
شقّت رواية "قناع بلون السماء" طريقها بين (132) عملاً روائيّاً، وفي 14 كانون الأول (ديسمبر) أعلنت لجنة التحكيم تأهلها للقائمة الطويلة ضمن (16) رواية، وبعد شهرين تماماً أعلنت اللجنة تأهلها للقائمة القصيرة مع (5) روايات أخرى، إحداها للكاتب الفلسطيني أيضاً أسامة العيسة، وفي يوم الأحد 28 نيسان (أبريل) 2024 تم اختيارها باعتبارها أفضل رواية نُشرت بين تموز (يوليو) 2022 وحزيران (يونيو) 2023، وتسلمت ناشرة الرواية رنا إدريس، صاحبة دار الآداب، الجائزة بالإنابة عن الكاتب الفلسطيني الأسير بسجون الاحتلال (باسم خندقجي).
عن الأسير الفائز
(باسم خندقجي) روائي فلسطيني ولد في مدينة نابلس عام 1983، درس الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، وكتب القصص القصيرة إلى حين اعتقاله في 2004، وكان يبلغ من العمر (21) عاماً، خضع (خندقجي) لتحقيقات ومحاكمات طويلة قبل أن يصدر بحقه الحكم بالسجن المؤبد (3) مرات وغرامة بمبلغ (42) مليون شيكل، وأكمل تعليمه الجامعي من داخل السجن عن طريق الانتساب إلى جامعة القدس، وكانت رسالته عن الدراسات الإسرائيلية في العلوم السياسية، وأيضاً أكمل كتاباته داخل السجون، وكتب العديد من المقالات الأدبية والسياسية، وعن المرأة الفلسطينية التي ناضلت وضحت في سبيل قضيتها، وعن حركة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، كما كتب العديد من الدواوين الشعرية والروايات؛ أهمها: ديوان "طقوس المرة الأولى" (2010)، وديوان "أنفاس قصيدة ليلية" (2013)، ورواية "نرجس العزلة" (2017)، ورواية "خسوف بدر الدين" (2019)، ورواية "أنفاس امرأة مخذولة" (2020)، ورواية "قناع بلون السماء" (2023).
كيف يمكن لأسير ينقله سجانه من سجن إلى آخر، وينكّل به ويتلف أوراقه وكتبه، أن يكتب روايات طويلة وينجح، ليس فقط في تهريبها إلى خارج السجن، بل في منافسة الكتّاب الطلقاء؟ يقول يوسف خندقجي: إنّ (باسم) كتب رواية "قناع بلون السماء" خلال (6) أشهر فقط، لكنّ بحثه الروائي لها استغرق عدة أعوام في ظروف معقدة وشديدة الصعوبة كان يفقد خلالها الكثير من مادة البحث والمسودات الأولى للرواية. مع ذلك كان ينجح في إعادة الكتابة وإيصالها إلى يد شقيقه عبر سجناء محرَّرين، وفي بعض المرات عبر البريد الإسرائيلي نفسه، ويا لها من إرادة! كل هذا الإنتاج الغزير يكتبه خلال ساعتين في اليوم، "من الخامسة إلى السابعة صباحاً...، قبل أن يتم عدّ الأسرى من قِبل مصلحة السجن وقبل صعود ضوضاء السجّان". هذا ما قاله (باسم) لشقيقه يوسف في إحدى الزيارات التي لا تتجاوز (45) دقيقة في سجن (عوفر).
ردّ الفعل الإسرائيلي
صحيفة (هآرتس) وصفت (باسم) بالـ "إرهابي"، مستنكرة ترشيحه لجائزة أدبية أو فوزه بمبلغ (50) ألف دولار. ولتوسيع دائرة التحريض أشرك الإعلام الإسرائيلي المستوطنين المتطرفين، ناقلاً عن أحدهم قوله: "أسرانا بغزة لا نعرف أين هم، والإرهابي باسم خندقجي يكتب من داخل سجنه"، بينما تساءل آخر: "هل لديه قناة يوتيوب داخل سجنه؟ ماذا يحدث داخل السجن؟".
لم يصمت الإعلام الفلسطيني إزاء هذا التحريض، لكنّ وسائل إعلام عربية قليلة تفاعلت مع خطورته على أسير اختار جانب النضال الأقل إثارة لاهتمام الإعلام، لكنّه من أكثر الجوانب تأثيراً في حفظ الرواية الفلسطينية عبر الأجيال، وعلى امتداد الأبعاد الثلاثة للزمن، تدرك سلطات الاحتلال حجم هذا التأثير وتخاف منه، ويدرك الوسط الثقافي والأدبي في فلسطين والبلدان العربية رهاب سلطات الاحتلال الإسرائيلي من صناعة المعرفة التي تُعرّي جرائمها وتاريخها المزيف. لذلك جاء حدث فوز روايتين فلسطينيتين بالقائمة القصيرة لأبرز جائزة أدبية عربية بمثابة صفعة لإسرائيل، وتلك هي سمة الفنون والآداب في محاربة السلطات الغاشمة.
حمّلت عائلة (باسم خندقجي) سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن سلامته وحياته، وكذلك فعل نادي الأسير الفلسطيني، خاصة بعد فقدان الاتصال بالأسرى والمعتقلين وتعليق زيارات العائلة والمحامين لهم منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. في ذلك الوقت كان (باسم) في سجن (عوفر) غرب رام الله، وهو السجن الذي يسميه السجناء "غوانتانامو"، أو "السجن الأحمر"، بسبب سوء المعاملة وقسوتها فيه.
لون القناع
ليس القناع في هذه الرواية سوى بطاقة الهوية التي عثر عليها شاب فلسطيني مهتم بالتاريخ والآثار في جيب معطف اشتراه من سوق المستعمل في يافا. هوية زرقاء تحمل اسم شاب إسرائيلي من يهود الإشكناز اسمه "أور شابيرا". وهنا يشتغل (خندقجي) على ثيمة "النور" مجدداً. يعني الاسم "أور" "نور" بالعربية، وهو اسم الشاب الفلسطيني (نور الشهدي)، فيستغل تلك البطاقة، إضافة إلى ملامحه القريبة من يهود الإشكناز، في التسجيل بمعهد أولبرايت الإسرائيلي للعلوم الأثرية بهدف التنقيب عن التاريخ الفلسطيني الحقيقي. شخصيات الرواية متخيلة، لكنّ تاريخ فلسطين حقيقي كنور الشمس. يقول يوسف خندقجي في لقاء تلفزيوني: "باسم مُلهم بالتاريخ الفلسطيني القديم والمعاصر"، وقد اعتمد في كتابة هذه الرواية "على قراءاته للأبحاث والدراسات عن التاريخ الفلسطيني، واستند لشهادات بعض الأسرى داخل السجون ومن خارجها وخاصة فلسطينيي الداخل المُحتل، وهنا أذكر المؤرخ الفلسطيني الدكتور جوني منصور الذي مدَّ باسم بالمعلومات عن قرية اللجون وكيبوتس مشعار هعيمق والفيلق الروماني السادس".