حزب العدالة والتنمية المغربي: المصائب لا تأتي فرادى

حزب العدالة والتنمية المغربي: المصائب لا تأتي فرادى


06/10/2021

المصائب لا تأتي فرادى على حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يعد أحد أذرع جماعة الإخوان، فبعد هزيمته المدوية في الانتخابات في الثامن من الشهر الماضي، راح الحزب يفقد تأييده الشعبي وتنحسر قاعدته الجماهيرية، وتقل مداخيله المالية.

وبسبب متوالية الخسارة هذه، اضطر الحزب إلى تسريح نحو 600 موظف في مقرات الحزب، ما يعني منحهم تعويضات مالية باهظة، وسط تراجع حاد في مداخيل الحزب الذي فقد غالبية مقاعده في البرلمان، مكتفياً بـ 13 مقعداً من أصل 125 مقعداً.

الاجتماع المقبل لحزب العدالة والتنمية سيكون حاسماً، ففيه ستتضح نوايا القيادات المتنازعة بين تيار يقوده سعد الدين العثماني، في مواجهة زحف شديد يستعد له عبد الإله بنكيران

وكشف مصدر من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لموقع "هسبريس" أنّ كلفة التعويضات التي ستمنحها لحوالي 160 موظفاً في مقرات الحزب وكذا موظفين في الموقع الإلكتروني للحزب تصل إلى مليار و300 مليون سنتيم، (كل درهم يساوي 100 سنتيم، وكل 10 دراهم مغربية تعادل 1.11 دولاراً أمريكياً).

وأوضح المصدر أنّ التراجع الحاد في مداخيل الحزب فرض ضرورة تسريح موظفي الحزب ومنحهم حقوقهم الكاملة، كما تنص على ذلك مدونة الشغل.

وأضاف: "كنا أمام أمرين؛ فإما تسريح الأجراء ومنحهم حقوقهم، وإما سنجد أنفسنا غير قادرين على تأدية الأجور في الأشهر المقبلة، وهو ما يهدد استقرار الأجراء".

توقف أشغال بناء مقر الحزب

وتمثلت أول الارتدادات في توقف أشغال البناء في المقر المركزي للحزب بحي الرياض في العاصمة الرباط، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي سيعرفها الحزب جراء التراجع غير المسبوق في موارده الذاتية، بعدما فقد 112 نائباً برلمانياً كانوا يضخون حوالي 100 مليون سنتيم في خزينته شهرياً.

وقال مصدر قيادي من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في حديث مع هسبريس، إنه "من الطبيعي أن تتوقف أشغال بناء المقر المركزي؛ نظراً للتراجع غير المسبوق في الموارد الذاتية للحزب، وتراجع دعم الدولة بسبب ضعف النتائج التي حصل عليها الحزب".

 

اقرأ أيضاً: الانتخابات المغربية: الدرس الأخير في مستقبل التيارات الإسلامية

وتبلغ مساحة البقعة الأرضية، التي كان يرتقب أن يشيد عليها حزب العدالة والتنمية مقره المركزي بحي الرياض حوالي 2429 متراً مربعاً. أما المساحة الإجمالية المغطاة، فستصل إلى 8178 متراً مربعاً؛ وذلك بتكلفة تناهز 38.5 ملايين درهم، أي 3 مليارات و850 مليون سنتيم.

الرهان على المؤتمر المقبل

 في غضون ذلك، يراهن الحزب على مؤتمره الاستثنائي المقبل نهاية الشهر الجاري، لتفادي تصدع داخلي، خصوصاً أنه يقف اليوم على مفترق طرق، بعدما اختارت صناديق الاقتراع أن تعاقبه عن تدبيره الحكومي خلال ولايتين متتاليتين، وفق "سكاي نيوز عربية" التي أفادت أنّ الحزب عزا، في اجتماع سابق، أسباب هزيمته إلى ما وصفه بـ"الخروق والاختلالات التي شهدتها هذه الانتخابات"، وعلى رأسها "التعديلات التراجعية التي طالت القوانين الانتخابية"، على حد تعبير بيان صدر في أعقاب المؤتمر.

 

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب وإخوان المشرق واختلاف آليات السقوط

وتعليقاً على هذه المبررات، ذكر الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، منتصر حمادة لـ"سكاي نيوز عربية": "هنا بالذات تكمن أهمية عقلية المظلومية والمؤامرة، السائدة بشكل عام عند الأيديولوجيات الدينية، ومنها الأيديولوجية الإسلامية الحركية".

وأردف حمادة: "الإشكال مع هذه العقلية هو أنها تساهم في تفادي طرح أسئلة حقيقية كلما تعلق الأمر بالنقد الذاتي والبحث عن أسباب فشل المشروع، مما يفسر ترويج بعض أتباع الحزب للقراءات الصادرة عن محللين من خارج الحزب، تصب في الحديث عن أسباب خارجية، مقابل صرف النظر عن الأسباب الذاتية الخاصة بالحزب".

 

اقرأ أيضاً: قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان

وتعكس التصريحات المتسرعة لقيادات في حزب العدالة والتنمية، حالة الإنكار التي يعيشها هؤلاء، ما جعل تياراً داخل الحزب أطلق على نفسه "تيار استعادة المبادرة"، يدعو إلى "تقييم حقيقي للوضع الحالي والقيام بمراجعات من أجل استعادة المبادرة"، مشدداً على ضرورة "إعادة بناء هياكل الحزب ومؤسساته وفق الآليات الديمقراطية والمشاركة الواسعة".

توقفت أشغال البناء في المقر المركزي للحزب بحي الرياض في الرباط، بسبب الأزمة المالية بعدما فقد 112 نائباً برلمانياً كانوا يضخون حوالي 100 مليون سنتيم في خزينته شهرياً

وتثير هذه التناقضات احتمالات قد تفضي إلى تصدّع الحزب وانقسامه، في ظل هيمنة طبقة من السياسيين الأيديولوجيين الذين لا يقرّون بأنّ سياستهم فشلت خلال عقد من الزمن على إحداث أي تقدم، وتراهم يختبئون وراء شعارات المؤامرة والمظلومية والعبث الخارجي بإرادة الناخبين.

الاجتماع المقبل لحزب العدالة والتنمية سيكون حاسماً، ففيه ستتضح نوايا القيادات المتنازعة بين سعد الدين العثماني، في مواجهة زحف شديد يستعد له عبد الإله بنكيران الذي يطالب كثيرون بعودته إلى قيادة الحزب، حسبما يقول المحلل السياسي، محمد العمراني بوخبزة الذي كشف، في تصريح لموقع "الحرة" عن "تيارات عدة داخل الحزب، الأول يطالب بعودة الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، لتدبير شؤون الحزب وتوجيهه، والبعض الآخر يعتبر أنّ عودة الأخير يجب أن تكون مرحلية ومؤقتة من أجل فتح آفاق جديدة للحزب. أما التيار الثالث، فيؤكد على ضرورة وجود وجوه جديدة وإعادة النظر في النخبة التي تدير الحزب كاملة، لأنها لم تعد قادرة على التفاعل مع الشارع المغربي".

هل يعود بنكيران؟

بنكيران، الذي لم يحضر شخصياً الدورة الاستثنائية للحزب التي انعقدت مؤخراً، حمّل فور إعلان النتائج الأولية للانتخابات، العثماني مسؤولية الخسارة، قائلاً في منشور له على فيسبوك: "لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب والتي سيكون نائبه ملزماً بتحملها".

وكان العثماني، قد اعتبر في كلمة له خلال الدورة الاستثنائية، أنّ "النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات غير منطقية وغير مفهومة وغير معقولة، ولا تعكس الخريطة السياسية، كما لا تعكس موقع الحزب وحصيلته في تدبير الشأن المحلي والحكومي".

وبدأ الخلاف بين القياديين في 17 آذار (مارس) 2017، بعدما أعفى العاهل المغربي، محمد السادس، بنكيران من تشكيل الحكومة، وعيّن العثماني خلفاً له، وتزايدت الهوة اتساعاً في المؤتمر الوطني الثامن للحزب، الذي انتخب في كانون الأول (ديسمبر) 2017 رئيس الحكومة، أميناً عاماً للحزب، خلفاً لبنكيران، بحسب "فرانس برس".

وبخصوص إمكانية عودة بنكيران لقيادة الحزب مجدداً، أوضح عضو الأمانة العامة للحزب عبدالله بوانو، في تصريحات صحفية، أنّ مثل هذه القرارات يتخذها المؤتمر، مؤكداً أنه في حال اختيار بنكيران العودة مجدداً لقيادة الحزب فسيكون "مرحّباً به"، مضيفا أنّ أي شخص سيتم اختياره للقيام بهذه الدور الذي وصفه بـ"التاريخي" سيتم الترحيب به أيضاً.

 

اقرأ أيضاً: محطات لافتة رافقت نكسة "الإخوان" في المغرب

وعن الصراع الدائر اليوم داخل العدالة والتنمية، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري رشيد لزرق في تصريح لصحيفة "العرب" إنه لا يتعلق بدوران النخب؛ لأنّ هذا الأمر يفرض تجديد الأفكار والمشاريع والقيام بالمراجعات اللازمة والنقد الذاتي البناء وفصل المجال الدعوي عن الفضاء الحزبي، وذاك ما لا نجده في ما يسمّى بالنخب الشابة داخل العدالة والتنمية، مشيراً إلى أنّ الموجود يمكن الاصطلاح عليه سيكولوجياً "شباب يستنسخ عقلية شيوخ".

وبرأيه لا تجد داخل العدالة والتنمية ذاك الاقتصادي البارز الذي يحمل برنامجاً اقتصادياً، ولا ذاك الحقوقي المؤمن بحقوق الإنسان وحرية المعتقد، ولا ذاك القيادي المتخلص من الأساطير المؤسسة للجماعة الأم، "فشتان بين الاستنساخ والتجديد".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية