رحيل نوال السعداوي بعد عقود من النضال والجدل

رحيل نوال السعداوي بعد عقود من النضال والجدل


21/03/2021

من مفارقات القدر أن ترحل الكاتبة والأديبة المصرية نوال السعداوي اليوم عن عمر يقارب الـ90 عاماً، بالتزامن مع احتفالات عيد الأم التي يُحتفى فيها بدور المرأة في جانب لا يختلف أحد على محوريته، لكنه لا يخلو من الجدل حول حجمه، فهل ولدت المرأة لتصبح أمّاً فقط؟

النظرة التقليدية إلى المرأة والمجتمعات المتخلفة تحصرها في ذلك الركن فقط، تختصر حياة الأنثى في الزواج والوضع والرضاعة ودورة تتفانى فيها داخل كيان الأسرة، لتذوب تماماً ويصعد الآخرون على حطامها، الأبناء يلعبون دوراً ذكورياً بحتاً، والفتيات تطحنهنّ العجلة ذاتها، ويلقين المصير ذاته، وهذا تحديداً ما عاشت الأديبة والكاتبة نوال السعدوي لتدحضه.

 
نوال السعداوي

لماذا أصبحت #نوال_السعداوي واحدة من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في الـ50 عاماً الأخيرة؟

Posted by ‎حفريات‎ on Wednesday, July 18, 2018

لم تنشأ نوال في بيئة مختلفة، ولدت في ثلاثينيات القرن الماضي، في قرية تتزوج فيها الفتيات بمجرّد أن يصلن إلى سن الـ10، وهنّ محض طفلات أو مراهقات على أحسن تقدير، غير أنّ نوال التي وُلدت ثورية بالفطرة، قاومت ذلك المصير، ورفضت أن تتزوج بناء على رغبة عائلتها الكبيرة، وقد ساعدها أم متفتحة بعض الشيء وأب مثقف يعمل موظفاً، وتخرّج في الأزهر، لكنه كان يهوى القراءة والاطلاع.

كتبت السعداوي أوّل رواية لها، بحسب وسائل إعلام مصرية، في سن الـ12 عاماً، وقتها كانت قد دوّنت أول سطر في حياة امرأة رائدة مفكّرة.

 

تقول نوال السعداوي: جريمتي الكبرى أنني امرأة حرّة، في زمن لا يريدون فيه إلّا الجواري والعبيد، ولدتُ بعقل يفكّر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل

ورغم نجاح السعداوي في أن تخرج من بيئة تقليدية بحتة بشخصية مغايرة عن السائد، غير أنها لم تستطع أن تخرج دون خسائر، فقد تعرّضت لعملية الختان وهي في الـ6 من عمرها، ثم كرّست أعوامها اللاحقة، خصوصاً بعدما درست الطب وتخصصت في الطب النفسي، لمواجهة تلك العادة، وحاربتها حتى بات ما تنادي به قانوناً يؤدّي بمخالفه إلى السجن.

ووصفت السعداوي في كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية" تلك التجربة المؤلمة على أرضية الحمّام، وقد وقفت والدتها إلى جوارها.

 ولم تكن نوال من النوع الذي يتأفف أو يمن، كانت تخوض المعارك بنفس راضية، عالمة أنّ من اختار العمل العام لا بدّ أن يدفع الثمن، وقد استمرّت في دفعه حتى النهاية، فهي دائماً محلّ جدل واختلاف، البعض يعدّها نبراساً منيراً وأمّاً للتنويريين، رحلت في عيد الأم احتفاء، وآخرون يرونها "مارقة ملحدة"، تضرب بكلّ ما يؤمن به المجتمع ويرسخه عرض الحائط.

اقرأ أيضاً: أبرز 10 قضايا مثيرة للجدل فجرتها نوال السعداوي

أوّل ثمن دفعته نوال كان بفقد وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها "المرأة والجنس"، الذي هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة المعروف باسم الختان، وقمع النساء.

كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية"

وبعد أعوام قليلة، دفعت ثمناً آخر بالسجن عام 1981 خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب أفكارها، ثمّ خرجت لتختار الحياة في المنفى، حيث عاشت أعواماً في الولايات المتحدة، تتجرّع الغربة نظير حرّية طرح أفكارها.

الثمن الثالث الذي دفعته، إضافة إلى التهديدات والهجوم الذي صاحب مسيرتها، ربما كان في مناشدة بثتها نجلتها عبر موقع "الأهرام"، تطالب فيها بعلاج أمها على نفقة الدولة، وقبل أن تستجيب الدولة كانت نوال قد فارقت الحياة.

لم تكن ترى ضيراً في أن توصف بالملحدة، فقد ارتضت أن تكون صاحبة منهج خاص، البعض يأخذ بعضه ليتفق وجزء ليختلف، والبعض يعدّها مرشدة، وآخرون يرفضون نهجها كله

وغالبية حياة نوال لم تكن على وفاق مع الدولة، أو أيّ مؤسسة رسمية، سواء مؤسسات السياسة أو الدين، كانت ترى في الأزهر مؤسسة رجعية تحول دون تجديد الخطاب الديني، وتفرض السطوة على المجتمع، وكذلك كافة المؤسسات الدينية، وكانت ترى الدين ذاته بنظرة مغايرة، تتمثل في القيم والسلوك لا بالعبادات.

في برنامج "بدون قيود" في العام 2018، صرّحت بأنها لا ترى ضرورة في أن يمارس الشخص العبادات: ليس ضرورياً أن يصلي ويصوم ويذهب لأداء فريضة الحج، المهم هو سلوكه، هل لديه مفهوم واحد للقيم، وهل يسري على الجميع، هل لديه رأي قادر على التصريح به ودفع ثمنه لو دعت الحاجة إلى ذلك.

لذا لم تكن ترى ضيراً في أن توصف بالملحدة، فقد ارتضت أن تكون صاحبة منهج خاص، البعض يأخذ بعضه ليتفق وجزء ليختلف، والبعض يعدّها مرشدة، وآخرون يرفضون نهجها كله.

 تقول نوال السعداوي: "جريمتي الكبرى أنني امرأة حرّة، في زمن لا يريدون فيه إلّا الجواري والعبيد، ولدتُ بعقل يفكّر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل".

كتابها "المرأة والجنس"

وفي موضع آخر قالوا لها: "أنت امرأة متوحشة وخطيرة"، فكتبت قائلة: "أنا أقول الحقيقة، والحقيقة متوحشة وخطيرة".

وفي آخر ظهور لها قبل شهور قليلة من وفاتها، كتبت عبر صفحتها الشخصية: "لقد انتصرت على كلٍّ من الحياة والموت، لأنني لم أعد أرغب في العيش، ولم أعد أخشى الموت".

وقد حصدت نوال كثيراً من الهجوم، ولكنّها نالت بالمقابل قدراً كبيراً من الاحتفاء والتقدير، ففي آذار (مارس) من العام الماضي، اختارتها مجلة "التايم" الأمريكية ضمن أهمّ 100 امرأة في القرن، وحصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا، وفي عام 2005 فازت بجائزة "إينانا" الدولية من بلجيكا، وفي عام 2012 فازت بجائزة "شون ماكبرايد" للسلام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية