سياسات أردوغان العنصرية تحرّض الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين

سياسات أردوغان العنصرية تحرّض الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين


28/10/2020

"سيوف محمد؛ فتاة سورية، تعيش في غازي عنتاب، جنوب تركيا، كانت تقود سيارتها، واصطدمت بسيارة شخص تركي، فنزل وضربها، ثم نزع حجابها، وألقى به في الشارع، كما اعتدى على فتاة سورية أخرى، تحمل الجنسية التركية، فقط لأنّها دافعت عن الفتاة الأولى، وحين جاءت الشرطة لم تتّخذ أيّ إجراء قانوني في الواقعتين، أو حتى تسجيل ما حدث، وتركتهما ومشيت، وطالبوا الفتاتين بالذهاب إلى قسم الشرطة لتقديم شكوى".

السوريون من الحرب إلى الشتات

لا تمثّل هذه الشهادة، التي يرويها الناشط السوري، زكي الدروبي، حالة استثنائية أو واقعة طارئة، إنّما تبدو ظاهرة متكررة، وتعكس، بتفاصيلها وأحداثها المتشابهة، وجود بيئة مواتية للاعتداء على السوريين، وكذا سياسة محلية داعمة للاضطهاد، على أساس قومي وعنصري، حسبما يشير الدروبي؛ إذ إنّ عمليات الضرب بالشارع أو القتل، فضلاً عن الاغتصاب، باتت أمراً شائعاً، في عدة مناطق، كما لم تستثنِ الأطفال، مثلاً، وفئات عمرية متفاوتة.

ويضيف لـ "حفريات": "الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أنقرة، والانهيارات المتتالية لليرة التركية في مقابل الدولار، تؤثّر في الوضع المعيشي للمواطن، الذي يتخلّى كلّ يوم عن بعض احتياجاته الأساسية، تحت تأثير ضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية، ومن ثمّ يرى في اللاجئ خصماً على أكثر من مستوى؛ فهو يستنزف موارد الدولة، ويحظى بخدمات مادية واجتماعية وصحية، تجعل رصيد المواطن التركي، أو فرصه في الحصول عليها، يتضاءل؛ وهي الصورة العامة والتنميطية التي تدعمها سياسات حزب العدالة والتنمية، والأجهزة الإعلامية الناطقة بلسانه، فيظهر اللاجئ السوري باعتباره أحد أسباب الأزمة، كما أنّ الحرب التركية التي يقودها أردوغان بسوريا، وعودة بعض المجنّدين قتلى، تفاقم المشاعر السلبية والعدائية بحقّ السوريين عموماً".

لا يمكن النظر إلى الاعتداءات التي يتعرض لها السوريون على يد المواطنين الأتراك، على أنّها ردود فعل شعبية من بعض المتطرفين، دون ربط ذلك بسياسات الحكومة

قبل أيام قليلة، قضى الطفل السوري، وائل منصور، الذي لا يتجاوز عمره 14 ربيعاً، في تركيا، وذلك إثر تعرّضه لطعنات بالسكين في مناطق متفرقة بجسده، بينما لم تواجه الحكومة التركية هذه الحادثة بأيّة إجراءات قانونية، رغم ردود الفعل العنيفة والغاضبة على الحادث، وكذا لما يتعرّض له النازحون السوريون في مناطق تواجدهم بتركيا.

المدن التركية ساحات عنف ضدّ السوريين

في مدينة قونيا، جنوب الأناضول، طعن عدد من الشباب بطعن الطفل السوري بالسكاكين التي كانت بحوزتهم، بينما كان، وشقيقه، في طريقهما للعمل، وقد تعرّض شقيقه للطعن هو الآخر، ليتسبّب الحادث في موجة انتقادات بين أوساط سوريين، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي، بسبب تكرار حالات الاعتداء على النازحين. ورغم ندرة الإحصاءات الرسمية في تركيا حول ذلك الأمر، والتعتيم المتعمّد عليها، لكن ثمة فيديوهات عديدة وثّقت أشكال اعتداءات مختلفة ضدّ السوريين؛ كالضرب، والقتل، والاغتصاب، والتهجير، أو الطرد من المنازل.

وبحسب شهادات من أشخاص عاينوا واقعة الطفل السوري، رصدتها وسائل الإعلام، المحلية والعربية، فقد تعرّض منصور لاعتداء من مجموعة من الشبان، يقدّر عددهم بنحو 20 شخصاً، انهالوا عليه بالضرب المبرح، بعد شجار بينهم، انتهى بطعن الطفل اللاجئ ثلاث طعنات أدّت لوفاته، كما ذكر شهود عيان أنّ الطفل السوري "سار بضع خطوات إلى أن سقط أمام بقالة مجاورة في المنطقة نفسها، قبل أن ينقل إلى مستشفى قريب، بعد إبلاغ الأهالي عن الحادثة، في حين فرّ الشبان من المكان".

الباحث السوري باز بكاري لـ"حفريات": السوريون في تركيا بين نار البقاء وتحمّل ما يتعرضون له من ضغوط أو العودة إلى سوريا، ومواجهة جحيم النظام، وفصائل المعارضة

في عدة ولايات تركية، سجّلت حوادث اعتداء على السوريين؛ حيث تضاعفت الحالات، خلال الشهور القليلة الماضية، بحسب تقارير حقوقية، محلية وأممية؛ إذ شهدت ولايات بورصة وهاتاي وأضنة، مؤخراً، وقائع عنف متكررة، تعرّض لها شباب سوريون، وبحسب تقرير صحفيّ لصحيفة "دويتشه فيله" الألمانية، في نسختها الناطقة باللغة التركية؛ فإنّ السبب الرئيس خلف ازدياد حدّة العنف حيال السوريين؛ هو تركيز وسائل الإعلام التركية على أخبار الحوادث، مثل التحرّش والسرقة وغيرهما، التي يكون السوري طرفاً فيها.

جرائم أردوغان

وتوضح الصحيفة الألمانية؛ أنّ ازدياد حالات العنف تجاه السوريين، خاصة النازحين واللاجئين، إنّما يعود بسبب "أخبار التحرش والسرقات والجرائم التي يكون السوري طرفاً فيها، الأمر الذي خلق تصوراً عاماً، وكأنّ كلّ سوريّ، أو كلّ لاجئ، هو أداة جريمة، أو شخص قابل لأن يرتكب الجرائم بسهولة".

ولفتت صحيفة "ويست فرانس" إلى أنّ السوريين هربوا من الحرب الجهنمية الدائرة في بلادهم، واعتقدوا أنّهم سيجدون في تركيا ملاذات آمنة، أو وطناً بديلاً لهم، لكنّهم واجهوا أوضاعاً اقتصادية ومعيشية مأزومة، تسبّبت في حالة احتقان عامة؛ إذ يعيش نحو 3 ملايين ونصف المليون سوري، في تركيا، تحت وطأة سلوكيات عنصرية وتمييزية، بسبب سياسات الرئيس التركي المنحرفة، السياسية والاقتصادية، بحسب الصحيفة الفرنسية، التي وثقت شهادة لاجئ سوري قال: "لقد عشنا لحظات رعب، بعد أن سمعنا صرخات في الشارع، تهتف ضدّنا: "يسقط السوريون، يأخذون قوتنا، فخشينا أن يتعرضوا لنا".

اقرأ أيضاً: أردوغان ينقل التوتر إلى البحر الأدرياتيكي

وكشفت الصحيفة الفرنسية؛ أنّ خطاب الكراهية ضدّ السوريين يتجاوز المواطن العادي إلى المسؤولين الرسميين في تركيا، إضافة إلى وسائل إعلام سورية، تصدر من أنقرة؛ إذ تبنّت الأخيرة واقعة، أو بالأحرى شائعة، الاعتداء الجنسي من جانب أحد السوريين على طفل تركي، ما تسبّب في عمليات عنف ضدّ السوريين في تركيا، في حزيران (يونيو) الماضي؛ إذ هاجم عدد من الأفراد إثر ذلك شركات ومحلات سورية في إسطنبول.

اقرأ أيضاً: جيش أردوغان الإلكتروني: بلطجة لترهيب المعارضين

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الباحث السوري، بمعهد واشنطن، باز بكاري، المتخصص في الشأن التركي، إلى أنّه لا يمكن النظر إلى الاعتداءات التي يتعرض لها السوريون على يد المواطنين الأتراك، على أنّها ردود فعل شعبية من بعض المتطرفين، دون ربط ذلك بسياسات الحكومة التركية نحو السوريين، أو بمعنى آخر؛ ما رسخته الحكومة التركية، عبر وسائل الإعلام الرسمية والمحسوبة على الحزب الحاكم، وحليفه حزب الحركة القومية، في عقول المواطنين الأتراك عن السوريين؛ إذ إنّ تعامل الحكومة التركية مع السوريين، حسبما يصل إلى مواطن التركي، على أنّهم سلعة تباع وتشترى، ليستفيد منها الأتراك في سبيل تحقيق مصالحهم.

ويضاف إلى ذلك؛ أنّ حليف حزب العدالة والتنمية، وأعني حزب الحركة القومية، المعروف بتطرفه وراديكالية خطابة السياسي، بحسب بكاري، هو شريك بالحكم، وبالتالي؛ فإنّ كثيرين من المنتسبين له موجودون بمراكز الحكم، وفي دوائر صنع القرار السياسي، وعليه؛ فمن المنطقي أن يتجاهلوا ما يتعرّض له السوريون من اضطهاد وعنصرية، وذلك على اعتبار أنّهم فاعلون في سياسة التمييز العنصري بحق السوريين، بشكل واضح.

اقرأ أيضاً: أردوغان سلطان مهزوم في ليبيا

كما أنّ الحملات الإعلامية التي استهدفت السوريين، طوال أعوام اللجوء في تركيا، وعمدت إلى نشر إشاعات من قبيل أنّ السوريين يحصلون على رواتب بآلاف الدولارات من الحكومة التركية، في مقابل فقر المواطنين المحليين وعوزهم، قد تسببت في صنع صورة عدائية وسلبية تجاه اللاجئ السوري، بحسب الباحث في معهد واشنطن، والحال؛ أنّ السوريين في تركيا بين نارَين؛ نار البقاء في تركيا وتحمّل ما يتعرضون له من ضغوط وملاحقة، حتى في لقمة العيش، أو العودة إلى سوريا، ومواجهة جحيم النظام، وفصائل المعارضة، المدعومة من تركيا أو الميليشيات الإيرانية، بالتالي؛ هم هنا أمام خيارات سيئة، ومصير مجهول، خاصة أنّ أغلب اللاجئين من المعارضين للنظام السوري، وهو وضع أشبه بالجحيم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية