داعش يسعى لاستكمال هلاله وسط أفريقيا

داعش يسعى لاستكمال هلاله وسط أفريقيا

داعش يسعى لاستكمال هلاله وسط أفريقيا


19/08/2024

هشام النجار

أكد تنظيم داعش مجددًا على نهجه الدموي في الكونغو الديمقراطية بهجوم نوعي في العاشر من أغسطس الجاري في منطقة “بيني” شرقي البلاد، خلف عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، في طريقه لتكريس حضوره كقوة إرهابية مُرعبة تتوسع بلا رادع في الإقليم، انطلاقًا من الكونغو وموزمبيق وتنزانيا، فضلًا عن خططه بشأن التوسع في أوغندا.

ويريد فرع داعش في الكونغو الديمقراطية تثبيت نفسه كمركز انطلاق وتمدد باتجاه دول عديدة في الإقليم لتأسيس خلافة مصغرة على هيئة هلال داعشي في منطقة إستراتيجية غنية بالثروات عبر انتهاج ذروة الوحشية بحق المدنيين والمختلفين في العقيدة، وتنفيذ عمليات تُظهر ضعف الدولة وأجهزتها الأمنية وعجزها عن التصدي له، ما جعله إلى الآن أخطر فروع داعش بأفريقيا إلى جانب فرعه في غرب القارة.

وتُعد الكونغو الديمقراطية فعليًا هي الثقل التنظيمي والحركي والدعائي لداعش بوسط أفريقيا ومنها ينطلق عبر المناطق الحدودية الرخوة للتمدد بشكل أكثر كثافة في موزمبيق مرورًا بتنزانيا وانتهاءً بأوغندا، مشكلًا خطوطًا واضحة لخريطة هلاله المأمول، معتمدًا على وجود مواطنين من غالبية هذه الدول داخل هيكله التنظيمي.

وسبق هجوم داعش في منطقة بيني شرقي الكونغو، والذي أعقبه حرق عدد من المنازل وخلف نحو عشرين قتيلًا وعشرات الجرحى والمفقودين، استهدافه في يونيو الماضي مدرسة بالقرب من الحدود مع أوغندا، حيث قتل عشرات الطلاب بحرقهم وضربهم حتى الموت، وقبلها كرر تنفيذ هجمات مُروعة خاصة في مقاطعات نورث كيفو وإيتوري شرقي البلاد.

ولم تقتصر هجمات فرع داعش في الكونغو(القوات الديمقراطية المتحالفة) على المدنيين خاصة المسيحيين، حيث تكرر اقتحام فرع التنظيم في الكونغو لعدد من السجون خاصة بمنطقة بيني شرقي البلاد محررًا العشرات من عناصره، علاوة على هجمات أخرى نوعية ومعقدة ضد أهداف عسكرية وأمنية في كل من الكونغو وأوغندا.

وينفذ داعش نفس الخطط التي يطبقها بمركز انطلاقه بوسط أفريقيا في الكونغو داخل الدول المستهدفة بالتمدد مشكلًا خلافته المصغرة على هيئة هلال داعشي، وهو ما تؤكده طبيعة العمليات ومكانها وتوقيتاتها في كل من تنزانيا وموزمبيق وأوغندا.

وكرر فرع داعش في وسط أفريقيا تنفيذ عمليات مماثلة في تنزانيا تستهدف المناطق الغنية بالثروات والمناطق الحدودية وتمعن في استخدام القسوة ضد المدنيين وتظهر القوات الحكومية ضعيفة وعاجزة حيال ممارساتها، بالنظر إلى أن تنزانيا هي حلقة الوصل جغرافيًا التي تربط بين شرق الكونغو الديمقراطية وشمال موزمبيق الغني بالغاز.

وفضلا عن تشبيك فرع داعش في وسط أفريقيا روابط تنظيمية وحركية بين مجموعته في كابو ديلغادو شمالي موزمبيق وجماعة تحالف القوى الديمقراطية (فرع داعش بالكونغو) وهو ما أشار إليه أحد تقارير خبراء الأمم المتحدة بالقول إن ينفذ داعش بموزمبيق نفس سياساته عبر الاستهداف المزدوج للقوات الحكومية والمدنية، والتركيز على مصادر الطاقة كما جرى عندما سيطر على مدينة بالما بدايات العام 2021، وتبعد كيلومترات قليلة عن مشروع غاز عملاق تديره إحدى الشركات الفرنسية.

ونفذ داعش في أوغندا نفس التكتيكات مستغلًا الهشاشة الحدودية للانتقال وشن هجمات وحشية مماثلة داخل الحدود الأوغندية، ما وضح في تفاصيل هجومه على مدرسة (لوبيريها) الثانوية في مقاطعة مبوندوي في يونيو العام الماضي، حيث لاحق من لم يقتلن من الفتيات بالمناجل وهن يحاولن الفرار وأجهز على العشرات منهن.

ويركز تنظيم داعش بوسط أفريقيا على مناطق الثروات الأوغندية، حيث اعتاد عناصره نهب المحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية، كما كرر شن هجمات على إقليم إيتوري الغني بالذهب والنفط الواقع على الحدود مع شرق الكونغو.

ولا يكتفي داعش في وسط أفريقيا باستخدام الوحشية المفرطة، ناهيك عن ارتكاب جرائم العنف الجنسي بحق المدنيين والأطفال في سبيل مضاعفة مساحات سيطرته وترسيخ هيمنته وتنفيذ مشروعه التوسعي، إذ يراوح بين الوسائل والأدوات بهدف غسيل السمعة وحتى لا يتهمه خصومه ومنافسوه بكونه مجرد عصابة إجرامية ترتكب أبشع الجرائم وأنه ليس أكثر من مافيا مسلحة هدفها المنافسة على حيازة الثروة بطرق غير مشروعة.

ويزعم داعش عبر منافذه الإعلامية خاصة مجلته الأسبوعية (النبأ) أنه هو من يتصدى ممثلًا للمسلمين لما يصفه بالحملات الصليبية في أفريقيا التي تقودها بعض دول المنطقة، وكي يبرر هجماته في أوغندا روج لروايات جهادية ضد المطامع المسيحية التي تصبغ التدخل الأوغندي في الصومال.

وبجانب الترويج لمقاطع فيديو تصور عمليات الذبح وحرق المنازل والكنائس وحرق القرى التي يقطنها المواطنون المسيحيون وقطع الرؤوس والممارسات البشعة بحق المدنيين والجنود بهدف زرع الرعب في القلوب، يروج داعش في الكونغو وبمناطق تمدده بوسط أفريقيا أنه الجهة الوحيدة المدافعة عن الإسلام وعن عقيدته النقية، مستخدمًا دعاية مزدوجة لإجبار وترغيب أكبر عدد ممكن في مبايعته والانضواء ضمن صفوفه.

ولم تعد ولاية وسط أفريقيا التابعة لداعش على ضوء هذه التطورات مجرد فرع محلي صنفته الولايات المتحدة في مارس 2021 منظمة إرهابية بقيادة زعيمه سيكا موسى بالوكا، حيث طور من نفسه متخذًا من فرع القوي بالكونغو ركيزة لتمدده بدول الجوار الإقليمي خاصة تنزانيا وموزمبيق وأوغندا، محرزًا توسعًا لافتًا في وسط وجنوب وغرب أفريقيا.

ويهدد هذا النشاط النوعي الذي يرتكز على إستراتيجية متعددة الأوجه والوسائل منطقة أعالي النيل في البحيرات العظمى والجنوب الأفريقي التي تتنافس عليها العديد من القوى، كما يؤثر على البلاد الساحلية في خليج غينيا، ويمضي بخطط التنظيم المتعلقة بتشكيل هلاله في وسط أفريقيا شاملًا التمركز بمناطق إستراتيجية بموزمبيق وتنزانيا والكونغو الديمقراطية وأوغندا باتجاه التشكل والتنفيذ.

وتهدد هذه التفاعلات المتصاعدة والمصحوبة بوحشية مفرطة وبتوسع إقليمي مشروعات التنمية والتعاون الاقتصادي الغربي في إقليم البحيرات العظمى، في مجالات الطاقة والتعدين والبنية التحتية، ما يرجح اندلاع صراع مفتوح قد يصل إلى بوروندي الداعمة للكونغو.

ويسهم تدخل وتمدد داعش بهذا الشكل داخليًا في هشاشة الكونغو وهي الفاعل الرئيسي في الجزء الشرقي من البلاد، بالنظر إلى تركيز الحكومة على الردود العسكرية مع تجاهل الحلول الشاملة المتعلقة بالشفافية وتوسيع التمثيل الشعبي ومحاسبة المسؤولين، ما يكرس السلطوية ويضعف قدرات الدولة ويجعلها عاجزة عن تبني برامج منجزة لمكافحة الإرهاب، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على أوغندا وموزمبيق وتنزانيا.

ويعني تثبيت داعش نفوذه داخل الكونغو عبر تطبيق نظرية الصدمة والرعب التي استخدمها في بدايات توسعه في العراق وسوريا، تنافسه على التحكم في ثروات وموارد طبيعية مهمة بشرق البلاد، وهي منطقة غنية بمعادن وموارد نادرة مثل اليورانيوم والكولتان المستخدم في صناعة المفاعلات النووية ومحركات الطائرات والصواريخ، حيث تمتلك الكونغو نحو ثمانين في المئة من الاحتياطات العالمية له، بالإضافة إلى رواسب الليثيوم ومنتج الكوبالت وهو المكون الرئيسي في السيارات الكهربائية.

وترتكز خطط داعش للهيمنة على جزء كبير من هذه الثروات التي تدر أرباحًا طائلة وتتنافس عليها القوى الغربية والصين على الدفع باتجاه تغذية الصراعات الطائفية والأحقاد العرقية والسخط في أوساط الفقراء حيث يعيش أكثر من سبعين في المئة من الكونغوليين في فقر مدقع.

ويزيد تنفيذ هذه الخطط حصيلة فرع داعش في الكونغو البشرية من المجندين والمنضوين تحت لوائه بوصفه مدافعًا مزعومًا عن الحقوق والثروات في مواجهة القوى الأجنبية الطامعة، وتنخفض عمليات التعدين الرسمي بإشراف خارجي، ويزيد نشاط الاحتيال الجمركي والتهريب عبر الحدود وهو ما يضاعف من حصيلة داعش المالية.

ويقدم فرع داعش بالكونغو أو ما يُعرف بالقوات الديمقراطية المتحالفة عبر تحقيق نفوذ متصاعد ومضاعفة ثرواته وزيادة أعداد منتسبيه وفرض نفسه باستخدام أقصى مستويات الوحشية والدموية كرقم مهم في سياق الحرب بالوكالة في منطقة البحيرات العظمى، بجانب حركة 23 مارس المتمردة التي تستهدف أيضًا مؤسسات الدولة وتهدف إلى الاستحواذ على مساحات كبيرة من الأراضي بمقاطعة شمال كيفو منذ نهاية العام 2021، كما تُتهم بارتباطها مع بعض دول الجوار الإقليمي.

وأفاد فرع داعش في الكونغو التنافس الجيوسياسي الحاد بين الكونغو ودول الجوار مثل أوغندا ورواندا، على حيازة النفوذ والمكانة الإقليمييْن وتحقيق أقصى استفادة من الثروات المعدنية والموارد الطبيعية النادرة.

وحصلت انتعاشة للحرب بالوكالة عبر توظيف قوى معارضة متطرفة مثل داعش أو انفصالية مثل (حركة 23 مارس)، نظرًا للدوافع العرقية والتداخل الإثني لشرق الكونغو الغني بالموارد النادرة مع كل من رواندا وبوروندي وأوغندا.

وفيما تتهم الكونغو دول جوارها بدعم جماعات تكفيرية وفصائل معارضة تستغل حالة الفراغ الأمني بالمنطقة الجبلية كثيفة الغابات حيث تلتقي حدود الكونغو الديمقراطية وأوغندا ورواندا، تتهمها دول الجوار الإقليمي بدعم جماعات معارضة لها، مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا الناشطة في شرق الكونغو.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية