يمثل لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، خطوة استباقية لأيّ سيناريو محتمل بخصوص إحياء "خطة العمل المشتركة"، الأمر الذي تحذّر منه إسرائيل، وترى ضرورة إجراء عدة خطوات متشددة، أو بالأحرى تحالفات إقليمية بمشاركة واشنطن لـ"ردع" تهديدات ميليشيات الحرس الثوري الإيراني بالمنطقة، والمتوقع أن تزداد خطورة بعد توقيع الاتفاق النووي.
هل تنتهي خلافات واشنطن وتل أبيب بخصوص إيران؟
وفي اللقاء الذي جمع وزير الدفاع الإسرائيلي بمستشار الأمن القومي الأمريكي، أكّد الأول استمرار معارضة بلاده لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، بل طالب غانتس بضرورة إيجاد حلول قصوى لمواجهة التهديدات الإيرانية بالمنطقة، ومنها تعزيز القدرات العملياتية الهجومية والدفاعية ضدّ المشروع النووي، مشدداً على أنّ "تحالفاً عسكرياً" ضدّ إيران سوف يضطرها إلى أن تكون أكثر مرونة.
وبحسب بيان وزارة الأمن الإسرائيلية؛ فإنّ وزير الدفاع الإسرائيلي خلال لقاء سوليفان "أبرز أهمية الحفاظ على القدرات العملية وتطويرها من أجل أهداف هجومية ودفاعية في وجه برنامج إيران النووي وعدوانها الإقليمي"، وتابع: "هذا بغضّ النظر عن مناقشة محيطة بالاتفاق".
ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤولين في الولايات المتحدة تأكيداتهم بشأن "الالتزام الأمريكي بضمان عدم حيازة إيران مطلقاً لسلاح نووي، والحاجة إلى مواجهة تهديدات إيران ووكلائها".
كما أوضح بيان صادر عن البيت الأبيض، أنّ مستشار الأمن القومي الأمريكي أكد لوزير الدفاع الإسرائيلي "التزام الرئيس الأمريكي جو بايدن الراسخ بأمن إسرائيل"، وأكّد البيت الأبيض على "وجهات النظر المشتركة حول سبل تعميق الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك من خلال التعاون والتنسيق الإقليميين".
وتابع البيان: "ناقش الجانبان التزام الولايات المتحدة بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي، والحاجة إلى مواجهة التهديدات من إيران ووكلائها"، وقال البيت الأبيض: "ناقش الاثنان أيضاً الحاجة إلى ضمان تدابير متساوية للأمن والحرية والازدهار للفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء".
لكنّ التقارير الإسرائيلية الصحفية ألمحت إلى أنّ غانتس يرفض الاتفاق النووي برمّته، وشدّد على أنّ إسرائيل سوف تحافظ على حريتها في التصرف ضدّ إيران، بما يعني عدم التزامها بما سوف تقرره عملية إحياء اتفاق 2015.
مجرد لقاء استعراضي
وإزاء هذه المواقف المعقدة والملتبسة، يرى المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، ميار شحادة، أنّ اللقاء بين غانتس وسوليفان، على ما يبدو، كان لقاءً شكلياً بل و"استعراضياً"، على حد توصيفه، لافتاً في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ إسرائيل تعبّر في هذه اللقاءات المتكررة عن "امتعاضها من الاتفاق كما أنّ اسرائيل لن تلتزم بالاتفاق، ما يعني أنّها ستضرب أيّ خطر إيراني يواجهها".
ويرجّح شحادة أنّ غانتس كان يريد استعراض قوة تصريحاته في هذا اللقاء الذي جمعه ومستشار الأمن القومي الأمريكي، خاصة مع اقتراب الانتخابات القادمة في إسرائيل ومواجهة الهجمة الشرسة من بنيامين نتنياهو".
في اللقاء الذي جمع وزير الدفاع الإسرائيلي بمستشار الأمن القومي الأمريكي، أكّد الأول على استمرار معارضة بلاده لإحياء الاتفاق النووي، وطالب بضرورة إيجاد حلول قصوى لمواجهة التهديدات الإيرانية
وبينما عاود سوليفان تكرار الوعود الأمريكية السابقة ذاتها بالحفاظ على أمن إسرائيل؛ فإنّ إسرائيل ترسم سيناريو آخر مختلف يرتبط بما بعد إيران النووية، وفق المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، والذي يؤكّد على أنّ طهران لن تتعجل في الإعلان عن امتلاك قنبلة نووية، الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبية لا يتحملها نظام الملالي، سواء من ناحية الضغوط الدولية، أو حتى المحلية والتي سوف تطالبه على الفور بحلّ أزمات البنية التحتية، ومنها معالجة مشكلات المياه في بعض المناطق، وكذا الكهرباء، ناهيك عن إنهاء معضلة البطالة وغيرها من المطالب الفئوية.
لذلك؛ فإنّ طهران سوف تماطل فيما يخص مسألة رفع نسب التخصيب، كما أنّ إسرائيل لن تتوانى عن ضرب الأهداف الإيرانية التي ستهددها في سوريا أو لبنان، بحسب المصدر ذاته، والذي يرى أنّ الزيارة تكمن أهميتها أو بالأحرى فائدتها في "البحث عن على خطة وآليات عمل لما بعد امتلاك إيران للسلاح النووي".
ضرورة عدم انهيار المفاوضات
وإلى ذلك، يقول الدكتور محمد الزغول، الباحث المتخصص بالشأن الإيراني؛ إنّه من "المرجّح أن أيّاً من الأطراف المشارِكة في المفاوضات النووية، لا يريد الوصول إلى هذا السيناريو (انهيار الاتفاق)، لكنّ الطرفَين الرئيسَين فيها (الولايات المتحدة وإيران) يلوّحان به بين الحين والآخر، وأثبتت تجربة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، أنّه لا يمكن استبعاد هذا السيناريو كليّاً".
ويتابع في مقاله المعنون بـ "ما بعد عتبة الاتفاق النووي: خريطة الاحتمالات إيرانياً وغربياً" على منصة مركز الإمارات للسياسات: "يمكن حصول هذا السيناريو عبر مسارين أساسيين: المسار الأول؛ أن تُعلن الإدارة الأمريكية أو الحكومة الإيرانية إخفاق المفاوضات؛ ما يعني العودة إلى نظام العقوبات، واستمرار العمل بالخطوات التصعيدية النووية الإيرانية. لكنّ الظروف مختلفة عمّا كان عليه الحال في عام 2018؛ إذ سيحظى القرار الأمريكي هذه المرّة بدعم من الثلاثي الأوروبي، كما تبدو الأسواق الأوروبية أكثر حاجة إلى صادرات الطاقة الإيرانية".
أما المسار الثاني، وفق الزغول، فيكون عبر تفعيل أيّ من الأطراف "آلية الزناد"، لإعادة العقوبات الدولية على إيران، ووضع طهران تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا المسار ألمحت إليه أطراف أوروبية أكثر من مرة، ويتوقع محللون حدوثه غداة اجتماع أيلول (سبتمبر) المقبل لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ما قد يضع النظام الإيراني في مأزق يقضي على الحدّ الأدنى من مبيعاته النفطية، ويُثخن جراح الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها أساساً. لكنّ تداعيات السيناريو الاقتصادية، وأثره على أسعار الطاقة، إلى جانب المخاوف من تحرك طهران نحو صنع القنبلة النووية، قد يمنع كل الأطراف، كما منعها حتى الآن، من إعلان موت الاتفاق النووي.
الباحث في العلوم السياسية، عبد السلام القصاص لـ "حفريات": إسرائيل ستواصل الضغط على بايدن الذي لا يملك أيّة تصورات متشدّدة حيال اقتراب إيران من "العتبة النووية"
وفي حديثه لـ "حفريات"، يرى الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص؛ أنّ إسرائيل ستواصل الضغط على إدارة بايدن، التي على ما يبدو لا تملك أيّة تصورات متشدّدة حيال اقتراب إيران من "العتبة النووية"، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة، في هذه الفترة، لا تملك سوى مقاربة واحدة وهي إحياء "خطة العمل المشتركة" من خلال الخيارات الدبلوماسية دون ضمانات أخرى تتصل بالتهديدات التي تشكلها وكلاء إيران في المنطقة، أو حتى عسكرة البرنامج النووي، وإمكانية الحصول على القنبلة النووية.
ووفق القصاص، فإنّ تل أبيب سوف تتحرك على مستوى آخر من خلال دعم الولايات المتحدة لتحقيق تحالف مع دول المنطقة بهدف "ردع" الميلشيات الإيرانية، ومواجهة نفوذ إيران السياسي والعسكري.