سوريا والعمق العربي.. مقاربات أولية

سوريا والعمق العربي.. مقاربات أولية


14/11/2021

عبدالحميد توفيق

وهي تحاول نفض غبار سنين الحرب عن كاهلها، تبدو سوريا اليوم مثقلةً بأعباء لا طاقة لها على حملها وحدها.

الضغوط الهائلة المتراكمة على جميع مرافقها الاقتصادية، أو ما تبقى صالحاً منها، تشكل التحدي الأصعب.. تحديات سياسية وأمنية ناجمة عن مفاعيل عشر سنوات من الحرب أرهقت البشر وأوحت بانسداد الأفق.. مؤسسات الدولة السورية في جميع القطاعات بحاجة إلى دعم مباشر لإعادتها إلى الدوران بشكل فاعل.. النزيف المستمر لكوادرها في اختصاصات علمية وطبية وتقنية وإبداعية وتعليمية وصناعية وتجارية سجَّلَ أرقاما غير مسبوقة.

أثبتت الأحداث، التي عصفت بسوريا منذ عام 2011، أن العمق العربي هو الملاذ الأكثر فائدة لها على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع.

تطورات الوضع في سوريا بسياقاته الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية قدمت البراهين على أن ما أصاب سوريا انعكس بشكل مباشر على جوارها العربي أمنياً واقتصادياً وسياسياً ومجتمعيا، وطالت شظاياه حتى الشقيق البعيد جغرافيا عنها.

المسألة لا تُقاس هنا بمنظار المسافات، إنها عملية تفاعلية لا فكاك من تداعياتها مع اختلاف نسبة الضرر والتأثر بين مكان وآخر، مثل ما هي نفعية وذات فائدة مشتركة للجميع.

العلاقات بين الدول منصات لخدمة المصالح المشتركة.. تقاطع المصالح يحدد اتجاه بوصلة العلاقات على الدوام.. وعودة سوريا إلى محيطها العربي تعني خطوة أولى نحو تعافيها العام، ومدخلاً حيويا لتفعيل علاقاتها مع الدول العربية على الصُّعُد السياسية والأمنية والاقتصادية، وهو المناخ الذي شاع في الداخل السوري وخارجه مع الدور الإماراتي تجاه سوريا على أعلى المستويات، والداعم لخيار عودتها إلى حاضنتها العربية.

الموقع الجيوسياسي لسوريا يمنحها ورقة استثنائية للعب أدوار مؤثرة وفاعلة في عموم المنطقة كما كانت عليه الحال قبل الأحداث.. بعض الأحداث التي مرت بالمنطقة خلال انشغال سوريا بأزمتها الداخلية تجاوزت الدور السوري المعتاد، وقلصت حضوره وتأثيره بشكل كبير بسبب وضعها المضطرب من جهة، ونتيجة التباعد عن العمق العربي بكل مؤثراته السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تمثل حوامل رئيسية للعب مثل هذا الدور، من جهة أخرى.

شكّلت سوريا منذ استقلالها في النصف الأول من القرن الماضي جناحاً عربياً فاعلاً ورافداً وداعماً لقضايا العرب.. بالمقابل كان العرب حواضن رحبةً لها، دولة وشعبا.. ساندوها في أحلك الظروف كما في أكثرها رخاءً، سياسيا وعسكريا واقتصاديا.. مرت بكثير من التموجات والتعرجات والنكسات بحكم موقعها الجغرافي-السياسي وما يفرضه هذا التموضع الطبيعي من أعباء وأثقال تفوق أحيانا طاقتها على تحمله.. كانت تتخطى المخاطر الكبرى التي تواجهها بتقديم خسائر أقل مما كان يمكن أن يقع.. حرصت الدولة السورية إبان الأزمة على عدم التفريط فيما بقي لها من خطوط وتواصل مع عدد من العواصم العربية دون ضجيج أو صخب وبعيدا عن المناكفة والصدام، إدراكاً منها لأهمية حاضنتها العربية، وتجسيدا لمبادئها وانتمائها.

الحاجة السورية إلى عمقها العربي تنطلق من قواسم مشتركة عدة، أولها أن الدور العربي بات مطلوبا وهاما لحل الأزمة السورية وفك تشابكاتها في الداخل والخارج، وعدم تركها حكراً على لاعبين آخرين.. الانخراط العربي دبلوماسيا وسياسيا لحل الأزمة يسهم بالدفع تجاه ما يخدم مصلحة سوريا والسوريين، ويحفظ مصالحها كدولة ومصالح العرب أكثر مما لو بقي العرب منكفئين، ويشكل سدّاً منيعا في وجه أي أطماع خارجية.

القاسم المشترك الاقتصادي مرتبط ارتباطا وثيقا بسابقه، حيث الإسهام العربي في ضخ الحياة في شرايين الاقتصاد السوري ركيزة مهمة في استراتيجية نهوضها مجددا، وفوائده يحصدها الطرفان، إنها ضرورة لتمكين سوريا من سد احتياجاتها الذاتية، ما يمنحها القدرة على توسيع دائرة مشاركتها في الداخل والخارج، وفي الآن ذاته نافذة عربية لتعميق التفاعل والتنسيق معها في قضايا أخرى.

بدا جليا أن عددا من المشاريع الخارجية، التي تسعى لفرض نفسها على المنطقة العربية، استغلت الوضع الناشئ في سوريا.. عودة سوريا إلى عمقها العربي، وعودتها إلى لعب أدوارها المحصَّنة بدعم وغطاء عربي، تعني العودة إلى امتلاك زمام المبادرة على محورين استراتيجيين، المحور الأول سوري لمواجهة أي أطماع وتهديدات لأمنها وسيادتها وهويتها، والمحور الثاني عربي يكون على سوريا فيه واجب حماية الأمن القومي العربي والتصدي لأي محاولات لزعزعته أو النيل منه.

عن "العين" الإخبارية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية