خامنئي.. الإمام المرشد والولي الذي أحرق وجفّف ولم يتق

خامنئي.. الإمام المرشد والولي الذي أحرق وجفّف ولم يتق


26/07/2021

علي الصراف

اسمه علي خامنئي. وهو “الإمام” و”المرشد” و”الولي التقي” لجمهورية المذهب الصفوي. يواجه الآن انتفاضة جديدة، تندلع في الأحواز، ويحاول أن يغلب بالنفاق ما لم يقدر عليه بالقمع الوحشي. وهو أكبر القتلة، ودليلهم إلى أعمال الإبادة الجماعية. هو الذي عندما يؤشر بإصبعه، يموت الآلاف في ليلة واحدة، كما حدث في نوفمبر 2019. ولكنه يجرّب الآن وسائل أخرى.

والنفاق جزء من الطبيعة الباطنية للمذهب. ويدعى “تقيّة”. والتقيّة هي الكذب بغرض النجاة بالنفس. إلا أنها، بحكم العادة، تحولت إلى كذب فقط. وهو ما يمارسه أتباع المذهب، كلما تنفسوا.

“علي أكبر منافقي” هذا، خشي من تصاعد موجة الاحتجاجات في الأحواز ضد نظامه، فقال إنه “لا يمكن إلقاء اللوم على الإيرانيين الذين يحتجون على نقص المياه في جنوب غرب البلاد”. وزاد على ذلك بالقول “الشعب في خوزستان كان في واجهة المشاكل طوال الحرب التي فرضت على إيران، وأنا شهدت بنفسي كيف وقف هذا الشعب بوفاء تام وأرسل شبابه ورجاله ونساءه لجبهات القتال. هذا الشعب الوفي والمحب لا يجب أن يواجه هذه المشكلات”.

هو إذن، شاهدٌ بنفسه. ولكن كيف كافأ نظامه هذا “الشعب الوفي” على امتداد أكثر من أربعين عاما؟ وهل مشكلة المياه هي مجرد “تقصير” حكومي أم أنها سياسات “أرض محروقة” يتم تنفيذها على نحو منهجي؟ وهل اقتصرت المظالم على تجريف الأراضي وقطع الأنهار ونهب الثروات؟ أم أنها امتدت إلى استضعاف المستضعفين والتمييز العنصري ضدهم؟

الأحواز هي عاصمة إقليم عربستان (أو خوزستان). ويبلغ تعداد مواطنيه نحو 8 ملايين نسمة. نسبة كبيرة منهم عرب من أصول عشائرية معروفة لم تفلح فيهم مناهج التشييع الصفوية. وتشكل الثروات الطبيعية في هذا الإقليم 80 في المئة من مجموع ثروات الطبيعية في إيران. بما يسمح بالقول إنه هو مصدر الثروة الأكثر أهمية بالنسبة إلى البلاد. ولكن في المقابل، فقد ظل أكثر من 50 في المئة من مواطنيه يعيشون تحت خط الفقر. وتبلغ معدلات البطالة أكثر من 45 في المئة من بين القادرين على العمل من الشباب، ومن يجد عملا بينهم، فإنه يعمل بـ“عقود بيضاء” أي من دون حقوق قانونية ويمكن طرده في أيّ وقت.

ومواطنوه يُحرمون من العمل في المواقع التي تتصل بمصادر الثروة في حقول النفط والغاز والمنشآت التابعة لها. فهذه من المحرمات التي لا يمكن اختراقها ولا حتى بشهادات ولاء استثنائية وتزكيات مخابراتية. وإزاء هذا الواقع، فقد بقي معظم السكان يعيشون على زراعة حقولهم وبساتينهم، حتى جاءت سياسة الأرض المحروقة التي قصدت تحقيق هدف واحد: تهجير السكان العرب وإحلال مواطنين فرس محلّهم.

اليوم قد يقول علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي للنظام إن “الشعور بالتمييز أكثر إيلاما من الجفاف وشح المياه”. ولكن إذا كان التمييز ظلما عشوائيا، طابعه الحقد العميم ضد العرب والسنة أكثر من غيرهم، فإن التجفيف ظلم منهجي ومدروس.

يضم إقليم خوزستان خمسة أنهار، هي “كارون”، الذي كان أطول نهر في إيران وأكثرها غنى بالمياه، و“كرخة”، و“دز” و“جراحي”، و”شاوور”. هذه الأنهار كانت تصل بمياهها إلى ضفاف الخليج، ولكنها تحولت إلى أشباح بما صارت تعانيه من جفاف حوّلها بركا شحيحة. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى عشرات السدود التي قصدت نقل المياه إلى مناطق أخرى، وخاصة إلى محافظتي يزد وكرمان في وسط وشرق إيران، وهو ما أدى إلى تدمير حقول الزراعة والبساتين والثروة الحيوانية في خوزستان، وذلك من قبل أن ينتهي الأمر إلى نقص مياه الشرب.

ولقد أقيم 24 سدا على نهر كارون، حتى صارت مياه الصرف الصحي هي التي تغمر امتداده في الإقليم، ولم تعد مياهه صالحة للشرب. وبالرغم من أنه كان نهرا للملاحة يطل على الخليج العربي فقد صارت مياه البحر المالحة هي التي تغمر نهاياته. وهو ما أدى إلى تدمير بساتين عبادان وخرمشهر وأروند كنار وغيرها.

بكل بساطة، لقد تم إعدام نهر كارون بتلك السدود، كما يتم إعدام الآلاف سنويا بحبال المشانق.

وتعرض نهرا “كرخة” و”دز” إلى ضغوط مماثلة حتى تناقصت كميات المياه الواردة منهما، بعد أن ظلا مصدر مياه الشرب الرئيسيين. إذ تم بناء 34 سدا في السنوات الثماني الماضية على نهر الكرخة، وكان من أكبر النتائج الكارثية لهذا العمل، إبادة “هور العظيم” والأراضي الزراعية الأخرى على طول النهر. وبات مزارعو الأرز أحد أكبر الضحايا. خاصة وأن “مراقبي الحكومة لا يسمحون بتدفق الماء إلى القنوات الخارجة من سدي دز والكرخة”. وهناك اليوم أكثر من 700 قرية لا يصلها الماء.

أبعد من ذلك، فقد اغتصبت حكومة الولي الفقيه أكثر من 450 ألف هكتار من الأراضي الزراعية العائدة للسكان العرب ووزعتها مجانا على المستوطنين الفرس.

التمييز، وجه آخر للتجفيف، ومن بعض أشكاله “منع الأهالي من تسمية أبنائهم بأسماء عربية تاريخية – ماعدا الأسماء المتداولة بين أتباع المذهب الشيعي – وحرمانهم من التعليم والدراسة بلغتهم العربية في المدارس والمؤسسات التعليمية الرسمية”، ومن نتائجه تفشي الأمية وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات أعلى بكثير من مستويات البطالة في عموم البلاد.

ولا يحظى مواطنو خوزستان العرب بأيّ فرص لاحتلال مناصب رئيسية، لا في الإقليم ولا في غيره من مؤسسات البلاد. ولئن كان هناك عدد قليل ممن أفلتوا من التمييز، فقد تكفلت حكومة محمود أحمدي نجاد بإزاحتهم من مناصبهم.

وبالرغم من أن الإقليم يوفر 80 في المئة من عائد الثروة من النفط والغاز والبتروكيمياويات لإيران، فقد رفض برلمان الولي الفقيه لأربع دورات مقترحات لتخصيص 1.5 في المئة من هذه الموارد لمشاريع الإعمار في الأحواز.

دع عنك الإعدامات التي تطال كل الإيرانيين، ودع عنك أن نصيب الأحوازيين منها أعلى من غيرهم، فقد يراود المرء الاعتقاد، بأن الاعتقالات العشوائية والمحاكمات التعسفية وأعمال التعذيب وقضاء سنوات طويلة في سجون يغمرها القهر، هي أقصى ما يمكن أن يقع للمرء من مظالم. وإنه ما بعد هذا الظلم ظلم. إلا حيال الأحوازيين. فهؤلاء هم وحدهم الذين يمكن أن يُظلموا ويُزاد على ظلمهم ظلما.

في مطلع مارس 2020، وعندما اجتاحت موجة وباء كورونا السجون الإيرانية، تم إطلاق سراح 85 ألف سجين، بسبب الظروف المرعبة التي يعيشها السجناء في غرف مكتظة وتفتقر إلى أدنى المقومات الإنسانية. وحيثما انتظر أهالي الأحواز عودة أبنائهم من السجون، فقد كانت النتيجة هي أن أحدا منهم لم يُطلق سراحه.

وعندما انتفض السجناء المعتقلون في سجون الإقليم في “شيبان” و“سبيدار” و“عبادان” في الـ30 والـ31 من مارس من ذلك العام، فقد تعمدت قوات الحرس إطلاق النار عليهم بزعم أنهم حاولوا الهروب مما أدى إلى مقتل العشرات منهم.

هل تذكر الآن، ما قاله ذلك الذي قال “أنا شهدت بنفسي”؟ هل ترى كيف كان نظامه يعامل “هذا الشعب الوفي”؟

إنه علي أكبر منافقي. وهو يعرف أكثر من غيره أن هذا الشعب الوفي لنفسه ولأصوله، يدعو له بالموت، ويريد سقوط جمهورية الإمام والمرشد والولي التقي. ليس لأنه يُميّز ويقتل ويحرق ويجفف، بل لأنه لا يتقي.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية