دلشاد الدلوي
القتل والتصفية الجسدية والاختطاف والتهديد وإحراق المنازل والتهجير.. مفردات يحفل بها سجل مليشيات الحشد الشعبي في العراق.
فالمعلومات الآتية من العراق، تقول إن تهديدات تلقاها ذوو مختطفين من قِبل مليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران إذا واصلوا المطالبة بمعرفة مصير أبنائهم.
واختطفت مليشيات الحشد الشعبي خلال مشاركتها في معارك تحرير المدن العراقية من تنظيم "داعش" الآلاف من المدنيين الفارين من الموصل وديالى والأنبار وصلاح الدين وحزام بغداد إضافة الى المحاصرين من قبل التنظيم داخل مدنهم.
وبحسب شهادات ناجين من تلك العمليات، فقد عزلت المليشيات الرجال عن النساء والأطفال، ومن ثم اختطفت الذكور من عمر ١٤ عاما فما فوق، واستولت على ممتلكات هذه العائلات من أموال ومجوهرات ووثائق ثبوتية، ولم يعد من هؤلاء المختطفين سوى القليل بينما لا تزال الأغلبية مغيبة.
جبار السبعاوي، رجل سبعيني من محافظة صلاح الدين، أمضى العامين الماضيين بين الدوائر الأمنية الحكومية العراقية بحثا عن ابنه الذي اختطفته مليشيات الحشد عام ٢٠١٧، ضمن مجموعة من الشباب مكونة من ١٠٠ شخص كانوا في طريقهم للتطوع في صفوف القوات الأمنية.
وقال السبعاوي لـ"العين الإخبارية" وعلامات الحزن تطغي على وجهه: "صباح ٨ يناير/كانون الثاني عام ٢٠١٧ كان آخر يوم لنا مع ابننا الذي ودعنا للذهاب إلى إحدى معسكرات القوات الأمنية للتطوع في صفوفها، لكنه لم يعد، وفي آخر اتصال هاتفي بيننا قبل أن تختطفه المليشيات أبلغني أنهم وصلوا مع آلاف الشباب إلى بلد شمال بغداد وبعدها انقطع الاتصال".
وأضاف السبعاوي: "بعد متابعة القضية -من قبلنا نحن ذوي المختطفين- توصلنا إلى أن ابني ومن معه اُختطفوا من قبل مليشيات كتائب حزب الله العراقي ونقلوا إلى سجونها السرية في بلد".
ومليشيات كتائب حزب الله التي يتزعمها أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي المعروفة بقربها من الإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس جناح الحرس الثوري الإيراني، كانت في مقدمة الذين اختطفوا العدد الأكبر من المدنيين الفارين من "داعش"، وفق عائلات ضحايا.
وقد أظهرت تسجيلات مصورة نشرها عناصر المليشيات على صفحات التواصل الاجتماعي إبان انطلاق عمليات تحرير المدن من "داعش"، الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من سكان هذه المحافظات تقودهم المليشيات بطوابير طويلة إلى سجونها السرية المنتشرة في مناطق عدة من العراق التي يشرف عليها ضباط فيلق القدس والإطلاعات الإيرانية.
وكشف الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي، مؤيد الجحيشي لـ"العين الإخبارية" أن "الحصة الأكبر من المختطفين كانت لمليشيا كتائب حزب الله، فيما أُختُطِف الباقون من قبل الفصائل الولائية التي تعمل جميعها تحت إمرته".
وتترأس كتائب حزب الله مليشيات الحشد الشعبي التي تتألف من نحو 70 فصيلا مسلحا غالبيتها موالية للنظام الإيراني وتتلقى الأوامر بشكل مباشر من الحرس الثوري ومرشد نظام ولي الفقيه علي خامنئي.
وتُعد كتائب "حزب الله" واحدة من ضمن 6 مليشيات رئيسية في الحشد هي عصائب أهل الحق التي تأتي بالمرتبة الثانية، والنجباء وسيد الشهداء والخراساني وبدر.
وأكد الجحيشي أن "أعداد هؤلاء المختطفين والمغيبين اجتازت الـ٥٠ ألف شخص، نقلت مليشيات الحشد ما يعادل ١٢ ألفا منهم إلى جرف الصخر شمال محافظة بابل، ووزعتهم على المدارس، أما الباقون فموجودون في سجون محافظة بابل جنوب بغداد، وبالتحديد في سجون أبو الغرق والمحطة الحرارية وجرف الصخر وعرب جاسم".
وأشار الجحيشي إلى أن أعدادا أخرى من المختطفين تحتجزهم المليشيات في النخيب بمحافظة الأنبار، وفي منشأة جابر في الموصل، وقلعة برطلة العسكرية بسهل نينوى، وقاعدة فرناس في محافظة ديالى، إضافة إلى معسكرات بمدينة مندلي.
وتابع موضحا: "هذه السجون تابعة لحزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء وسيد الشهداء والخراساني، وأكثر من ٢٨ ألف مختطف من هؤلاء هم نساء وأطفال قتلوا من قبل المليشيات المذكورة".
واستطرد في هذا السياق: "من بين هؤلاء المقتولين ٦ آلاف معتقل من معتقلي سجون جرف الصخر".
وبحسب معلومات دقيقة حصلت عليها "العين الإخبارية" من مصادر عراقية مطلعة خلال تقصيها لملف المعتقلين، تسعى مليشيات الحشد الشعبي إلى إخفاء أعداد المختطفين الذين قتلتهم من خلال إلقاء جثثهم هنا وهناك على أنهم قتلوا من قبل إرهابيي داعش وأن الحشد لا علاقة له بالموضوع.
وقد أعلنت مؤسسة فاطمة الزهراء الخيرية استلامها 31 جثة مجهولة الهوية في أغسطس/آب الماضي من دائرة الطب العدلي في محافظة بابل وأنها دفنتهم في كربلاء.
وأوضحت المؤسسة أن الضحايا من سكان جرف الصخر وكأن لديها معلومات مسبقة عنهم.
وأكدت المصادر أن مؤسسة فاطمة الزهراء هي إحدى المؤسسات التي أسسها فيلق القدس في العراق لتنفيذ عملياته الإرهابية تحت غطاء الأعمال الإنسانية، ويقودها قياديون من مليشيات لواء الطفوف الذي شارك في معارك جرف الصخر ضد داعش.
ولم تتوقف مليشيات حزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق وسيد الشهداء والخراساني والمليشيات الأخرى عند اختطاف سكان هذه المدن بل لا تزال تواصل تهديد ذوي المختطفين بالقتل والتهجير في حال واصلوا البحث عن أبنائهم أو طالبوا بمعرفة مصيرهم.
وفي هذا الصدد، قال السياسي العراقي مشعان الجبوري رئيس حزب الوطن: "من يعتقدون إمكانية إسكات المتبنين لقضية المغيبين والمعتقلين عبر التهديد والكواتم أو الرشوة بالمناصب واهمون".
وأضاف الجبوري الذي أعلن تبنيه قضية البحث والكشف عن مصير المختطفين والمغيبين لدى مليشيات الحشد الشعبي في تغريدة على صفحته في تويتر أن "هذه قضية لا يمكن طمسها أو تسويفها، وإذا لم تبادر الحكومة بتشكيل لجنة تمثل بها المؤسسات المعنية وترأسها شخصية وسطية نتفق عليها تتولى كشف مصيرهم سننقلها إلى المجتمع الدولي".
ونفذت مليشيات الحشد الشعبي خلال السنوات الماضية التي أعقبت تأسيسها ولا تزال، عمليات إبادة جماعية وتغيير ديموغرافي وتهجير قسري ضد سكان محافظات الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد.
واستولت تلك المليشيات على مساحات واسعة من أراضي هذه المحافظات حولت قسما كبيرا منها إلى معسكرات وقواعد للصواريخ الإيرانية وسجون سرية تنفذ فيها أبشع وسائل التعذيب ضد المختطفين.
عن "العين" الإخبارية