
استعدادات مكثفة تشهدها تونس، تحضيرا لانطلاق ماراثون الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراء جولتها الأولى في 6 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، حيث تتسارع الحركات السياسية والاتصال الشعبي والتعاطي مع وسائل الإعلام، فيما تترقب الأوساط السياسية والشعبية بدء السباق.
والانتخابات الرئاسية المقبلة هي الـ12 في تاريخ تونس، والثالثة بعد 2011، التي سينتخب فيها رئيس الجمهورية الثامن في تاريخ البلاد لولاية مدتها خمس سنوات، والرئيس قيس سعيد هو سابع رئيس للجمهورية التونسية منذ إعلان الجمهورية في تونس في الـ25 من يوليو 1957.
وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن قبول 3 مرشحين من أصل 17 مرشحاً بصفة أولية، وهم الرئيس الحالي قيس سعيد، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، والبرلماني السابق العياشي زمال.
سعيد الأوفر حظا
وتشكل الانتخابات الرئاسية محطة مفصلية في خضم ظرف حساس تمرّ به البلاد التونسية، وهي تعتبر مواصلة لمسار 25 تموز/يوليو الذي بدأ به الرئيس قيس سعيد من خلال عملية متكاملة أطاح فيها بالنظام القديم وأرسى دستورًا جديدًا وأجريت إثره انتخابات برلمانية.
تتسارع الحركات السياسية والاتصال الشعبي والتعاطي مع وسائل الإعلام فيما تترقب الأوساط السياسية والشعبية بدء السباق
ويرى بعض المراقبين، أن الرئيس قيس سعيد هو الأوفر حظًا في الانتخابات، نظرًا لأن باقي الأسماء المطروحة لا تشكل منافسة قوية، ولعل التخوف الأكبر اليوم، بحسب موقع "العهد الإخباري"، هو نسبة المشاركة في الانتخابات في ظل انقسام سياسي كبير بين المعارضين والمناصرين لمسار 25 تموز /يوليو.
فتونس تعاني اليوم من ضغوطات سياسية خارجية على ضوء ملف الهجرة غير النظامية، إضافة إلى صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة تُلقي بثقلها على الواقع الحياتي للمواطنين الذين بات انتظارهم في طوابير طويلة للحصول على المواد الغذائية المفقودة أمرًا عاديًا منذ سنوات.
تحركات مكثفة
من جهتها، أوضحت المحللة والأستاذة الجامعية التونسية، منال وسلاتي، أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تعتبر حدثاً محورياً في تاريخ البلاد، يعكس الديناميكية الديمقراطية التي تجتهد أجهزة ومؤسسات الدولة لترسيخ دعائمها.
وذكرت وسلاتي في تصريح لـصحيفة "الاتحاد" الإماراتية أنه مع اقتراب موعد الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين في 4 أيلول/سبتمبر المقبل، تشهد الساحة السياسية تحركات مكثفة من قبل الرئيس الحالي قيس سعيد الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية، إضافة إلى تحركات المرشحين الآخرين في خطوة تعكس التنافس القوي والتطلع لتوجيه مستقبل البلاد.
يرى بعض المراقبين أن الرئيس قيس سعيد هو الأوفر حظًا في الانتخابات نظرًا لأن باقي الأسماء المطروحة لا تشكل منافسة قوية
وقالت: "رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس، يبقى التونسيون على وعي بأهمية المشاركة في السباق الرئاسي لتحقيق تغيير إيجابي ودعم الاستقرار".
وتوقعت وسلاتي أن يكون الإقبال على المشاركة في الانتخابات الرئاسية مرتفعاً، خاصة في ظل الآمال المعقودة على المرشحين المختلفين لتحسين الوضع الراهن، مضيفة أن الانتخابات الرئاسية ستكون اختباراً مهماً لنضج التجربة الديمقراطية وتطلعات الشعب لمستقبل أفضل.
القضاء يكثف تحركاته
وتحرّك القضاء التونسي بعد حجز آلاف التزكيات المزورة لفائدة مرشحين للرئاسيات المرتقبة مقابل مبالغ مالية متفاوتة، وبعدما أثبتت الأبحاث استحواذ أحد الناشطين في الحملات الانتخابية على قاعدة بيانات تحتوي على 19887 هوية.
والسبت، أعلنت المحكمة الإدارية في تونس رفض اثنين من الطعون تقدم بها القيادي الإخواني عبداللطيف المكي، ووزير التربية السابق ناجي جلول، بعد رفض ترشحهما للانتخابات الرئاسية.
كما أعلنت، الأحد، المحكمة الإدارية رفض طعون جديدة للترشح للانتخابات الرئاسية، ابتدائياً. ويتعلق الطعن الأول بالمرشح منذر الزنايدي وذلك بعد النظر في الأصل والتثبت من التزكيات، فيما يتعلق الطعنان الآخران برئيسة الحزب الحر الدستوري، عبير موسي.
ويجيز القانون الانتخابي للمرشحين المستبعدين حق تقديم الطعون أمام المحاكم قبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين في 4 سبتمبر المقبل.
ووفقا للروزنامة التي وضعتها الهيئة، سيتم الإعلان عن قائمة المرشحين المقبولين نهائيا بعد انقضاء الطعون في أجل لا يتجاوز 3 أيلول/سبتمبر المقبل، وفق الناطق الرسمي باسم الهيئة الانتخابية محمد المنصري.
توقعت وسلاتي أن يكون الإقبال على المشاركة في الانتخابات الرئاسية مرتفعاً خاصة في ظل الآمال المعقودة على المرشحين المختلفين
في السياق، يرى النائب في البرلمان عن حركة الشعب عبدالرزاق عويدات أن "أهمية الانتخابات ليست في عدد المترشحين بل في قيمة البرامج التي ستعرض على الناخبين"، مشيراً إلى أن "الانتخابات الرئاسية في عدد من دول العالم تنحصر بين مرشحين أو ثلاثة"، ومؤكداً "إمكان التحاق عدد آخر من المرشحين بالسباق الرئاسي بعد لجوء بعضهم إلى القضاء الإداري".
ويعتبر عويدات، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "المنافسة ستكون قوية وجدية بين المترشحين الثلاثة"، لكنه يعبر عن تخوفه من "العزوف عن المشاركة السياسية في تونس بسبب انعدام الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعمل السياسي في حياة التونسيين".
ونفت هيئة الانتخابات وجود تضييقات على المرشحين للانتخابات الرئاسية 2024، كما أكدت وزارة الداخلية في بيان أن كل من تقدم بطلب للحصول على بطاقة السوابق العدلية استجيب لطلبه.
الإخوان خارج السباق الانتخابي
في الأثناء، قضت الدوائر الاستئنافية المتعهدة بالطعون في إطار نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية برفض الطعن أصلا في ملف الأمين العام لحزب العمل والإنجاز الإخواني عبداللطيف المكي، الذي كانت تعول عليه الإخوان، معتبرين أنه فرصة أخيرة للعودة للساحة السياسية.
وكانت إدارة الحملة الانتخابية لعبد اللطيف المكي قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها قررت التوجه للقضاء للطعن في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على خلفية رفضها ملف ترشح المكّي للانتخابات الرئاسية.
وقد اعتبر محمد الميداني المحلل السياسي التونسي أن عبداللطيف المكي هو "عصفور النهضة" الذي من خلاله تريد الحركة العودة للمشهد السياسي لكن السلطات التونسية تفطنت لمساعي الإخوان لاختراق الانتخابات الرئاسية، وبالتثبت في ملف الترشح تم التأكد بأن المكي قد قام بتزوير التزكيات الشعبية، بعد أن فقدت الجماعة ثقة الشارع.
وأكد في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن إخوان تونس حين أدركوا أن مؤامرات الفوضى وتوتير الأوضاع في البلاد لم تجدِ نفعا، قرروا التوجه نحو الانتخابات على أمل إعادة بناء للنفوذ السياسي.
وقال إن المكي من الجناح المتشدد داخل الجماعة أو ما يعرف بجناح "الصقور" في حركة النهضة، مشيرا إلى أن المكي لم يتخلص من جلباب النهضة بالرغم من استقالته من الحزب بعد إجراءات 25 تموز/يوليو 2021، التي أطاحت بحكم الإخوان فهو لم يقدم رؤية نقدية لما تورطت فيه الحركة من أعمال عنف واغتيالات سياسية حيث سبق أن قال المكي إن "الإسلام السياسي قد يتغير من حزب إلى آخر لكنه لن ينتهي".
وأوضح أن "المكي من خلال تزوير تزكيات التونسيين أراد تكرار أساليب النهضة الرخيصة السابقة لكن لم يكن يتوقع أن عيون الدولة مفتوحة وبالمرصاد ضد أي فساد اخواني".