سميح القاسم في ذكرى رحيله: حوّل فلسطين من مكان إلى فضاء

سميح القاسم في ذكرى رحيله: حوّل فلسطين من مكان إلى فضاء


19/08/2020

في التاسع عشر من  آب (أغسطس) من عام 2014 فقد الشعر الفلسطيني واحداً من ألمع أقماره، حين شهق سميح القاسم أنفاسه الأخيرة بعد صراع مرير مع سرطان الكبد.

واليوم، تستذكر "حفريات" هذا الرحيل الفادح لقامة ثقافية وسياسية وكفاحية متميزة، ظل مغروساً في أرضه كشجرة سنديان جذرها ثابت وفروعها في سماء المعرفة الإنسانية.

وكان مثقفون وأدباء عرب، قالوا في تصريحات خاصة بصحيفة "ذوات" إنّ رحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم خسارة فادحة للثقافة العربية، والشعر الفلسطيني.

ووصفوا القاسم المولود في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1939، بأنه "شاعر المقاومة" وقالوا إنه رحل "منتصب القامة".

المناصرة: عمود الشعر الفلسطيني المقاوم

يقول الشاعر عز الدين المناصرة: "تعرفت إلى سميح القاسم في العام 1980 في صوفيا ببلغاريا عندما قدمته في أمسية شعرية للطلبة العرب هناك، ومنذ ذلك الحين أصبحنا أصدقاء وبتنا نلتقي في عمّان كثيراً لنتحدث ونتفق حول قضايا سياسية وشعرية كثيرة رغم أننا ننتمي لمدرستين شعريتين مختلفتين".

اقرأ أيضاً: من يوميات سميح القاسم في نكبة 1948

ويستدرك المناصرة "بل قد تكون معرفتنا بدأت منذ العام 1966، وتحديداً حين نشرنا له في مجلة "الأفق الجديد" في القدس، والتي كنت مراسلاً لها في القاهرة، مجموعة من قصائده الأولى. كان هذا هو اللقاء غير المباشر".

يصف المناصرة سميح بصاحب القيمة الكبيرة في الشعر الفلسطيني، مردفاً "هو من أهم شعراء المقاومة في شمال فلسطين، وله شعرية خاصة وأسلوب يجمع بين المقاومة والرغبة في الحداثة"، مضيفاً "كما أنه شاعر جماهيري قادرعلى إيصال شعره للجماهير البسيطة وهذه بحد ذاتها ميزة في هذا الزمن".

يقول المناصرة بأن ما يبقى من الإنسان هو هذه النصوص، و"هذا الاسم المحترم الذي صنعه"، تماماً كما سميح الذي "سيبقى عموداً أساسياً في الشعر الفلسطيني المقاوم".

أبوشايب: التوأم الشعري لمحمود درويش

ويقول الشاعر زهير أبو شايب "لا يستطيع المرء أن يذكر فلسطين من دون أن يتطرق إلى محمود درويش وغسان كنفاني وإميل حبيبي وإدوارد سعيد وسميح القاسم. فلسطين المتخيلة هي تلك التي اشتغل عليها هؤلاء المبدعون وحوّلوها من مكان إلى فضاء"، مضيفاً "كما حوّلوا علاقتنا بها من علاقة فقدان إلى علاقة ابتكار، وسميح القاسم أحد هؤلاء الذين بنوا لنا وجداننا الوطني وأثّثوا لنا وعينا الجمعي بلغة أنقذتنا من الفوضى والترهل وربطتنا بذاتنا الجمعية وقضايانا وعلّمتنا من نحن وماذا ينبغي أن نكون".

 

عز الدين المناصرة:  سميح من أهم شعراء المقاومة وهو شاعر جماهيري قادرعلى إيصال شعره للجماهير البسيطة وهذه بحد ذاتها ميزة في هذا الزمن

يصف أبو شايب القاسم بـ "التوأم الشعري لمحمود درويش"، مستدركاً "ومع أنه حافظ على ملامحه الشعرية طيلة عمره، إلا أنه استطاع أن يكون علامة في الشعرية العربية والفلسطينية".

يقول أبو شايب إنّ أهم ما امتازت به شخصية القاسم "أنه كان يريد أن يكون دوماً ابناً لفلسطين، وكان دوماً لا يرغب بأن يفيض عن إنائها. روحه.. لغته.. لهجته.. سلوكه.. إيقاعاته.. مفرداته.. عوالمه.. موضوعاته.. كلها تنتمي لفلسطين ومن طينها كان يخلق قصيدة"، مضيفاً "سميح القاسم سيبقى لأنه زرع نفسه جيداً في طينة فلسطين".

محمد: عاش سميح مثّل مرحلة بكاملها

من جهته، يقول الشاعر زكريا محمد "عاش سميح القاسم بسلام وتوافق تام مع نفسه، أما الشاعر محمود درويش فلم يعرف مثل هذا السلام أبداً. كان القاسم متفقاً تماماً ومتوافقاً مع ذاته".

اقرأ أيضاً: محمود درويش... قصائد لا تنتهي

ويضيف بأنّ القاسم "مثّل مرحلة بكاملها، كما مثّل أمّة كفّت عن الوجود لاحقاً"، مردفاً "يا أيتها الريح التي تضربين شراعه، وتأخذينه إلى حيث لا ندري سلام عليك وسلام عليه، ولا سلام لنا. نحن الذين قرأنا في بكورنا ثم نسيناه.. نسيناه".

خضر: نشيدك في السر يعلو

تستذكر الشاعرة صونيا خضر كلمات القاسم الأخيرة وهو على سرير الشفاء "على شرفة عالية.. أرى صورتي في مكاني.. وبعد ثوان.. ومن شرفة ثانية.. أرى صورتي الباقية.. على ما تقول القصيدة في جثتي الحافية".

تقول عنه: "الشاعر سميح القاسم كان القصيدة في الثورة والثورة في القصيدة. هو الحالة الشعرية الغزيرة والمميزة والذي لم يتوقف عن المقاومة حتى في أشد حالات المرض الخبيث الذي قارنه بخباثة المرض الآخر الذي يعاني منه وهو الاحتلال".

وتخاطبه قائلة "لا عليك أيها الشاعر، ففي فلسطين لا يموت الشعراء بل يكبرون في موتهم ويمتدون ويتجذرون. ها أنا أراك تتصدر المشهد ويتسابق الأصدقاء على نشر الصور التي تجمعهم بك بعد أن كانوا يخبئونها لمثل هذا اليوم"، مستدركة "بصراحة لا أحب الموت الدعائي ولا الصداقات الادعائية لكني أراك تستحق، لا لشي، ولكن بعيداً عن كل شيء وبعيداً عن قامتك الأدبية لأني كنت أراك طيباً وهذا هو الأهم".

 

أحمد برقاوي: منتصب القامة رحل.. سميح القاسم مات ومات نشيد آخر. طفلاً نزقاً ظل يكتب الشعر. وأوقف جل إبداعه الشعري لفلسطين

وتخاطب خضر القاسم، مستذكرة الموقف الأخير الذي جمعها به، قائلة "مازال صوتك المتعب حين هاتفتك بخصوص الديوان الأخير يجرحني. فقد كان بإمكانك تجاهل المكالمة وأنت خارج للتو من جلسة الكيماوي، عوضاً عن تقديم اعتذار لطيف عن التعب الذي تشعر به"، مضيفة "هذا يقول عنك كل شيء أيها الشاعر، فربما لم تكن تعلم أن تعكّر مزاج بعض الشعراء يكفي لإهمالهم العديد من الرسائل والمواعيد وإغلاق هواتفهم".

تودّع خضر الشاعر سميح القاسم بكلماته، قائلة "نشيدك في السر يعلو وفي الجهر يعلو ويصهل حزنك ليلاً نهاراً ويلتمّ حول انفجارك صخب وأهل".

تعليقات الأدباء على الفيسبوك

ونال رحيل القاسم نصيباً كبيراً من تعليقات الكتاب والأدباء على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، حيث كتب أستاذ الفلسفة المفكر أحمد برقاوي: "منتصب القامة رحل.. سميح القاسم مات ومات نشيد آخر. طفلاً نزقاً ظل يكتب الشعر. وأوقف جل إبداعه الشعري لفلسطين .

درويش وسميح اسمان متلازمان في الذاكرة. أطلقنا عليهما وعلى توفيق زياد شعراء الأرض المحتلة. واستمروا شعراء للأرض المحتلة واستمرت اﻷرض محتلة.

غاب نشيد آخر. شاعر الهمّ الفلسطيني والعربي لم يعد يطيق "الحياة بلا حياة" ولوّح بيد متعبة لنا وعلى لسانه سؤال الوجود:من رسم حدود العمر وسواها يا فصول الحياة.

رحل سميح القاسم وكأنه آثر يصعد مع آﻻف شهداء الحرية إلى سماء الخلود النبيل. أجل.. حين يلفظ الشاعر أنفاسه أﻷخيرة تنكّس ألطيور أجنحتها أربعين عاماً حداداً".

مدير متحف محمود درويش سامح خضر، كتب: شهر أغسطس هو شهر الخسارات. احتلال القدس الشرقية، تل الزعتر، وفاة: عبد الوهاب البياتي، نيتشه، خليل السكاكيني، ناجي العلي، أبو علي مصطفى، محمود درويش، سميح القاسم.

اقرأ أيضاً: 4 مقالات مجهولة لمحمود درويش رفض نشرها في كتاب

وقال الشاعر سلطان القيسي: لم أصدّق حتى الآن رحيل درويش، وكلّما دخلتُ متحفهُ أنهارُ بكاءً، ولن أوافق أبداً على رحيل سميح القاسم، لأنه وعدني أن يوقّع كتابه الجديد في عمّان ورام الله، وسميح القاسم لا يخلف وعداً.

أما الشاعر غازي الذيبة، فكتب على صفحته:
قيثارة فلسطين .. تحلق في السماء 
سلاماً إلى روح سميح القاسم وهي تغادرنا
سلاماً لقلبه العذب ومساءاته الدافئة بالحياة 
سلاماً لروحه الحرة".

الشاعر عبد السلام العطاري كتب: وداعاً يا سند البلاد ومنشدها، وداعاً يا سنديانة الجليل...وداعاً يا سيدي الجميل.

الكاتب خالد جمعة قال: مع الوقت، نتعلم أن نحترم تجارب الآخرين حتى لو لم نتفق معها. وربما عليّ أن أقول إنني لم أعجب في حياتي بسميح القاسم لا في الشعر ولا في السياسة، اللهم إلا من بعض القصائد القليلة المتفرقة، ولكن هذا لم يمنعني يوماً أن أضعه في قائمة الشعراء المؤثرين في تاريخ القضية الفلسطينية.

 

إميل حبيبي في تقديمه لكتاب "الرسائل" بين سميح القاسم ومحمود درويش أطلق عليهما اسم شِقيّ البرتقالة الفلسطينية. اليوم رحل الشق الآخر. كلهم رحلوا

وقال الروائي السوري نبيل ملحم: سميح القاسم.. كذلك ظلك يتسع للكثيرين.

وأما الروائي السوري زياد عبد الله، فكتب: مع نبأ وفاة سميح القاسم هبط عليّ بيت واحد أحد: وإن كان جذعي للفؤوس ضحية فجذري إله في الثرى يتوثب.

الصحفي الفلسطيني راشد عيسى كتب على صفحته: إميل حبيبي في تقديمه لكتاب "الرسائل" بين سميح القاسم ومحمود درويش أطلق عليهما اسم شِقيّ البرتقالة الفلسطينية. اليوم رحل الشق الآخر. كلهم رحلوا.

وعلق الشاعر السوري حسين بن حمزة: بعد توفيق زيّاد ومحمود درويش: سميح القاسم آخر الراحلين من "ثالوث" شعراء المقاومة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية