
حميد قرمان
قبل ما يقارب العشرة أيام، كان لي السبق بنشر مقال تحليلي في صحيفة “العرب”، بعنوان “قنوات اتصال حماس السرية مع الولايات المتحدة”، ليأتي تقرير وكالة أكسيوس وينسجم فيما ذهبت إليه من تحليل سياسي حول هذه الخطوة، التي سيقت تحت رعاية قطرية برضى مزدوج إيراني – إسرائيلي، كلٌّ حسب مصالحه بالاستفادة من المعادلات التي فرضتها تداعيات الصراع، الذي بدأ يوم السابع من أكتوبر من عام 2023.
البداية، في الاحتفاء الذي رافق الإعلان عن وجود قنوات اتصال بين حركة حماس والولايات المتحدة من قبل رعاع ومؤيدي حماس وأنصار جماعة الإخوان المسلمين والمحور الإيراني، وتصوير الأمر على أنه انتصار من خلال تسويق سردية إعلامية تخفي حقيقة الأهداف التي تسعى إليها الحركة وداعموها الإقليميون، بتقاطع مصالحها مع أهداف حكومة بنيامين نتنياهو وأوساط داخل مؤسسات القرار الأميركي، لضرب الجهود الدبلوماسية العربية الموحدة نحو تنفيذ الخطة المصرية المعتمدة اليوم من قبل القمة العربية.
الاحتفاء الحمساوي لم يدم طويلاً، فنشر الرئيس دونالد ترامب، على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، تهديدًا قاسي اللهجة ومحدد الإطار لما يتوجب على حماس فعله للخروج الآمن من القطاع وجحيمه الذي يبشر به الرئيس ترامب، وهو ما يؤكد بأن الوصفة القطرية الراعية لقنوات التواصل بين الحركة والإدارة الأميركية لن تحقق النتائج المرجوة كما حققت مع حركات وفصائل من بيئة وأيديولوجية الإسلام السياسي.
سياسة العصا والجزرة الأميركية؛ سياسة معهودة لتطويع الحركة المنهكة لتلبية طلبات إسرائيلية باتت بحكم واقع الصراع ونتائجه سيوفًا مسلطة على رقاب الحركة وقادتها.
فإسرائيل بنيامين نتنياهو؛ التي تريد حماس في الحد الأدنى من قوتها في القطاع، تسعى إلى توظيف مفاوضات الحركة مع الولايات المتحدة لتكريس واستمرار الانقسام الفلسطيني من خلال دعم تحركات حماس المنفردة، وهذا ينعكس بالضرورة على إضعاف موقف الفلسطينيين أمام إسرائيل كدولة احتلال بل إضعاف الموقف العربي بجعل القضية الفلسطينية رهينة أجندات حزبية (إخوانية).
المماطلة والهروب من استحقاقات العملية السلمية التي يضغط من أجلها العرب وأقطاب المجتمع الدولي – الأوروبيون تحديدًا – للوصول إلى مسار سياسي وزمني يلزم بنيامين نتنياهو بحل الدولتين، هو الغاية من فتح التواصل بين الحركة وإدارة ترامب، بخلق هامش يحتاجه نتنياهو، يتيح له الاستمرار بتهميش القضية الفلسطينية، بوضعها في خانة صفقة إنسانية بعيدًا عن استحقاقات حل سياسي شامل للعدوان والحصار على غزة المستمرين.
ذكرت في مقالي السابق، بأن الجهود الدبلوماسية العربية، المتوجهة بالخطة المصرية لإعمار القطاع، لن تسير بطريق معبد دون عوائق سياسية ستحاول زرعها إسرائيل أو حماس ومن خلفها إيران للحفاظ على الواقع الذي ما زال يلقي بظلاله على قطاع غزة والمنطقة. فإفشال الخطة المصرية، أصبح هدفًا حمساويًا – إيرانيًا برعاية قطرية يتساوق مع طموحات حكومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو في التهرب من استحقاقات العملية السياسية السلمية التي يسعى العرب اليوم بمقوماتهم الموحدة فرضها على إدارة الرئيس دونالد ترامب.
حماس ومن خلفها إيران تدركان بأن أيّ خطة عربية موحدة في القطاع، ستكون بمثابة المسمار الأخير في نعش المشروع الإيراني في الشرق الأوسط بإنهاء عنوانه العريض: دول تحكمها ميليشيات، خاصة بعد أن نجح نوعًا ما نظام الرئيس السوري أحمد الشرع في الالتفاف نحو العمق العربي ليكون جزءًا أصيلاً منه، كما يسير عهد الرئيس اللبناني جوزيف عون مع رئيس الوزراء نواف سلام بخطوات ثابتة في إيجاد صيغة داخلية لبنانية تتجاوز حزب الله وحقبته السابقة والتي اعتمدت على خطف قرار الدولة في السلم والحرب.
التواصل مع حماس تارة، وتهديدها تارة أخرى، لا يمكن فصلهما عن سياق المفاوضات التي تجري بين نظام طهران وإدارة ترامب بعلم أطراف إقليمية ودولية، وبصمت مطبق إسرائيلي لا يسعى للصدام مع الرئيس ترامب؛ الساعي ليثبت بأنه رجل السلام الأول على الساحة السياسية الدولية، لذلك يستخدم أدوات كحركة حماس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للوصول إلى غايته.
العرب