أعادت أحداث قرية دمشاو هاشم، بمحافظة المنيا المصرية، مؤخراً، إلى الأذهان ما جرى من حوادث متتالية في المنيا، التي وقع فيها، خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، أكثر من 20 حادثة عنف، واصطدامات طائفية بين المسلمين والأقباط، كان بطلها المتطرفون من الجانبين.
أحداث قرية دمشاو هاشم أعادت إلى الأذهان ما جرى من أحداث طائفية متوالية بمحافظة المنيا
وتعرض الأقباط في قرية دمشاو هاشم، بتاريخ 31 آب (أغسطس) الماضي، لهجوم أثناء أدائهم الصلاة في منزل أحدهم؛ حيث تجمهر عدد كبير من المتطرفين، وحطّموا عدداً من المنازل وسرقوا ممتلكات 4 عائلات مسيحية، ما أدى لوقوع مناوشات بين الجانبين.
غير أنّ الأجهزة الأمنية تمكنت من السيطرة على الأحداث وألقت القبض على ما يزيد عن 20 شخصاً من مثيري الشغب، وأبقت على قواتها بالقرية منعاً لحدوث تداعيات بين الطرفين، وحبست 19 متهماً، وقرر قاضي المعارضات تجديد حبسهم 15 يوماً أخرى، بعد توقعات بهجوم جديد على منازل الأقلية المسيحية في تلك المنطقة.
وقال الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، في فيديو نشرته صفحة (الإيبراشية)، إنّ أحداثاً مشابهة في القرية نفسها وقعت في العام 2005، وإنّ أحداث العنف بين الجانبين في تلك المحافظة البعيدة بصعيد مصر بدأت منذ العام 1976 ولم تنته حتى الآن، والسبب، برأيه، هو الكنائس المغلقة، والمتطرفون الذين أخذوا مكان الدولة، وتحكّموا بأقباط مصر، كما جرى في (عزبة الفرن)، وقرية (بني سلطان)، مضيفاً أنّه "يجب التركيز على التعليم وثقافة الأجيال الجديدة؛ لأنّ الاحتقان موجود منذ عقود، والوضع قابل للاشتعال في أي وقت، والمنيا على هذا الحال منذ سنوات، وقد فشلتْ الحكومات المتعاقبة في حلّ هذه المشكلة بسبب عدم البحث في الجذور".
اقرأ أيضاً: الهجوم على منازل للأقباط في مصر.. هذه هي الدوافع
ووفقاً لبيانات غير رسمية فإنّ الأقباط يمثّلون نحو 30% في محافظة المنيا، وتوجد قرى كاملة مسيحية مثل (دير الملاك)، و(البياضية)، و(دير أبو حنس)، و(دير البارشا) وغيرها، وهي قرى تعيش ازدهاراً اقتصادياً، مما يؤدي إلى وجود احتقان في قرى المسلمين المجاورة، التي تعتبر الأكثر فقراً في الجمهورية المصرية، فضلاً عن ارتفاع معدل المواليد في هذه المحافظة بشكل شبه متوازٍ بين الأقباط والمسلمين.
تاريخ طائفي دامٍ
في العام 1991 وقعت أحداث بمدينة ملوي بسبب بناء كنيسة في منطقة شرق المحطة، وفي العام 2004 وقع هجوم متتالٍ على الأقباط في المدينة، تحديداً في شارع الصاغة، وتم قتل عدد من بائعي المصوغات والذهب، في محاولة لسرقة تلك الأموال، لتمويل الأعمال الإرهابية، التي وقعت بالمحافظة بينهم وبين الشرطة، ولم تنتهِ إلا العام 2001. وفي مدينة أبو قرقاص المجاورة وقعت أحداث عنف، أُحرق بسببها المئات من محال الأقباط التجارية، بسبب اتهام قبطي باغتصاب فتاة مسلمة.
تضم المنيا أكبر طائفة قبطية في مصر والغريب أنّها تتميز بالثراء وسط أكثر بقاع الجمهورية فقراً
وتعرض دير أبو فانا، الخاص بالأقباط الأرثوذكس والواقع في نطاق مركز ملوي أيضاً يوم 9 كانون الثاني (يناير) 2008 لاعتداء مسلح من قرابة 20 شخصاً أسفر عن إتلاف ما يقرب من 8 قلايات (الغرف المخصصة لخلوة رهبان الدير)، كما في يوم 31 أيار (مايو) 2008 تعرض الرهبان المقيمون في الدير ذاته إلى اعتداء مسلح جديد من قرابة 60 شخصاً من البدو المقيمين في قرية (قصر هور) المتاخمة للدير، وقد وقع الصدام بسبب نزاع بدأ منذ عدة أعوام بين رهبان الدير الأثري الذين يقومون باستصلاح الأرض المحيطة به وبين البدو المسلمين المقيمين في القرية المجاورة الذين يعتبرون الأرض ملكاً لهم بوضع اليد.
أما في 24 تموز (يوليو) 2009 فقد هاجم نحو ألفين من مسلمي قرية الحويصلة مبنى تابعاً للمجمع المعمداني المستقل وأشعلوا فيه النيران، وأحرقوا ثلاثة منازل يملكها مسيحيون، فضلاً عن بعض حظائر الماشية، مردّدين هتافات ضد المسيحيين؛ وذلك بعد اكتشاف المسلمين لنية المجمع تحويل المبنى إلى كنيسة بعد تركيب صليبين من الجبس على واجهته.
اقرأ أيضاً: لماذا يستهدف تنظيم داعش أقباط مصر؟
وفي مساء يوم 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2009 وقعت مصادمات طائفية في قرية نزلة البدرمان التابعة لمركز دير مواس بنفس المحافظة، بسبب احتجاج المسلمين علي القيام بتجديد منارة كنيسة مار جرجس بالقرية، وتم تحطيم زجاج الكنيسة ووقعت أضرار ببعض منازل وممتلكات المسيحيين، من بينها خمس سيارات، ومستودع أسمنت، ومنشر خشب، فضلاً عن سرقة محتويات إحدى المركبات.
كما وقعت أحداث مماثلة بقرية الريدة التابعة لمركز المنيا يوم 15 آب (أغسطس) 2009 بعد بناء دار مناسبات قبطية لإجراء مراسم الزواج.
وعقب سقوط نظام الإخوان العام 2013، شهدت المحافظة أحداث عنف ضخمة أدت إلى حرق أغلب كنائس الأقباط بمركز ملوي، وقرية جلدة.
اقرأ أيضاً: خالد منتصر ملاحق قضائياً بسبب رفضه تكفير الأقباط
وكرر عناصر جماعة الإخوان السيناريو 3 مرات، ففي يوم 4 تموز (يوليو) 2013، حاولوا اقتحام الكنائس بقرية جلدة، ما تسبب بمقتل شاب مسلم وإصابة 6 آخرين، وعقب ذلك عاد الهدوء إلى القرية حتى إعلان فض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر، وفي 14 آب (أغسطس) من العام ذاته تم اقتحام كنيسة دير الأنبا إبرام والسيدة العذراء الأثرية، وسرقة محتوياتها، وطالت أعمال النهب حتى الأبواب والشبابيك، وحُرق أكثر من 18 منزلاً بعد سرقتها، وفي يوم 23 من الشهر نفسه تدخلت قوات الجيش والشرطة لإعادة الأمن والاستقرار، لكن أطلق عناصر الجماعة الأعيرة النارية عليها، مما دفع الجيش إلى الاستعانة بطائرات الهيلكوبتر للسيطرة على الموقف.
لماذا المنيا؟
توجد في المنيا أكبر طائفة قبطية على مستوى مصر، والغريب أنها تتميز بالثراء، في وسط أكثر بقعة فقراً على مستوى الجمهورية، كما أن بها قلاعاً وكنائس وأبرشيات، وأديرة على مساحات تتجاوز الآلاف من الأفدنة، وهذا يؤدي دائماً إلى مشاكل متعددة، خاصة في حال التوسع في بناء كنائس أخرى، وتغيير ديموغرافية المحافظة.
يرى المسلمون في المحافظة أن الأقباط يتوسعون في بناء الكنائس، والحكومة تتغاضى عن المنازل التي تتحول فجأة إلى كنائس، بينما يردّ الأقباط أنهم في حاجة إلى افتتاح كنائس مغلقة، وبناء جديدة في القرى البعيدة، ويشكون من العمل بمرسوم "الخط الهياموني" العثماني المنظم لبناء دور العبادة لغير المسلمين في مصر منذ العام 1856، الذي يعتبرونه "جائراً".
يقول مسلمو المنيا إنّ الحكومة تتغاضى عن تحويل المنازل فجأة إلى كنائس وتوسع الأقباط في بنائها
يقول الكاتب إميل أمين، وهو من محافظة المنيا لـ"حفريات" إنّ "المنيا يجتمع فيها ثلاثية الجهل والفقر والتطرف، وما يجري من أحداث طائفية هو شكل من أشكال التنفيس عن المكبوت داخل الأهالي، فالمحافظة بلا تنمية مطلقاً".
والسبب الأهم، برأيه، هو أنّ المنيا أكبر محافظة توجد بها جماعات إسلاموية، "فالجماعة الإسلامية المسلحة تأسست بالمنيا، وكل قياداتها المؤسّسين من محافظة المنيا، كما أن قيادات الإخوان الذين أعادوا تأسيسها في الثمانينيات من هذه المحافظة، فضلاً عن وجود جماعات أخرى مثل التبليغ والدعوة، وجماعة طه السماوي، والشوقيين وغيرها من التنظيمات الأخرى".
من جهته، يقول الكاتب والباحث أحمد الشوربجي الذي ينتمي لهذه المحافظة أيضاً لـ"حفريات" إنّ "الجماعات الإسلاموية هي من تتسبّب دائماً في مثل هذه الأحداث، بسبب التنظيرات التي يطلقونها، مثل حرمة بناء الكنائس، وهذا يحيلنا إلى الأيديولوجيا، التي يجب أن تواجه بتنظيرات وسطية".
أما الكاتب مصطفى حمزة، فقال إن القرى هي الأكثر أحداثاً من المدن بالمحافظة، محيلاً ذلك –بحكم انتمائه إلى المنطقة- إلى الثقافة والتربية في صعيد مصر، فضلاً عن وجود عدد كبير من التنظيمات الدينية، وأضاف في حديثه لـ"حفريات" أنّ وجود الأديرة بهذه المساحة الكبيرة، وشائعات وجود أسلحة بها لمواجهة المسلمين يؤدي دائماً إلى أحداث عنف كل فترة.
اقرأ أيضاً: الأقباط والتوازن الصعب.. من عبد الناصر إلى السيسي
تنبئ مثل هذه الأحداث أنّ الفتنة الطائفية، والمعارك المتوالية بين أقباط مصر ومسلميها في محافظة المنيا البعيدة عن العاصمة، لا تقل خطورة عن جرائم الإرهاب المسلحة في شمال سيناء، وما تزال سلطة القانون بل والمجالس العرفية غير قادرة على حل المشكلة جذرياً، في ظل انتشار الفقر والجوع والبطالة وحواضن التنظيمات الإرهابية، ما يضع الدولة المصرية في اختبار حقيقي لحل هذه التشابكات المعقدة التي ستظل جمرات كامنة تحت الرماد تنتظر من يحركها.