من الواضح أنّ القرار الخطير الذي اتخـذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء يوم الأربعاء الماضي، يمكن وصفه بأنه قـرار متناقض تماماً مع الهدف الذي أعلن أنه يرمي إليه، فهو ليس مساهمة من الإدارة الأمريكية في العملية السلمية لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكنه تعطيلٌ للجهود التي بُـذلت حتى اليوم في هذا الاتجاه، ونسف لما تحقق حتى الآن من نتائج وإن كانت غير ذات أهمية عملية فوق الأرض، وعودة إلى الوراء، والانفتاح على المجهول، وتشجيع لـ"إسرائيل" على مواصلة تهويد القدس وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، في مزيد من التحدي للشرعية الدولية الممثلة في قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. فهذا قـرار الحرب وليس قـرار السلام، يكافئ المحتـل المغتصب الأرض، ويطعن صاحبَ الأرض الشرعي، ويُسقط عن الولايات المتحدة الأمريكية هيبتها باعتبارها الدولة الأقوى والقوة الأعظم في هذا العالم التي من المفترض أن تكون حامية الأمن والسلم الدوليين، وينزع عنها أي شرعية أو صدقية للقيام بأي دور مستقبلاً في عملية السلام، هذا إذا كانت قد بقيت فرصة لاستكمال هذه العملية.
لكن السؤال الذي لا بـد أن يُـطرح في هذا الظرف الدقيق والحـرج، هو ماذا سيكون موقف جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حِـيـال القرار/ الكارثة الذي اعتمده ووقع عليه الرئيس الأمريكي ترامب أمام كاميرات العالم بكل غطرسة ووقاحة؟ هل سيقع الإجماع العربي الإسلامي على موقف موحّـد يـردّ على القرار الأميركي هذا بما يلزم من حزم وحسم وجدية في التصرف، ويُـفهم العالم كلَّـه أن العرب والمسلمين كافة، أي مليار ونصف المليار من البشر، يقفون صفـاً واحداً متـراصاً في وجه القوة العظمى التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي للقدس العربية المسلمة؟
وليس مجدياً في شيء أن يسارع المراقب هذا الحدث الذي هـزّ العالم العربي الإسلامي، إلى اقتراح ما يتوجب القيام به. وقد اندفع بعضهم فاشتط وبالغ وتجاوز حدوده. لكن الأمر الذي لا يمكن التقاعس عنه، هو دعوة المجموعتين العربية والإسلامية إلى التحرك السريع في الاتجاه الصحيح، للـردّ المناسب على قرار الرئيس الأميركي المناهض للقانون الدولي، ولدعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة المعترف بها دولياً وغير القابلة للتصرف، وللعمل بجـد وصـدق لإنقاذ القدس العربية المسلمة من الضياع، لأن في الاعتراف الأمريكي بها عاصمة لإسرائيل، ترسيخاً للاحتلال وتقنـيـناً للاغتصاب واعتـرافاً بالأمر الواقع بالقوة.
إن القدس أمانة في أعناقنا جميعاً في هذا الجيل وفي الأجيال المقبلة التي من حقها علينا أن نحمي هذه الأمانة ولا نضيعها. فهذه المدينة التي فيها المسجد الأقصى المبارك مقدسة لا يمكن التفريط بها وهي مدينة محتلة باعتراف القانون الدولي، ولا بـد للاحتلال أن يزول، حتى وإن اعترفت الإدارة الأمريكية به، في لحظة ضعف للعرب والمسلمين، "وتلك الأيام نداولها بين الناس".
عبدالعزيز التويجري - عن "الحياة"