حركية الإخوان الجديدة.. هل تعني إلغاء منهج حسن البنا؟

حركية الإخوان الجديدة.. هل تعني إلغاء منهج حسن البنا؟


23/05/2021

إنّ الحركية الجديدة التي يُنادي بها المفكرون الإخوان ومنهم جاسم سلطان، لا تُعني إلغاء "منهج حسن البنا"، بل تحديث أفكاره، وتحويل التنظيم إلى "تيار فكري" داخل المجتمعات لا يقوم على الحزبية "التنظيم"، وهذه هي خطة الجماعة المستقبلية، وهي التحول من تنظيم مغلق إلى تيار واسع يستوعب كافة أطياف المجتمع.

التحول لتيار عام

في العام 2006 أقيم في الدوحة مؤتمر كبير تحت عنوان "مستقبل التغيير في العالم العربي"، بحضور هيلاري كلينتون، وقيادات الإخوان والقريبين منها، تمخض عنه الكثير من المخرجات، التي من بينها العمل على مشروع يسمى بمشروع النهضة، يقوده جاسم سلطان، أحد مؤسسي الجماعة قبل حلها في العام 1999.

سلطان تعلم الطب في القاهرة في السبعينيات، وعاصر قادة الحركات الإسلامية في الجامعات، مثل عبدالمنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، وأصبح من قادة الجماعة في قطر قبل أن يساهم في قرار حل التنظيم بعد مراجعات وتفكير طويل امتد سنين.

يقول جاسم سلطان: "لا ينكر عاقل أنّ الاجتماع على الخير وللخير واجب؛ شرعاً وعقلاً، وأنّ العمل المنظم غير العمل الذي يخضع للفوضى والارتجال، لكن السؤال الحقيقي ليس عن التنظيم كمسلَّمة فكرية، لكن عن فكرة التنظيم وبيئته وأهدافه وطريقة عمله، ومنظومته الفكرية التي يقف على أساسها".

ما يُنادي به المفكرون الإخوان ومنهم جاسم سلطان لا يعني إلغاء منهج البنا بل تحديث أفكاره

إذن فسلطان لا يحرّم العمل التنظيمي، لكنه أخضع جدواه لفقه الضرورات، وكيف أنّ إسباغ القداسة على الموروث التنظيمي وتحميله صبغة الصلاحية وعبور الزمان والمكان دون مراعاة أثر الزمن والخبرة يفقده جدواه، ومن هنا تأتي أهمية تحويله إلى تيار عام، وتفكيك التلاحم الذي حدث في فترات معينة بين الإسلاميين والهياكل التي أنشأوها، والأدوات التي استخدموها في الدعوة، والأفكار التي طرحوها على جماهيرهم وعلى الناس.

اقرأ أيضاً: حسن البنا والأدلجة السياسية للإسلام في القرن العشرين

من هنا نفهم أنّ التحول إلى "تيار عام" ما هو إلا نوع من الحركية الجديدة، التي ستمكّن الجماعات من تغيير الشكل والإبقاء على الجوهر العام لمؤسسها حسن البنا، والحفاظ على أهدافها نحو الانتشار والسيطرة، بالاعتماد على استراتيجيات وواجهات جديدة ومُتعددة.

التخلي عن الشكل التنظيمي

يرى جاسم سلطان في كتابه (أزمة التنظيمات الإسلامية.. الإخوان نموذجاً) أنّ تأطير الدعوة الإسلامية في شكل منظم بطريقة ما يلقى قدراً من الانتقاد والتشكيك في جدواه، وما جلبته من مصالح ومنافع، يقابلها في الوقت ذاته قدر من الدفاع الشرس عن الهياكل المتوارثة داخل الحركة الإسلامية، حتى وإن فقدت صلاحيتها.. إذن، وفق سلطان، التخلي عن الشكل التنظيمي يعني تطبيق الرؤية التي تعني بمسألة الجدوى من أي فعل منظم باعتباره فعلاً غير مقدس وقابلاً للنقد والمساءلة والمحاسبة، لأنّ التجارب لا تأخذ شرعيتها من السماء، ولكن من قدرتها على الإنجاز في الأرض، فالقدر ليس الشماعة التي يعلق عليها الناس أخطاءهم وقصورهم وتراخي أدوارهم.

ويؤمن الآن أصحاب هذا النهج بأهمية التخلي عن "الحزبية"، والثورة على نُظم الأفكار "المأزومة" التي تسير بها جماعة الإخوان، وجعلتها تتحمل مسؤولية تراجع الحركة الإسلامية واستنزافها لتمسكها بالقديم والتخلي عن متطلبات الواقع.

إنّ هذا التخلي عن الشكل التنظيمي والتحول لتيار وفق شروط النهضة التي تحدث عنها جاسم سلطان في لقاءات تلفزيونية متعددة لا يحتاج إلى شروط انتماء، ويتفاوت الناس فيه في العطاء كل بقدر ممكناته، ويتعاونون على إنجاز المهام بأريحية ودون حساسيات، وينظر فيه للأهداف وتحقيقها وليس إلى المكاسب الحزبية، كما أنّه يدعم كل الأوجه ما دامت تصب في ذات الاتجاه.

يرى سلطان في كتابه "أزمة التنظيمات الإسلامية" أنّ تأطير الدعوة الإسلامية يلقى قدراً من الانتقاد والتشكيك في جدواه

يقول في أحد فصول كتابه: "الجماعة أدت دوراً كبيراً، وما زالت في الفضاء العام، ولا بد من رؤية جذور الأفكار التي تحملها وقادت باستمرار إلى مآزقها المتنوعة وهي خارج السلطة أو في السلطة على قدم سواء. ومن دراسة (البنا) يمكن فهم الأفكار العميقة التي تحرك المجموع اليوم وتؤثر في قراراته، ومن هنا يمكن الجماعة أن تطور نموذجها الفكر عبر مراجعات جادة".

يضيف في نفس الكتاب: "إننا حين ندعو إلى المراجعات لا نجعل الأمر يبدو وكأن الحل بيد التنظيمات إنّ هي أصلحت منظومتها الفكرية، بل الجهد الأساس المطلوب هو في إيجاد تيار فكري قائم على منظومة من التصورات التي تؤسس لمسار جديد... إنّ هذا التيار وأهميته اليوم هما أكثر إلحاحاً من المراجعات والإصلاحات في الأجسام التنظيمية القديمة ذاتها التي على الرغم من أهميتها فهي ليست المستقبل، فالأمل الحقيقي هو في هذه التيارات الناشئة".

اقرأ أيضاً: محب الدين الخطيب.. ماذا تعرف عن مستشار حسن البنا الفكري؟

ويعتبر أنّه لا سبيل أمام "التنظيم المأزوم" إلا بهذه المراجعات لإنتاج عصر جديد تحلم به "جماهير الأمة"- كما وصفهم: "كلما أسرعت بمعالجة فكرة التمكن من المجتمعات وجففت منابعها الفكرية لصالح فكرة تمكين المجتمعات كلما سهلت عملية الانتقال السلس إلى العصر الجديد".

ملخص الرؤية الجديدة

يقسّم سلطان تيارات الإخوان تقسيماً يحدد المجموعة المسؤولة عن الخطايا، الأولى: قيادات وكوادر حزبية متنفذة، ذات مصالح نفعية حادة متبادلة، لا تقبل بأي نقد أو تداول حقيقي لقيادة الحركة أو مشروعها الفكري أو السياسي.

الثانية: هم المتأثرون بثقافة تقليد جامدة، على أسس الإخوان التربوية، التي يرون من خلالها كل جوانب الحياة، دون فقه فكري ولا وعي سياسي، لكنهم مجموعات مخلصة في الغالب، تُدفع لمواجهة المبدعين والنهضويين، من خلال المجموعة الأولى.

الثالثة: هم الشباب المتطلعون للتصحيح وتنمية أوطانهم ونهضتها، والذين أدركوا أن لا سبيل لذلك دون نقد منهجي لذات الفكر الإسلامي المعاصر.

ويحدّد سلطان خطته في 4 أطوار ومراحل هي:

1-  الصحوة: وهي حالة من "صحا من نومه" ولم يضئ النور، فيتخبط هنا وهناك، فهي مرحلة حماس متدفق، وإحساس بالهوية، لكنها تفتقد الرؤية والوعي، وكثيراً ما تتضارب فيها التحركات، ويكثر الخلاف (هي الإحساس بالذات وبالهوية).

2-   اليقظة: وهي مرحلة إضاءة النور، ومعرفة الوسط المحيط، فهي مرحلة وعي ورشد يلازمان الحماس، وهي مرحلة تنظيم الجهود العملية لتصب في اتجاه وهدف (هي فهم الواقع).

سلطان: الشكل التنظيمي الذي اتخذته الحركة الإسلامية طيلة العقود الماضية تجاوزه الزمن

3- النهضة: وهي نتاج مرحلة اليقظة، وثورة الأفكار، وتتجسد في تيار متدفق من العمل الراشد في كل مجالات الحياة العلمية والتطبيقية، ولا تتكامل حلقاتها إلا من خلال أداة الدولة (هي طريقة الفعل في الواقع).

4-   الحضارة: وهي النتاج المادي الملموس في كل المجالات من عمارة وفن وفكر وتصنيع وغير ذلك، وهي تمثل النموذج المنشود (هي ثمرة الفعل).

وفي كل كتاباته يشير سلطان إلى أنّ إلغاء التنظيمات سوف ينقل الأمة من طور الصحوة العاطفي (الحماس مع قلة الرشد وضبابية الرؤية) إلى مرحلة اليقظة الراشدة العاقلة حيث يتم تنظيم الجهود العملية وفق رؤية استراتيجية تجمع كل الطاقات. ومن هنا يعتقد أنّ فكرة التيار لا تتنافى مع الحياة الحزبية العادية، لكنها تتنافى مع الحزب الشمولي أو التنظيم الموازي.

وفي ذات الاتجاه يرى أنّ الشكل التنظيمي الذي اتخذته الحركة الإسلامية طيلة العقود الماضية تجاوزه الزمن، وأنّ على الحركة أنّ تسارع إلى تطوير نفسها للخروج من شرنقة التنظيمات والتحول إلى تيار عام، وهذا وفق رأيه هو الأنجح.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية