من الصعب الاعتماد حالياً، في منطقة الخليج العربي، على الموارد العامة لتلبية الطلب المتزايد على الوظائف، وعلى تطوير البنية التحتية، وعلى الجهود الرّامية إلى بناء اقتصاد أقل اعتماداً على عائدات النفط. أما بالنسبة للمسؤولين الذين يسعون للحصول على تمويل خارجي، سواء عن طريق الديون أو الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن إيجاد الشركاء المناسبين يصبح أكثر صعوبة، نظراً للتوترات السياسية الإقليمية، والحاجة الملحة لسدّ العجز المالي، والاستمرار في مشاريع خطوط الأنابيب.
تشكّلُ سلطنة عُمان مثالاً على التحديات المتمثلة في توليد الاستثمار، وتنمية البنية التحتية؛ في ظل تناقص الموارد المالية. هذا ما كتبته كارين إ. يونغ، وهي باحثة مقيمة أولى في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وكانت زميلة أبحاث في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية منذ عام 2014-2015.
إستراتيجية مزدوجة
في مقاربتها، التي نشرها "معهد دول الخليج العربية" في واشنطن على موقعه الإلكتروني، تقول المحلّلة يونغ: "هنالك شقان للإستراتيجية العُمانية":
المنطقة الصناعية الصينية العُمانية بالدقم منطقة اقتصادية خاصة من المتوقع أن تبلغ تكلفتها 10.7 مليار دولار
الشّق الأول: الاقتراض في ظل العجز المالي، والشقّ الثاني: التعامل مع الإصلاحات الهيكلية بحذر، خاصة بسبب التأثير في تكاليف المعيشة والنمو الوظيفي. وتؤكد يونغ أنّ هناك قلقاً واضحاً لدى الاستشاريين السياسيين حول أثر التقشف، فبدلاً من إلغاء تدابير التقشف (كما فعلت السعودية، مرتين خلال عام 2017)، حاولت عُمان التركيز على الاتصالات الإستراتيجية مع المواطنين حول طبيعة الإصلاحات وتأثيرها الفوري. وفي حالة التخفيضات في دعم الحكومة للوقود، أنشأت الحكومة نظام تحويل مباشراً لمساعدة المواطنين ذوي الدخل المنخفض على دفع تكاليف الوقود المرتفعة. ومع تصاعد الضغوط لخلق المزيد من فرص العمل في القطاع العام للمواطنين، فإن إعطاء الأولوية للاستقرار له ما يبرره. لكنّه سيكلف كثيراً.
"تريّثْ ثم انطلق" هو الشعار
وتلفتُ يونغ الأنظارَ إلى تأكيد الوزراء والمستشارين الاقتصاديين في عُمان على الحاجة إلى تحقيق النمو وزيادة المبادرات الاستثمارية الطويلة الأجل، حتى ولو على حساب العجز المتضخم، وإهمال التوجهات الإقليمية في تفعيل نظام الضرائب وإصلاح الدعم الحكومي. وهذا هو مظهر "التريث" في النهج؛ أما "الانطلاق" فهو يتمثّل في الجهود الرّامية لدفع مشاريع البنية التحتية والتنمية قُدُماً وعلى نطاق واسع، وإيجاد شركاء للحفاظ على استمرارية تدفّق رأس المال المطلوب.
زيادة حركة المرور البحرية وتدفّق التجارة
في الوقت الذي شهدت فيه عُمان زيادة في حركة المرور البحرية وتدفق التجارة، منذ حزيران (يونيو) عام 2017، كانت مشاريع توسيع مطارها والموانئ الإستراتيجية، مثل صحار(تبعد عن مسقط 234 كيلومتراً شمالاً) والدّقم (على مسافة 550 كيلومتراً جنوبي مسقط) قيد التنفيذ، قبل قطع العلاقات التجارية مع قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين. وسوف تستغرق هذه الاستثمارات سنواتٍ لتوليد الثروة التي تأملُ البلادُ تحصيلها في الخدمات اللوجستية الجديدة، والتصنيع، ومشاريع الطاقة.
صحار والدقم مثالان مهمّان
يُعتبر ميناء صحار (الواقع في إحدى ولايات منطقة الباطنة في الجزء الشمالي من عُمان) مثالاً مهماً على ذلك، حيثُ تمّ تصميمهُ كمنطقةٍ حرّة، لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر بالإضافة لكونه مركزاً لوجستياً. وهو يخدم احتياجات التنمية الطويلة الأجل في عُمان، بما في ذلك خلق فرص العمل عن طريق محطات تجميع السيارات، ومحطات الصهر ومصافي النفط، والمستودعات الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي (لسلطنة عُمان، ومن المحتمل أيضاً للجيران في المنطقة مثل الهند). ويبقى صحار مشروعاً صغيراً، مقارنة مع المدينة الصناعية الطموحة الجديدة، الجاريةُ إقامتها في الدقم.
في ظفار ستستثمر شركة مصدر الإماراتية في إنشاء محطة رئيسية لطاقة الرياح
في الدقم، كان التمويل يعتمد بشكل كبير على الصين، مع استثمارات أصغر من دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة. وتعتبر المنطقة الصناعية الصينية - العُمانية، بالدقم، مدينة مصممة بطريقة مميزة ضمن منطقة اقتصادية خاصة، ومن المتوقع أنْ تبلغ تكلفتها 10.7 مليار دولار، تُموّل من الشركات الصينية والقروض المصرفية. وسوف تنتج المنطقة الصناعية سيارات (الدفع الرباعي السريعة الحركة)، وألواح الخلايا الشمسية، والبتروكيماويات، ولوازم حقول النفط، وستكون لها محطات الكهرباء وتحلية المياه الخاصة بها. ومؤخراً، بذلت السعودية جهوداً لدعم المشروع، حيث قدمت تمويلاً بقيمة 200 مليون دولار أمريكي، جزء منه منحة والجزء الآخر قرض لتمويل إنشاء الطرق وميناء للصيد.
"مصدر" الإماراتية والطاقة المتجددة في ظفار
وتشكل مشاريع النفط والغاز والسكك الحديدية ومحطات الطاقة الجديدة أيضاً جزءاً من إستراتيجية التنمية الاقتصادية، وسوف تمتد من الدقم، لتشمل المنطقة الجنوبية من ظفار. وفي ظفار، ستستثمر شركة "مصدر" الإماراتية في إنشاء محطة رئيسية لطاقة الرياح في سلطنة عُمان، مستدعية خبرتها في مشاريع الطاقة المتجددة إلى المنطقة.
وتختم كارين يونغ تحليلها الاقتصادي بالقول حالياً، كان "الوقت هو العامل الأكثر إلحاحاً في متطلبات التمويل في عُمان، لقد تمت مكافأة المقرضين والشركاء الذين كانوا على استعداد للتدخل بسرعة بوسائل وشروط أفضل". وتضيف يونغ: من وجهة نظر الحكومة، فإن "التريث والانطلاق" له مبرراته السياسية، التي عزّزها عدم وجود صدمات في الاقتصاد المحلي. وسوف يتطلب النمو على المدى الطويل سداداً على المدى القصير والمتوسط، وقد تحتاج عُمان في المدى القريب إلى النظر في شركاء تمويل بدلاء، لا سيّما مع ارتفاع الديون نسبة إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي.