في بيئة متدينة لأب أزهري يعمل بالتجارة، بالفلسفة عند دراسته في المرحلة الثانوية، وحصل على شهادة الفلسفة من جامعة عين شمس في العام 1969، وعمل مدرساً لمادة الفلسفة في صعيد مصر، ومن ثم سافر للعمل في الكويت، واستكمل مشواره العلمي للدراسات العليا في الجامعة اليسوعية في بيروت.

 التجديد والعداء للإسلام السياسي

وعرف المفكر المصري بعدائه الشرس لحركات الإسلام السياسي، التي اتسمت علاقته بها بطابع تصادمي، إذ كانت أبحاثه التاريخية وكتبه تتناول قضايا تعتبر حساسة ومحرماً البحث فيها، فضلاً عن دعواته المستمرة لتجديد الفكر الديني، وهو ما دفع مجموعة من  قيادات هذا التيار لوصفه بـ"المرتد"، وبأنه مرتزق لدى "المؤسسات المعادية للإسلام في الوطن العربي"، وبوق من أبواق الولايات المتحدة لتشابه وجهة نظره مع نظرة الإدارة الأمريكية في ضرورة تغيير المناهج الدينية الإسلامية وخاصة في السعودية، إلا أنّه قال إنه كان ينادي بهذا التغيير لعقود سبقت الدعوة الأمريكية الحديثة التي نشأت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

صعّد القمني من لهجة خطابه في المقالات التي ينشرها ضد الإسلام السياسي، بعد التفجيرات التي حدثت في طابا في تشرين الأول (أكتوبر) 2004، فعنون أحد مقالاته بعنوان "إنها مصرنا يا كلاب جهنم"، هاجم فيه تيارات الإسلام السياسي، حيث كتب "إننا في ولاية ضمن أمة لها خليفة متنكر في صورة القرضاوي أو في شكل هويدي، تتدخل في شأن كل دولة يعيش فيها مسلم بالكراهية والفساد".

تلقى العديد من التهديدات بالقتل أحدها باسم أبو جهاد القعقاع من حركة الجهاد المصري في 17 حزيران 2005

وكشف القمني خلال لقاء مع صحيفة "ميدل إيست تايمز" العام 2004، أنّ بداية ولعه في التعمق بالتاريخ الإسلامي، يعود إلى نكسة حزيران (يونيو) 1967، وانهيار الحلم الناصري العروبي في بناء دولة حديثة، فاعتبر أنّ جذور المشكلة لم تكن مجرد إخفاق عسكري فحسب، بل كانت متأصلة في الفكر الإسلامي وليس الفكر العروبي.

واعتبر في حديثه أنّ الموروث الثقافي العربي تعود جذوره لتراكمات ثقافية وحضارية لشعوب سكنت منطقة الشرق الأوسط قبل الإسلام، وأنّ الثقافة العربية لم تبدأ مع بداية الوحي وأنّ هناك دوراً لحضارات وشعوب وديانات قد سبقت الإسلام وساعدت في صياغته وظهوره.

 حكم الإخوان لمصر

ومع صعود جماعة "الإخوان المسلمين" لسدة الحكم في مصر، جدد سيد القمني هجومه على الجماعة الإسلامية، بعد فترة غياب عن الساحة السياسية والثقافية، وشن هجوماً واسعاً على رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، مؤكداً أنه يطلق عليه "لقب الأستاذ ولا يدعوه بالشيخ لأنه لا يوجد شيخ في الإسلام".

اقرأ أيضاً: محمد شحرور: سجال لن ينتهي بالرحيل

وفي إحدى مقابلاته هاجم "الإخوان"، قائلاً: "هم كالزئبق الحربائي يتلونون حسب الظرف والحالة وكلامهم يتغير كل حين"، وهو ما أثار غضب أنصار الجماعة الذين انتقدوه لمهاجمته الإخوان والقرضاوي.

صعّد القمني من لهجة خطابه في المقالات التي ينشرها ضد الإسلام السياسي، بعد التفجيرات التي حدثت في طابا في تشرين الأول (أكتوبر) 2004

ووجه القمني أسئلة إلى "الإخوان" حينها، وقال: إن كان الإخوان وضعوا الدستور بواسطة فقههم، حتى يستقيم هذا الفرض فلا بد أن يستقيم الدستور وفروض الله، فلماذا تركتم الخمور والربا، رغم أنّ الإسلام حرمها، وقبل وصولكم إلى الحكم طالبتم بقطع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء معاهدة السلام معها وتقولون عليهم أحفاد القردة والخنازير، وبعد وصولكم للحكم تؤيدون استمرار السلام معهم بشكل مخز؟"، وفق ما أورده موقع "البلد نيوز".

اقرأ أيضاً: محمد شحرور لمن لم يقرأه.. ماذا تعرف عن ركائز مشروعه الفكري؟

وقال القمني إنّ هناك تعارضاً بين ما يقوله الإخوان وما يفعلونه، فهم يقولون إن الحكم لله والإسلام هو الحل وعلى الرغم من ذلك خاضوا الانتخابات وحكموا البلد.

وأوضح أنّ الفقه الإخواني للحكم يواجه مشاكل كثيرة، خاصة في الحديث عن الديمقراطية والصناديق وترك الشورى والمبايعة وهو رفض واضح وعلني لنظم الخلفاء الراشدين، وهل يعني هذا أنّ طرق الخلفاء غير صالحة اليوم ولذلك اخترت الديمقراطية للوصول إلى الحكم واللجوء إلى آليات الغرب.

 تهديدات بالقتل

وتلقى القمني طوال حياته العديد من التهديدات بالقتل، حتى أنه تلقى تهديداً بالقتل باسم أبو جهاد القعقاع من حركة الجهاد المصري، في 17 حزيران (يونيو) 2005، وفي تصريح له العام 2012، قال القمني إنه لا يزال يتلقى التهديد بالقتل، مشيراً إلى أن تنظيم قاعدة وأنصار الرافدين بالعراق وجماعة الجهاد المصري قد وجها له رسالة واضحة بأنه مستهدف، وأرجع التهديدات إلى أفكاره التي يطرحها بكتبه، والتي تأتي خارج الدوائر التي اعتادت عليها التنظيمات الإسلامية.

وأشار إلى أنّ الأمن المصري أحاطه بحراسة خاصة بعد اكتشاف رسوم تشير إلى موقع سكنه عند تلك التنظيمات، لكن القمني استبعد إمكانية استهدافه في المرحلة الحالية، مرجعاً ذلك إلى كون حركة الإخوان لا تريد تسويد صورتها أمام العالم بعد وصولها إلى سدة الحكم.

مؤلفاته

ألف المفكر المصري طوال حياته عدداً من الكتب التي عرفت بتناولها قضايا شائكة في التاريخ الإسلامي، ففي العام 1996، أصدر كتاب "النبي إبراهيم والتاريخ المجهول"، وكتاب "حروب دولة الرسول"، الذي تضمن جزأين خصص الأول لموقعتي بدر وأحد، واشتمل الجزء الثاني الغزوات ما بعد أحد، ابتداء من غزوة حمراء الأسد وإجلاء اليهود من المدينة المنورة.

 كتابه "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية" أظهر دور العامل السياسي باتخاذ القرار الديني في التاريخ الإسلامي المبكر

كما صدر له في نفس العام كتاب "رب الزمان: كتاب وملف القضية"، الذي صدر العام 1997، وصادره مجمع بحوث الأزهر حينها وأخضع كاتبه لاستجواب حول معاني "الارتداد" المتضمنة فيهوتضمن الكتاب محاور أغلبها تاريخي متخصّص جدّاً، خاصّة فيما يتعلّق بالإسرائيليات، وتاريخ الشعوب، وجذور الكلمات والمصطلحات والأديان الوثنية عبر التاريخ.

ومن كتبه البارزة أيضاً، كتاب "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية" الذي أظهر فيه  دور العامل السياسي في اتخاذ القرار الديني في التاريخ الإسلامي المبكر.

كما صدرت له كتب أخرى منها  "السؤال الآخر"، و"رب الثورة.. أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة"، و"الأسطورة والتراث"، وكتاب "الفاشيون والوطن" الصادر عام 1999.

في العام 2000، أصدر كتاب "إسرائيل، الثورة التاريخ التضليل"، وفي 2001، صدر له كتاب إسلاميات والعام التالي أصدر كتاب إسرائيليات، وفي 2004، صدر له "الجماعة الإسلامية رؤية من الداخل"، وفي العام التالي، كتاب "أهل الدين والديمقراطية"، وغيرها.

وفاز المفكر المصري عام 2009، بجائزة الدولة المصرية التقديرية للعلوم الاجتماعية، وكانت قيمة الجائزة 200 ألف جنيه مصري، لكنّ صراعاً نشب بينه وبين الداعية يوسف البدري، الذي رفع دعوى قضائية ضد وزير الثقافة المصرية آنذاك، الدكتور فاروق حسني، وأمين المجلس الأعلى للثقافة، علي أبو شادي، واتهمهم بإهدار المال العام باعتبار الجائزة مهداة لشخصية تسيء كتاباته للذات الإلهية والدين الإسلامي.

اقرأ أيضاً: لماذا هددت "جماعة الجهاد" في مصر سيد القمني وتوعدته بالقتل؟

يذكر أنّ إيزيس القمني ابنة المفكر الراحل، قد كشفت عن مفاجأة خلال حديثها مع "صوت الوطن، وقالت إنّ والدها قد سجل قبل أيام حلقة مع الإعلامي إبراهيم عيسى كانت من المفترض أن تذاع اليوم الأحد على شاشة قناة الحرة في برنامج "مختلف عليه"، يتحدث فيها عن كل ما تعرض له من هجوم خلال الأعوام الماضية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية