حكّام أفغانستان الجدد .. من سينشق عن طالبان؟

حكّام أفغانستان الجدد .. من سينشق عن طالبان؟


25/08/2021


بينما يبدو في الواجهة من قادة طالبان هبة الله أخوند زاده، والملا عبد الغني برادر، الأول هو الأب الروحي والقائد العام لطالبان منذ أيار (مايو) 2016 عقب مقتل سلفه الملا أختر محمد منصور، ويدير الحركة من  مخبئه، وفق صحيفة "الغارديان"، وقد اختفى عقب تعيينه عن الأنظار، وفق وكالة "فرانس برس"، والثاني يظهر في الواجهة كنائب له ورئيس للمكتب السياسي، إلا أنّ هناك قيادات أخرى بقيت أسماؤهم موضع غموض لدى الكثير من المتابعين، ولهم دور أكبر سيلعبونه خلال الأيام المقبلة، ومنهم سراج الدين حقاني ومحمد يعقوب عمر، حيث يتوقع مراقبون أنّ أحدهما يمكن أن ينشق عن الحركة خلال الفترة المقبلة مع أي خلل في الرؤية السياسية بينهما وبين مجلس شورى الحركة.

المقاتلان بلا نهاية

يبدو الأول وهو سراج الدين حقاني كمقاتل بلا نهاية، فهو غير مؤمن بالحلول السلمية، وكان يرفض التفاوض مع أمريكا، حيث ورث الإصرار على القتال من والده فهو نجل أحد أشهر قادة القتال ضد السوفييت، جلال الدين حقاني، وزعيم الشبكة القوية التي تحمل اسم عائلته، والتي تعتبرها واشنطن "إرهابية" وواحدة من أخطر الفصائل التي قاتلت القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي، في العقدين الماضيين في أفغانستان.

يعده البعض الرجل الثاني في الحركة؛ إذ إنّ شبكته لها تأثير كبير في القرار الطالباني، وهي مقربة من تنظيمات جهادية في وسط آسيا وقيادات القاعدة.

وشبكة حقاني معروفة باستخدامها العمليات الانتحارية، ويُنسب إليها العديد من أعنف الهجمات في أفغانستان خلال السنوات الماضية، منها مداهمة فندق كبير في كابول، ومحاولة اغتيال الرئيس السابق، حامد كرزاي، وهجوم انتحاري استهدف السفارة الهندية.

واُتهم الرجل باغتيال بعض كبار المسؤولين الأفغان واحتجاز غربيين رهائن قبل الإفراج عنهم مقابل فدية أو مقابل سجناء، وهو مطلوب أمام "مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكي بشأن دوره في عملية تفجير فندق في كابول العام 2008، تسببت بمقتل ستة أشخاص، بينهم أمريكي، وفقاً لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست".

ويلعب المصري أبو الوليد مصطفى حامد، مؤرخ القاعدة، دوراً رئيسياً مع حقاني، فهو وحلقة الوصل الرئيسية بين الحركة وإيران، إذ يقيم في طهران، ويصدر من هناك موقع (مافا السياسي).

 

"مجلس شورى كويتا" قيادة طالبان المعاد تجميعها في المنفى وجناحها الأشد مقاومة لسيطرة الاستخبارات الباكستانية والأكثر قابلية للتواصل السياسي

 

التحق حامد بالمقاتلين بأفغانستان، وانضم لمجموعة حقاني الأب، وعمل معه حتى العام 1992، وعمل في الصحافة خلال فترة السبعينيات، وفي التسعينيات عمل مراسلاً لقطر في أفغانستان، وهناك انضم لجلال الدين حقاني وعمل كاتباً أساسياً في مجلة "منبع الجهاد" وربطته صداقة مع عبدالرسول سياف، انتهت بخلاف شديد حول نهج سياف في قيادة جماعته المسلحة، ثم القاعدة حينما التقى بأسامة بن لادن في بدايات العام 1988، وربطتهما صداقة قوية ظلت مستمرة حتى مقتل زعيم القاعدة في 2011، لكنه لم يكن على وفاق مع خليفته أيمن الظواهري، الذي تعرف عليه في مدينة بيشاور الباكستانية بالقرب من الحدود الأفغانية العام 1986، ولم تمنعه صداقته لابن لادن من مبايعة زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، في مدينة قندهار، كأول من بايعه من العرب أميراً في أواخر 1997.

عقب العام 2011 رجع لمصر وبعد سقوط الإخوان هرب مرة أخرى إلى طهران العام 2016، وزوج ابنته للرجل الثاني بالقاعدة سيف العدل المقيم بطهران أيضاً.

قدم أبو الوليد المصري حوالي 15 كتاباً خلال الفترة من 2006 إلى 2015، وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي أدرك أبو الوليد المصري أنّ تنظيم القاعدة يمارس عملياته للتأثير على الولايات المتحدة ويوجه ضربات متفرقة ولا يسعى على الأقل في هذه المرحلة لتحقيق دولة إسلامية مركزية ولا يستهدف "عالمية الحكم الإسلامي"، فأعلن ولاءه ومبايعته للملا عمر العام 1997 كأمير للمؤمنين.

في العام الماضي نجا من محاولة اغتيال هو وابنه محمد على الحدود الإيرانية الأفغانية من قبل إحدى الدول المعادية للإرهاب، وهو في طريقه للقاء قادة طالبان.

أما الثاني فهو نجل الملا محمد عمر، مؤسس الحركة، والرئيس الحالي للجنة العسكرية، وما يزال الدور الذي يلعبه داخل الحركة موضع تكهنات.

 يتوقع أن يلعب حقاني ويعقوب دوراً كبيراً خلال الأيام المقبلة في ظل غياب واختفاء الأب الروحي والقائد العام

 وقد تم ترشيحه لقيادة الجماعة، لكنه طرح اسم آخوند زاده في العام 2016 لأنه شعر بافتقاره إلى الخبرة الميدانية وكان سنه صغيرا، وفق وكالة "رويترز".

شكّل يعقوب اللجنة العسكرية لحركة طالبان وهيكلـها في تسـع قيـادات إقليمية. وأنشأ خمس وحدات للتدخل السريع تابعة للحركة، تغطـي كل واحدة منها ثلاث ولايات بقوام يتـراوح بـين ٢٠٠ و ٥٠٠ مقاتـل. وتفيـد التقـارير بـأنّ إحـدى تلـك الوحـدات تغطـي ولايـات هـيرات وفـراه ونيمـروز، فيمـا تغطـي وحـدة أخـرى ولايات هلمند وقندهار وأوروزغان. وتخضـع هـذه القـوات مباشـرة لإمـرته، مع حكـام الظـل الآخرين عبـد القيـوم ذاكـر، وسراج الدين جلال الدين حقاني.

عواجيز الحركة في مواجهة العسكريين

ويتوقع أن يلعب حقاني ويعقوب دوراً كبيراً خلال الأيام المقبلة في ظل غياب واختفاء الأب الروحي والقائد العام لطالبان منذ أيار (مايو) 2016 هبة الله آخوند زاده، الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، وكان من المؤسسين الأوائل للحركة مع الملا محمد عمر، وأنشأ معه من قبل مدرسة دينية في قندهار، وفق صحيفة "الغارديان"، وقد اختفى عقب تعيينه عن الأنظار، وفق وكالة "فرانس برس".

قبل أن يصبح آخوند زاده قائداً للحركة كان يعمل قاضياً دينياً ويتمتع بنفوذ كبير، ثم قاد الجهاز القضائي في الحركة، وكان يقوم بالتدريس وإلقاء الخطب في مسجد في بلدة كوتشلاك، في جنوب غرب باكستان، ويفتي في مسائل شائكة مثل شرعية الهجمات الانتحارية والأساس الشرعي لمحاربة "داعش"، حسب وكالة "رويترز"..

نشأ قائد طالبان في منطقة بنجواي بقندهار، وقاد مجموعات من طلاب العلم الديني المسلحين ضد القوات السوفياتية والجماعات المحلية الموالية للاحتلال في منطقته، وكانت تلك المجموعات ضمن النواة الأساسية في تكوين حركة "طالبان"، ثم كان ضمن الحلقة المقربة من الملا عمر عام 2001، وعمل رئيساً لمحكمة عسكرية في كابول تحت حكم مؤسس طالبان.

 

شبكة حقاني معروفة باستخدامها العمليات الانتحارية ويُنسب إليها العديد من أعنف الهجمات في أفغانستان

وصفت صحيفة "تلغراف" البريطانية زعيم حركة طالبان بـ(الرجل الخجول)، وكتب كولين فريمان عن الدور المنتظر لزعيم حركة طالبان هبة الله آخوند زاده قائلاً "لا يظهر إلا في صورة واحدة، لا يحبذ الظهور في مقاطع الفيديو الدموية أو استعراض السلاح بتهور، كما يفعل آخرون من الزعماء المتشددين".

نجا آخوند زاده من محاولة اغتيال العام 2012، وبعدها اختفى عن الأنظار، حتى تولى قيادة الحركة، بعد 3 أيام من مقتل سلفه.

وأفاد تلفزيون "شمشاد" الأفغاني المملوك للقطاع الخاص في أيلول (سبتمبر) من عام 2016، أن مجموعة عسكرية منشقة بقيادة مولوي نقيب الله هونر، أعلنت الجهاد ضد طالبان بعد تعيين آخوند زاده زعيما لها، متهمة إياه بتولي هذا المنصب بأمر من المخابرات الباكستانية، وفي 24 آذار (مارس) 2017 نشر تنظيم داعش الإرهابي مقطعاً مصوراً دعائياً بعنوان "على أبواب المعارك الملحمية" وصف فيه آخوند زاده بـ"طاغية طالبان".

أما القائد الثاني الملا عبد الغني برادر، فوفقاً لمقال نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، فقد تزوج من أخت الملا عمر، وحين سيطرت طالبان على أفغانستان (1996-2001) شغل الرجل مجموعة من المناصب، من بينها حاكم هرات ونمروز، وكان نائب وزير الدفاع عندما أطاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأفغان الحركة في عام 2001، وأصبح الزعيم الفعلي لما عرف باسم "مجلس شورى كويتا"، الذي كان يمثل قيادة طالبان في المنفى، وقاد الهجمات ضد القوات الأمريكية حتى اعتقاله في العام 2010 في كراتشي بباكستان، وتم تصويره والأغلال تحيط بمعصميه لإظهار مدى جدية السلطات الباكستانية في مطاردة أعضاء الحركة.

أطلق سراح برادر في 2018 بضغط من الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس السابق، دونالد ترامب، للحصول على دعمه في المفاوضات بين الحركة والحكومة الأفغانية، وتم تعيينه رئيساً لمكتب الحركة السياسي في الدوحة.

قاد الرجل المفاوضات مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أيلول (سبتمبر) 2020، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو، وأسفرت جلسات هذه المفاوضات في 29 شباط (فبراير) 2020 عن اتفاق تاريخي ينص على انسحاب جميع الجنود الأجانب بحلول 1 أيار (مايو) 2021، مقابل ضمانات أمنية وفتح مفاوضات مباشرة غير مسبوقة بين الحركة والسلطات في كابول، ودعت الاتفاقية، التي وقعها كل من المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد والملا برادر، إلى حوار "بين الأفغان" لمواصلة السعي إلى "وقف إطلاق نار دائم وشامل".

وحسبه دبلوماسيون غربيون على جناح "مجلس شورى كويتا" -قيادة طالبان المعاد تجميعها في المنفى- وهو جناح الحركة الأشد مقاومة لسيطرة الاستخبارات الباكستانية، والأكثر قابلية للتواصل السياسي، حيث يشكّل الرجل مع شير محمد عباس ستانيكزاي، ويعيش في الدوحة منذ ما يقرب 10 سنوات، وعبد الحكيم حقاني كبير المفاوضين، ويرأس "مجلس علماء الدين"، فريقاً مختلفاً عن جناح سراج الدين حقاني.

يبدو أننا خلال الفترة المقبلة سنشهد تنافساً كبيراً بين القدامى والجدد، والسياسيين والعسكريين داخل طالبان، وهذا سيؤثر على مستوى العنف، إذ لا تستطيع الحركة أن تضمن مطلقاً منشقيها، أو الفصائل الموالية لها مثل شبكة حقاني، فيما لا يمكن لها وفق فقها الذي تتبعه تاريخياً من التخلي عن القاعدة وزعيمها، الذي قدّم بيعات لكل زعمائها منذ الملا عمر وحتى الآن، وهو ما يفتح الباب للإرهاب من جديد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية