روسيا في الساحل الأفريقي: مكافحة الإرهاب أم اقتلاع أمريكا والغرب؟

روسيا في الساحل الأفريقي: مكافحة الإرهاب أم اقتلاع أمريكا والغرب؟

روسيا في الساحل الأفريقي: مكافحة الإرهاب أم اقتلاع أمريكا والغرب؟


15/07/2024

تسعى روسيا إلى تكثيف حضورها العسكري والسياسي في أفريقيا، مستثمرة حالة التململ الشعبي في دول الساحل الأفريقي، على وجه الخصوص، من الوجود الفرنسي والأمريكي في تلك البلدان.

وكشفت الفترة الأخيرة عن تشكل نهج روسي مغاير يأخذ طابعاً رسمياً فيما يتعلق بملامح الانخراط الروسي الأمني والعسكري في القارة الأفريقية، وهو ما تجلى في حجم الزيارات المكثفة والمتتالية التي قام بها نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بك يفكوروف” لبعض الدول الأفريقية، حيث استهدفت تلك الزيارات تعميق مستويات التنسيق الأمني والعسكري بين روسيا وحلفائها الأفارقة في ليبيا ودول الساحل الأفريقي تحت مظلة كيان عسكري جديد يُعرف بـ “الفيلق الأفريقي” ، وفق تقرير للباحث زياد زكريا نشره الموقع الإلكتروني للمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط.

واستهدفت موسكو على مدار العقد الماضي توظيف جملة من الأدوات الأمنية والسياسية تجاه القارة الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب، والتي شكلت بدورها ملامح الاستراتيجية الروسية في أفريقيا القائمة بالأساس على تعميق أطر التعاون الأمني المشترك، حيث سعت روسيا إلى إبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع الدول الأفريقية، آخرها الإعلان عن توقيع اتفاقات للتعاون العسكري مع أكثر من 40 دولة أفريقية، وذلك خلال القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرج منتصف العام الماضي، وأيضاً من خلال القواعد الروسية المنتشرة في بعض الدول الأفريقية، مثل بوركينا فاسو،  ومن خلال صفقات بيع الأسلحة الروسية إلى أفريقيا، والتي شكلت نحو 40% من واردات أفريقيا من نظم الأسلحة الرئيسية في الفترة (2018 – 2022)، متجاوزة واردات الأسلحة من الولايات المتحدة، وأوروبا، والصين.

تسعى روسيا إلى تكثيف حضورها العسكري والسياسي في أفريقيا

وأفضت سلسلة من التحولات على صعيد النخب الحاكمة، جراء انقلابات عسكرية بشكل أساسي، في إقليم الساحل الأفريقي إلى سلسلة من الانسحابات العسكرية للقوات – الفرنسية والأمريكية– من مالي وتشاد وبوركينا فاسو، وأخيراً النيجر. إذ لم يتردد الرئيس النيجري علي ماهامان لامين زين، في اتخاذ قرار بطرد القوات الأمريكية من قواعدها في النيجر، فيما أعلنت الولايات المتحدة بدورها أنها ستستكمل الانسحاب من هناك في سبتمبر القادم، بحسب تقرير للباحثين محمد جمعة ونوف يعقوب السعدي، نُشر في الموقع الإلكتروني لمركز تريندز للبحوث والاستشارات.

وفي الوقت الذي تغادر فيه القوات الفرنسية والأمريكية إقليم الساحل، تحل قوات روسية من “فيلق أفريقيا”- مجموعة فاغنر سابقاً – محلها لتقوم بمهام التأمين ومكافحة الإرهاب وحركات التمرد هناك.

موسكو: مقاربة أمنية مركزية

وبينما تشير المعطيات السابقة إلى تحولات في خرائط النفوذ في الساحل الأفريقي لصالح روسيا، فإنّ التقييم الدقيق لحدود تمدد هذا النفوذ ومدى استمراريته يتطلب نظرة أعمق إلى كلٍّ من مجالات الانخراط والشراكة الروسية مع دول الساحل وغرب أفريقيا، والتحديات التي تواجه الانخراط الأمني والعسكري الروسي مع هذه الدول أو نخبها، والنظر في مدى تماثلها أو اختلافها، مع السمات ذاتِها التي طبعت تجربة الغرب وتسببت في خروجه من هناك.

ويشير الباحثان إلى أنّ لدى روسيا ما بين 1000 إلى 2000 جندي يعملون في جميع أنحاء مالي، لدعم قتال المجلس العسكري في مالي ضد عناصر داعش والقاعدة والمتمردين الانفصاليين من الطوارق.

 

مهام الفيلق الأفريقي في مكافحة الإرهاب بأفريقيا ستشمل عمليات مشتركة وموسعة مع الجيوش الوطنية بالبلدان الخمسة تستهدف معاقل وتمركزات التنظيمات الإرهابية

 

كما نشر “الفيلق الأفريقي” دفعات أولية مكونة من 100 جندي في كل من بوركينافاسو والنيجر في يناير وأبريل 2024. وأعلنت فرقة النيجر عند وصولها عزمها الحلول محلَّ القوات الأمريكية في شمال النيجر ودخلت قاعدة تضم أفراداً عسكريين أمريكيين في البلاد في مايو 2024.

ويشير الإعلان عن فيلق أفريقيا الروسي إلى تبني موسكو مقاربة أمنية مركزية تستهدف في المقام الأول مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، لاسيما بعد الأزمات التي أحاطت بمجموعة “فاجنر” الروسية في أعقاب وفاة قائدها السابق “يفجيني بريجوجين”، وتراجع حجم الدعم المالي واللوجستي للمجموعة؛ فارتأت موسكو على إثر ذلك تشكيل كيان عسكري يخضع لسلطتها بشكل مباشر ويتيح لها في ذات الوقت آليات عمل أمنية مشابهة لتلك التي كانت تحكم إطار عمل مجموعة فاجنر في مجال مكافحة الإرهاب في أفريقيا، كما يؤكد الباحث زكريا.

ويأتي تشكيل الفيلق الأفريقي في ضوء العديد من التطورات المتشابكة التي تتصل بالأوضاع الدولية، والإقليمية، وحتى تلك المتعلقة بالدور الروسي في عمليات المكافحة في أفريقيا؛ فمن ناحية أثار تمرد مجموعة فاجنر منتصف العام الماضي، وما أعقبه من وفاة بريجوجين، العديد من الأزمات التنظيمية التي لحقت بعناصرها المتمركزة في أفريقيا في ظل العقوبات والقيود الروسية التي تم فرضها على قادة المجموعة وبعض أنشطتها. كذلك فقد ألقت موجة الاضطرابات الداخلية في دول الساحل بظلالها على الأوضاع الأمنية هناك، حيث أضحت المنطقة ملاذاً للعديد من التنظيمات الإرهابية، ومسرحاً للمواجهات العسكرية التي تشمل انخراطاً لفاعلين وجهات مختلفة الأهداف والتوجهات.

سباق الحضور والنفوذ

بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل التحولات الدولية المتسارعة الناتجة عن الصراعات وتزايد بؤر الأزمات الدولية، يبرز سباق الحضور والنفوذ بين القوى الكبرى حول المناطق الاستراتيجية بالعالم، ولطالما كانت القارة الأفريقية مسرحاً لذلك التنافس من منطلق أهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية، وترغب روسيا في ذلك السياق إلى البناء على حالة الرفض الشعبي في العديد من الدول الأفريقية للتواجد والنفوذ الأوروبي بها بالإضافة إلى تخارج مهام مكافحة الإرهاب الأممية والغربية من تلك البلاد، من أجل الضلوع بدور أمني أعمق في أفريقيا من بوابة مكافحة الإرهاب. 

القارة الأفريقية مسرح للتنافس من منطلق أهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية

بيد أنّ الكرملين لم يعلن حتى اللحظة عن تشكيل الفيلق بشكل رسمي، إلا أنه منذ أواخر عام 2023 أشارت العديد من التقارير ذات الصلة بالشأن الروسي والأفريقي، إلى أنّ الفيلق الذي سيكتمل تشكيله منتصف العام الجاري، سوف يخضع بشكل مباشر مالياً وتنظيمياً لوزارة الدفاع الروسية، وأنّ نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف، سوف يتولى الإشراف المباشر على الكيان العسكري وعملياته المنظورة في القارة، وذلك بعدما تم إقرار تعديل قانوني سمح للحرس الرئاسي الروسي بالإشراف على التشكيلات التطوعية العسكرية خارج روسيا.

وتشير تقارير إلى أنّ الفيلق الروسي سينشط في بعض الدول، مثل: مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، كما تشير أيضاً إلى أنّ ليبيا قد تصبح مركزاً للقيادة العامة للفيلق؛ انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية لليبيا كونها تقع على البحر المتوسط، وبالتالي ستضمن سهولة الإمدادات العسكرية للفيلق عبر هذه الدول.

 أما بالنسبة لعمليات التجنيد، فتشير بعض المعلومات الواردة في ذلك السياق إلى أنّ الفيلق سوف يضم نحو 40 ألف مقاتل، مع الاعتماد الأساسي على دمج عناصر من مجموعة فاجنر والمجموعات الأمنية الأخرى التابعة لشركات روسية تعمل في أفريقيا، وفتح باب الانضمام لعناصر روسية وأفريقية تتمتع بقدرات وخبرات عسكرية وقتالية.

مهام الفيلق الأفريقي

ويخلص الباحث زياد زكريا إلى أنّ مهام الفيلق الأفريقي في مكافحة الإرهاب بأفريقيا سوف تشمل محورين رئيسيين؛ يرتكز الأول حول القيام بعمليات مشتركة وموسعة مع الجيوش الوطنية بالبلدان الخمسة تستهدف معاقل وتمركزات التنظيمات الإرهابية، وهو ما سيطرح بالتبعية ضرورة زيادة التفاهمات الأمنية والعسكرية بين هذه الدول تحت مظلة الفيلق من أجل تسهيل عبور الإمدادات العسكرية التي ستستخدم في تلك العمليات. بينما يتعلق المحور الثاني بقيام عناصر الفيلق التي سيتم توزيعها على هذه الدول بعمليات نوعية ومركزة بداخلها من أجل ضمان السيطرة على أكبر قدر من المساحات بعد طرد الجماعات الإرهابية التي تسيطر عليها، وبالتالي تطويق مناطق نفوذها، وسيعتمد ذلك المحور على حجم التنسيق الأمني والاستخباراتي بين عناصر الفيلق والأجهزة الأمنية بهذه الدول.

 

الدوائر العسكرية والأمنية الغربية تشير إلى أنّ الوجود العسكري الروسي المتنامي في أفريقيا ربما يمكّن الكرملين من تهديد الغرب وإفشال سياساته

 

من جانبهما يقدر الباحثان محمد جمعة ونوف يعقوب السعدي الاحتمالات المتوقعة نتيجة القواعد الروسية وإمكانية تهديد الغرب، إذ إنّ الدوائر العسكرية والأمنية الغربية تشير إلى أنّ الوجود العسكري الروسي المتنامي في أفريقيا ربما يمكّن الكرملين من تهديد الغرب وإفشال سياساته. 

كما أنّ وجود قاعدة بحرية روسية في ليبيا، من شأنه أن يهدد أوروبا والجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي من خلال المساعدة في دعم النشاط الروسي في البحر الأبيض المتوسط، ​​وربما تمركز قوة روسية دائمة قادرة على تهديد البنية التحتية الحيوية لحلف شمال الأطلسي بضربات صاروخية بعيدة المدى من البحر.

 يضاف إلى ذلك أنّ الانتشار الروسي في قاعدة الطائرات الأمريكية بدون طيار في شمال النيجر (بعد استكمال خروج القوات الأمريكية في سبتمبر) قد يخلق الفرصة لروسيا لتهديد عمليات الناتو في البحر الأبيض المتوسط ​​بنسخ من الطائرة بدون طيار الهجومية شاهد-136 ذات الإنتاج الضخم.

ومن المتوقع أن تستخدم روسيا بصمتها العسكرية المتزايدة على طول طرق المهاجرين الرئيسية عبر الصحراء الكبرى، لتعزيز تدفقات المهاجرين التي تخاطر بزعزعة استقرار أوروبا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية