فهد سليمان الشقيران
من الضروري تبرئة معنى «الإسلاموفوبيا» من تاريخيته الحركية والسجالية. الرهاب من هذه الديانة أو تلك فكرة عامية عادية. «الرهاب من الإسلام» بالمعنى الذي يتداول بالإعلام قد يوجد في الأذهان ولكنه لا يوجد بالأعيان. معظم المشكلات التي يراها البعض ذات بعد ديني منشؤها الرئيسي سياسي. وفكرة «الإسلاموفوبيا» استخدمت من قبل الحركيين بشكلٍ مكثف، وظّفت أحداث سياسية صرفة من أجل التحشيد الحركي. جل الأزمات التي عصفت بالمسلمين لم تكن ذات طابع ديني، بل أساسها إما عرقي، أو سياسي، وهذا يصح على أفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان وأزمات المسلمين الأخرى في أنحاء العالم. تطوّر هذا التوظيف والاستغلال ليقع بفخّه بعض المسؤولين في مؤسسات دينية أو اجتماعية أو سياسية؛ لذلك لابد من وضع حد لكل ذلك التفسير المغلوط لمعنى الرهاب من الإسلام.
السفير الصيني في السعودية، كتب مقالةً مهمة بعنوان: «لماذا ترفض الصين "الإسلاموفوبيا" قطعاً؟» تطرق فيها لعددٍ من النقاط التي ترمى على الصين حول معنى الرهاب من الإسلام، وهي تنطبق على دولٍ أخرى غير الصين. يكتب السفير تشن وي تشينغ: «ما هي "الإسلاموفوبيا"؟ إذا بدأنا من المفردة نفسها، وجدنا ظهورها لأول مرة في أوائل القرن العشرين، في الورقة التي نشرها الفرنسي آلان كويليان عام 1910 واستخدمها الكاتب لوصف (التحيز الشائع ضد الإسلام بين شعوب الحضارة الغربية والمسيحية). ومع تغيرات العصر، أصبح يُفهم الآن بصفة عامة أنه تمييز غير عقلاني وخوف وكراهية ضد الإسلام والمجتمعات الإسلامية».
هذا من الناحية التاريخية للمعنى، ولكن هذا لا يخصّ الإسلام لوحده، ثمة «اليهودية فوبيا» عند النازيين، و«المسيحية فوبيا» عند المسلمين، وعليه فإن اختلافي مع السفير الصيني ليس في تاريخ المفهوم واصطلاحه، وإنما في اغتباط المسلمين الشديد بهذا الشعور الشرس بالرهاب من الإسلام. الرهاب من الآخر موجود في كل الديانات والثقافات والأعراق والقبائل والطوائف. لذلك يحتاج المسلمون اليوم إلى الكفّ عن الشعور بالمظلومية والاغتباط بالانسحاق من الآخرين، وهذا غير مبرر لأن المسلمين هم الذين يهيمنون على العديد من الدول على المستويات كافة، فعن أي رهاب من الإسلام يتحدثون؟!
وأختلف مع السفير الصيني حين قال: «منذ فترة، تجاهلت بعض البلدان حقيقة أنها أكبر منتج لـ(الإسلاموفوبيا)، وأنها تسببت في أزمات جلبتها إلى شعوب فلسطين وأفغانستان ودول إسلامية أخرى، بخصوص حق الناس في العيش والتنمية، بل على العكس من ذلك، فقد بذلوا قصارى جهدهم لتشويه سمعة الصين.. وحاولوا عبثاً جذب (الإسلاموفوبيا) إلى الشرق واستفزاز وتقويض العلاقات الودية بين الصين والدول الإسلامية. هذا النوع من السلوك يضر بشكل أساسي بالإسلام، ويخلق مواجهة بين المسلمين وغير المسلمين عن قصد، ويتجاهل الحقائق الأساسية المتمثلة في التبادلات والتعليم المتبادل بين الحضارة الصينية والحضارة الإسلامية».
إن مثل هذه التبريرات للمسلمين، وكأنهم قديسين لم يمارسو ما يبرر الرهاب من الإسلام يجعلهم أكثر سكوناً وطمأنينيةً لواقعهم السيئ. الحقّ أن المسلمين عليهم تصحيح الكثير من المفاهيم والاتجاه نحو سياسات الاعتدال والاقتراب من قيم التصالح والتعايش، وعليهم أولاً التحرر من مظلوميتهم باسم «الإسلاموفوبيا».
عن "الاتحاد" الإماراتية