سجل أعلى ارتفاع وسط أزمة الاقتصاد العالمي... هل الذهب ملاذ آمن دائماً؟

سجل أعلى ارتفاع وسط أزمة الاقتصاد العالمي... هل الذهب ملاذ آمن دائماً؟

سجل أعلى ارتفاع وسط أزمة الاقتصاد العالمي... هل الذهب ملاذ آمن دائماً؟


03/05/2023

يشهد الاقتصاد العالمي حالة من التخبط، وصلت حدّ الانهيار في عدد من الدول، نتيجة التوترات السياسية والأمنية في مختلف دول العالم، وما نتج عنها من تداعيات أصابت قطاعات اقتصادية عديدة بالشلل، وانهارت أخرى خلال الأشهر الماضية تزامناً مع اندلاع الأزمة الأوكرانية في شباط (فبراير) عام 2022، وما تبعها من تأثيرات على الوضع الاقتصادي بوجه عام.

وبالرغم من تدهور حالة الاقتصاد في معظم الدول تأثراً بالأزمات المتعاقبة، وارتفاع مستويات التضخم لقياسات غير مسبوقة، فضلاً عن تراجع النمو بشكل كبير، ما يزال الذهب وسط كل الأزمات المتراكمة، وارتفاع أسعاره لمستويات غير مسبوقة، يمثل الملاذ الأكثر أمناً أمام حركة الاستثمار، مقابل المجالات الأخرى التي تمثل في مثل هذه الظروف مخاطر ومغامرة غير محمودة العواقب، أمام رؤوس الأموال، على حدّ تقدير خبراء الاقتصاد.

ارتفاع قياسي في الأسعار

تشهد أسعار المعدن الأصفر ارتفاعاً متزايداً، وبشكل يومي، منذ بدء الأزمة الأوكرانية في شباط (فبراير) العام الماضي، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملات المحلية مقابل الدولار، والركود الاقتصادي العالمي، الذي يؤثر بدوره على ارتفاع أسعار السلع بوجه عام وفي مقدمتها المعادن.

وخلال الأسبوع الماضي سجل سعر الذهب عالمياً نحو (1999) دولاراً في منتصف التعاملات اليومية، بصعود قدره نحو 0.12% مقارنة بمستواه في ختام تعاملات جلسات بداية الأسبوع، وفقاً لبيانات "بلومبرغ".

 تدهور حالة الاقتصاد في معظم الدول تأثراً بالأزمات المتعاقبة

وكان يورغ كينر، العضو المنتدب وكبير مسؤولي الاستثمار لدى سويس آسيا كابيتال، قد توقع في وقت سابق ارتفاع أسعار الذهب إلى (4) آلاف دولار للأونصة خلال العام الجاري، حيث يبقي ارتفاع أسعار الفائدة ومخاوف الركود الأسواق متقلبة.

وقال كينر، في لقاء مع قناة "سي إن بي سي": إنّ المستثمرين سيتطلعون إلى الذهب مع بقاء التضخم مرتفعاً في أجزاء كثيرة من العالم. و"يُعدّ الذهب وسيلة جيدة للتحوط من التضخم، كما أنّه يمثل صيداً رائعاً أثناء الركود التضخمي، وإضافة رائعة إلى المحفظة".

لماذا الذهب ملاذ آمن؟

بحسب الباحثة الاقتصادية، سالي عاشور، في دراستها المنشورة حديثاً عبر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يُعتبر الذهب أداة للتحوط ضد ارتفاع معدلات التضخم وعدم اليقين للظروف الاقتصادية، لكنّ أسعار الفائدة المرتفعة تزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، لأنّه لا يدرّ عائداً.

كان يورغ كينر توقع في وقت سابق ارتفاع أسعار الذهب إلى 4 آلاف دولار للأونصة خلال العام الجاري، حيث يبقي ارتفاع أسعار الفائدة ومخاوف الركود الأسواق متقلبة

وبناء عليه، فقد سجلت أسعار الذهب أعلى مستوى لها لتدور فوق مستوى (2000) دولار للأونصة في نيسان (أبريل) الماضي، لتسجل أفضل أداء منذ تموز (يوليو) 2020، إذ أدت أزمة النظام المصرفي إلى توقع توقف مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) مؤقتاً عن رفع الفائدة، ممّا يجعل المعدن الأصفر أكثر جذباً.

وفي ظل استمرار الطلب من مستثمرين يبحثون عن ملاذ آمن بسبب ارتفاع مستوى التضخم، وضعف سوق العمل، ونقص السيولة وهشاشة أسواق الائتمان، يتوقع محللو بنك (يو بي إس غروب) أن تتجاوز أسعار الذهب أرقامها القياسية السابقة حتى تختبر مستوى (2200) دولار للأونصة مع بداية عام 2024.

تاريخ الاستثمار بالذهب... محفز لخوض التجربة

يُصنف الذهب على مر التاريخ في مقدمة الأصول ذات الملاذات الآمنة، بحسب رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة "Equiti".

وأوضح الخضر لشبكة "سكاي نيوز" أنّ ارتفاع الطلب على الذهب ليس سببه مخاوف الركود الاقتصادي أو ارتفاعات التضخم فحسب؛ بل تصاعد توقعات استمرار تراجع الدولار الأمريكي في الفترة المقبلة؛ إذ تستعد الأسواق لبدء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتغيير سياساته النقدية وتخفيض الوتيرة القوية لرفع أسعار الفائدة التي تبنّاها طوال العام الماضي، وبالتالي الضغط على أداء الدولار الفترة المقبلة.

ملاذ آمن لكن ليس الوحيد

يقول المؤسس والمدير التنفيذي لشركة (ماس) للاستشارات مازن سلهب لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إنّ "الكثيرين يعتقدون أنّ الذهب هو الأداة الاستثمارية الأهم في أوقات الركود، والحقيقة قد لا يبدو هذا التصوّر صحيحاً بالمطلق، لأنّ الأزمات قد لا تنعكس في ارتفاع الذهب إلا إذا كانت مترافقة مع طباعة النقد الرخيص من البنوك المركزية وتخفيض أسعار الفائدة، إضافةً طبعاً إلى البلد الذي ينتمي إليه المستثمر، حيث تختلف الجغرافيا بين بلاد عملتها مستقرة وبين بلاد تخسر عملتها المحلية من قيمتها بشكل مستمر".

 يُعتبر الذهب أداة للتحوط ضد ارتفاع معدلات التضخم

ويرى سلهب ضرورة أن تتضمن محفظة المستثمر أو حتى الشخص العادي نسبة لا تقل عن 20% في الذهب؛ لأنّ فيه قيمة حقيقية ويمكن تسييله في أوقات الحاجة، وتبقى قدرته الشرائية مستقرة نسبياً إذا تمّت مقارنته مع بقية الأصول، لكن من جهة أخرى هناك العديد من الأدوات الاستثمارية التي قد تفيد في أوقات الأزمات والتراجع الاقتصادي؛ منها أسهم الشركات العاملة في السلع الاستهلاكية، فضلاً عن الاستثمار في قطاع الاتصالات والخدمات الطبية.

توقعات حول مستقبل أسعار الذهب

وفق الباحثة سالي عاشور، عند تحليل التطور التاريخي للذهب يلاحظ باتخاذ مسار تصاعدي، ليصل إلى أعلى قيمة له عام 2020، ثم شهد تراجعاً طفيفاً خلال عامي 2021، و2022، ليتخذ خلال عام 2023 مساراً تصاعدياً ليصل إلى أعلى قيمة له قرب (2000) دولار للأونصة، في ظل حالة ترقب لأسعار الفائدة ومعدلات التضخم في الولايات المتحدة.

وتشير توقعات مجلس الذهب العالمي إلى اتجاه البنوك المركزية حول العالم لاستعادة شهيتها لشراء الذهب خلال عام 2023، بعد تراجع الطلب خلال العام الماضي، بما قد يدفع بأسعار الذهب إلى الارتفاع، بحسب ما أوردته الدراسة.

مازن سلهب: يعتقد كثيرون أنّ الذهب هو الأداة الاستثمارية الأهم في أوقات الركود، وهذا التصور غير صحيح، لأنّ الأزمات قد لا تنعكس في ارتفاع الذهب إلا إذا كانت مترافقة مع طباعة النقد الرخيص من البنوك المركزية وتخفيض أسعار الفائدة

وذكرت الباحثة أنّ "لدى البنوك المركزية كمية قياسية من الذهب ما يقرب من (400) طن في الربع الثالث من عام 2022، أي أكثر من (4) أضعاف الكمية قبل عام، ليرتفع الإجمالي منذ بداية العام حتى الآن إلى أعلى مستوى منذ عام 1967".

وفيما يخص اتجاهات الطلب العالمي للذهب عالمياً، تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى انخفاض الطلب الاستثماري الإجمالي بنسبة 47%، ليصل إلى (124) طناً بقيادة مبيعات صناديق متداولة في البورصة، وقد ارتفع الطلب على السبائك المعدنية والعملات المعدنية بأكثر من الثلث إلى (351( طناً، كما زادت مشتريات المجوهرات العالمية 10% إلى (523) طناً مدفوعة بطلب من الهند، كما تراجع الطلب على التكنولوجيا بنسبة 8% إلى (77)  طناً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية