دبلوماسية إيران المفخخة: صناديق إغاثية تحمل السلاح والألغام

دبلوماسية إيران المفخخة: صناديق إغاثية تحمل السلاح والألغام

دبلوماسية إيران المفخخة: صناديق إغاثية تحمل السلاح والألغام


27/04/2023

تمثل عمليات تهريب الأسلحة باستغلال القوافل الإنسانية، أو عبر منظمات المجتمع المدني والدور الإغاثي، نشاطاً تقليدياً تقوم به إيران، كما حدث في أعقاب الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، شباط (فبراير) الماضي. وثمّة سوابق عديدة مماثلة تكشف عن ضلوع طهران في توفير السلاح والدعم العسكري لميليشياتها التي تطوق عدة بلدان في المنطقة بواسطة صناديق الإغاثة.

المعلومات الجديدة التي كشفت عنها، مؤخراً، وكالة "رويترز" للأنباء، بخصوص تهريب السلاح لسوريا من قبل النظام الإيراني عبر طائرات الإغاثة لا تبدو مباغتة أو جديدة؛ إذ إنّ عدة منظمات حقوقية رصدت هذا السلوك المشبوه لطهران، منذ وقوع الزلزال، وقد قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقره لندن، إنّ طهران عمدت إلى نقل أسلحة "متطورة وحساسة" إلى سوريا من خلال حزب الله اللبناني، موضحاً أنّ "قادة حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني كانوا يضعون خططاً لاستغلال الوضع لتهريب معدات عسكرية متطورة إلى سورية".

أذرع إيران والاستراتيجيات الأمنية

وبالتزامن مع حدوث الزلزال عاود تقرير لشبكة "فوكس نيوز" الأمريكية تحذيراته بشأن احتمالية قيام طهران بتهريب السلاح لميلشياتها في سوريا تحت غطاء المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أنّ الشبكة لم تظفر بمعلومات نهائية وقطعية حول مدى نجاح المحاولة من عدمها.

غير أنّ التقرير الحقوقي للمرصد السوري أكد استغلال طهران "تدفق المساعدات الإنسانية لمتضرري الزلازل من الأراضي العراقية إلى مواقعها في دير الزور"، وأنّ "الأمر بدأ بعقد اجتماع قرب مدينة القائم في الأراضي العراقية مساء يوم 6 شباط (فبراير) الماضي عشية الزلزال، ضم قادة من الحرس الثوري الإيراني وقادة آخرين من الميليشيات الإيرانية الموالية لإيران في سورية والعراق، وقادة من حزب الله اللبناني".

نزار جاف: يجب وضع أعمال النظام الإيراني تحت المراقبة الشديدة

وتابع: "الاجتماع تمحور حول وضع خطة مستعجلة بطلب إيراني من أجل القيام بإدخال معدات عسكرية حساسة داخل قوافل الإغاثة البرية إلى الأراضي السورية لصعوبة نقلها عبر الجو، وجرى الاتفاق على أن تقوم الشاحنات الإيرانية بنقل المعدات وإدخالها إلى الأراضي السورية، وعدم تبديلها في العراق كما جرت العادة سابقاً من خلال نقل أيّ معدات أو مواد عسكرية إلى سوريا عبر شاحنات عراقية".

كما أنّ "الأسلحة الأبرز التي احتاجت لهذه الخطة هي طائرات مسيّرة من نوع (فرباد) وروبوتات من نوع (حيدر-1) حملتها شاحنات إلى حلب، وأشرف على تسلمها ونقلها أيضاً كل من حزب الله والأمن العسكري، وسلكت طريقها إلى أطراف مدينة حلب وتحديداً إلى موقع قرب معامل الدفاع ومواقع محصنة، وعادت الشاحنات بعد إفراغ حمولتها برفقة الأمن العسكري، وخرجت من المعبر في اليوم نفسه".

ثمّة سوابق عديدة مماثلة قبل زلزال سورية تكشف عن ضلوع طهران في توفير السلاح والدعم العسكري لميلشياتها التي تطوق عدة بلدان في المنطقة بواسطة صناديق الإغاثة

ووفق وكالة "رويترز"، فإنّ النظام الإيراني اعتمد على الطائرات التي نقلت المساعدات الإنسانية والإغاثية للمدنيين وضحايا الزلزال في نقل الأسلحة لسوريا، بينما نقلت وكالة الأنباء عن 9 مصادر سورية، وإيرانية، وإسرائيلية وغربية، أنّ الهدف من وراء هذه الخطوة يتمثل في تقوية الأسلحة الدفاعية لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية التي تقوم باستهداف وضرب مواقع نفوذ إيران بسوريا.

تطويق المنطقة بألغام "الولي الفقيه"

وقالت المصادر إنّه "بعد زلزال 6 فبراير (شباط) في شمال سوريا وجنوب تركيا، هبطت مئات الرحلات الجوية من إيران في مطارات حلب، ودمشق، واللاذقية في سوريا، واستمرت هذه الرحلات لمدة 7 أسابيع".

لذا، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي العراقي المختص بالشأن الإيراني، نزار جاف،  أنّ تقرير وکالة "رويترز" لا "يبعث على الاستغراب أو التعجب، بل يجب اعتباره أمراً متوقعاً وطبيعياً بينما يجسد الخط والمسار العام للنهج السياسي البراغماتي الإيراني، وبما يتوافق مع رغبته في فرض نفوذه وهيمنته على بلدان المنطقة".

وهذه الممارسات الإيرانية بالمنطقة، تكشف عن "سياسات النظام الديني المؤدلج بإيران، والتي تخدم بالضرورة نهجه السياسي القائم على أساس نظرية ولاية الفقيه، والتي يعتبر بموجبها نفسه مسؤولاً عن العالم الإسلامي، برمته، وكذا عن الدول الخاضعة لنفوذه وهيمنته حالياً"، حسبما يقول جاف.

ويردف: "هذا النظام القائم، في طهران، يواصل توظيفه العامل الديني بهدف تنمية الدور السياسي والعسكري لأذرعه في بلدان المنطقة، وتنشيط خلاياه الميليشياوية في مختلف بلدان العالم حتى يقوموا بتنفيذ مخططاته، مع ملاحظة حرص هذا النظام الشديد على بقاء نشاطاته المشبوهة في السر والتغطية عليها إلى أبعد حد".

ووفق الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، فإنّ استخدام طهران طائرات المساعدات لضحايا الزلزال بغية نقل أسلحة إلى سوريا، يمکن اعتباره أمراً أکثر واقعية قياساً لما کان يفعله في العراق أيام کان زعيم ميليشيات "بدر" هادي العامري، وزيراً للنقل، وقد جعل من الوزارة مؤسسة إيرانية تتولى نقل مختلف الاحتياجات الأمنية والعسكرية واللوجيستية للنظام السوري، بداية من المعدات العسکرية وحتى الوقود. هذا بالاضافة إلى أنّ هذا النظام يقوم باستغلال سفاراته ومراکزه الثقافية والدينية في البلدان التي يتواجد فيها من أجل نقل مواد مماثلة كالأسلحة وغيرها. ولا يستثنى من ذلك سجل الهلال الاحمر الإيراني الحافل بمثل هذه الخروقات".

قاسم دوراني: خطوات طهران بعد الزلزال تؤشر إلى دورها العسكري الخفي

الملاحظة المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، وفق المصدر ذاته، هي أنّه "يجب وضع أعمال النظام الإيراني تحت المراقبة الشديدة وليس أقواله، فقط، أو تصريحات مسؤوليه المعلنة. فما يقوله ويتعهد به مغاير للمارسات العملية والميدانية والتي تنتهك كافة الاتفاقيات الدولية. فيستغل النظام أيّ فرصة متاحة من أجل تحقيق أهدافه، خصوصاً أنّ النظام القائم في إيران هو نظام عسکريتاري تحکمه المؤسسات الأمنية والاستخبارية المتباينة، وكل مؤسسات الدولة تخضع لها".

مصادر استخبارية تكشف دور طهران

وفق وكالة "رويترز" أوضح مصدران محليان ومصدر استخباراتي غربي أنّ "الإمدادات المرسلة من إيران إلى سوريا تشمل معدات اتصالات متطورة، وبطاريات رادار وقطع غيار لازمة للتحديث المزمع لنظام الدفاع الجوي السوري في الحرب الأهلية".

وبعثت الوكالة بأسئلة لعدة مسؤولين، بعضهم في أجهزة استخبارات غربية، وبعضهم الآخر في إيران وإسرائيل، فضلاً عن شخص منشق عن الجيش السوري، وضابط سوري بالخدمة، بهدف الإجابة عن طبيعة الدور الذي قامت به الطائرات التي ورد ذكرها في التقرير.

وأجاب ممثل إيران في الأمم المتحدة بنيويورك بأنّ "هذه المعلومات غير صحيحة".

فيما امتنعت الحكومة في دمشق عن الإجابة.

مدير شبكة "بيان" الفارسية، قاسم دوراني لـ"حفريات": إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس هو أول مسؤول أجنبي يزور منطقة الزلزال قبل زيارة بشار الأسد للمناطق المنكوبة

وقال العميد يوسي كوبر فاسر، الرئيس السابق للبحوث العسكرية الإسرائيلية والمدير العام السابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية، إنّ "الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الشحنات المرسلة من إيران استندت إلى معلومات استخبارية دقيقة للغاية"، بل إنّ "الجيش الإسرائيلي كان يعرف الشاحنات التي يجب استهدافها في قافلة طويلة".

وصرح مسؤول دفاعي إسرائيلي لـ"رويترز"، لم يفصح عن هويته: "تحت ستار إرسال مساعدات لضحايا الزلزال في سوريا، شهدنا نقلًا كبيراً لمعدات عسكرية من إيران، تم نقلها بشكل أساسي على شكل أجزاء"، موضحاً أنّ هذه الرحلات الجوية كانت تصل إلى مطار شمال حلب بسوريا، وتتولى تنظيمها وإدارتها "لواء 18000 التابع لفيلق القدس، والجناح شبه العسكري للحرس الثوري بقيادة حسن مهدي".

وتابع: "النقل البري نفذته وحدة النقل رقم 190 التابعة لفيلق القدس بإشراف بهانم شهريري".

وقال الضابط المنشق عن الجيش السوري: "استهدفت الضربات الإسرائيلية أيضاً اجتماعاً لقادة الميليشيات الإيرانية وشحنات من الرقائق الإلكترونية لتحديث أنظمة الأسلحة".

وتحدث مصدر  مقرب من المرشد الإيراني، علي خامنئي: "الزلزال كان كارثة مأساوية، لكنها في الوقت نفسه مكنتنا من مساعدة إخواننا السوريين على محاربة أعدائهم. وتم إرسال شحنات الأسلحة على الفور إلى سوريا".

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول مدير شبكة "بيان" الفارسية، قاسم دوراني، إنّ ما ذكرته "رويترز" يطابق الحقيقة على نحو لافت، بل إنّ خطوات طهران بعد الزلزال تؤشر إلى الدور العسكري الخفي الذي وظف الحادث الإنساني المدمر لحساباته الاستراتيجية والأمنية، موضحاً أنّ إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري هو "أول مسؤول أجنبي يزور المنطقة حتى قبل أيام قليلة من زيارة بشار الأسد للمناطق المنكوبة بالزلزال".

ويؤكد دوراني أنّه في السنوات الـ 12 من عمر الثورة السورية، واصلت "الجمهورية الإسلامية" دورها في دعم "الأسد" إلى جانب القوات الروسية من خلال الغطاء الإنساني، الأمر الذي امتد لليمن حيث كان يتم نقل السلاح والمعدات العسكرية والألغام في صناديق تحمل شعار الأمم المتحدة.

مواضيع ذات صلة:

اقتصاديات الحرس الثوري تفاقم الأزمات بين أجنحة النظام الإيراني

"اتفاق مؤقت" لإنقاذ مفاوضات فيينا: إيران تشتري الوقت وتخصّب

اليمن: تخادم الحوثي والقاعدة برعاية إيرانية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية