حركة الشباب بين "حرب الاستنزاف" والتمكين بالصومال

حركة الشباب بين "حرب الاستنزاف" والتمكين بالصومال

حركة الشباب بين "حرب الاستنزاف" والتمكين بالصومال


26/12/2023

يتضح من خلال سير العمليات خلال الشهور الماضية توسع حركة الشباب المتشددة في مواطن جديدة، وأنّها ما تزال تتركز وفق استراتيجيات "حرب الاستنزاف" و"الحرب الاقتصادية" التي تهدف إلى إضعاف السلطة الصومالية من خلال استراتيجية تشمل: هجمات بارزة ضد رجال أو مؤسسات حكومية أو رمزية، بما في ذلك الخلايا النائمة التي تقوم بهجمات قليلة ولكنّها تستهدف المؤسسات، الكمائن، نقاط التفتيش المؤقتة، عمليات الخطف، العبوات الناسفة، الهجمات الصغيرة على حقول النفط والمناجم.

حركة الشباب تتوسع للتمكين

بحسب إحصائية مرصد الأزهر الشريف للجماعات الإرهابية فقد احتلت منطقة شرق أفريقيا المركز الأول من حيث عدد العمليات خلال عام 2023، حيث شهدت المنطقة المضطربة على الأقلّ شهرياً (14) هجوماً إرهابيّاً، أي بما يعادل (38.9%) من إجمالي عدد العمليات الإرهابية، وما تزال منطقة الشرق والقرن الأفريقي تشكل تهديداً كبيراً للأمن، وهذا يمكن تفسيره بأنّ الاستراتيجيات الحكومية في منطقة شرق أفريقيا لمواجهة إرهاب الشباب دفعت الحركة الإرهابية إلى تصعيد تهديداتها.

يبدو الوضع مقلقاً في شرق أفريقيا، وأنّ الصراع الدائر بين القوات الحكومية وحركة الشباب يتمدد وينتشر ويتوسع في الدول المجاورة كينيا وأثيوبيا، ويشهد حالة من الاستنفار

وكان الملاحظ خلال عام 2023 أنّ الحركة سعت لتطبيق ما يسمّونه "شوكة التمكين"، والانتقال من الاستنزاف إلى حكم مناطق بعينها، وهذا ما نجحت فيه بالفعل بتطبيقها إجراءات حكم الجنوب الذي سيطرت عليه تماماً، ولكي تؤكد الحركة على هذه السيطرة المكانية فقد نشرت مؤسسة الكتائب، الجناح الإعلامي التابع لها، إصداراً وثائقياً مدته (35) دقيقة ضمن سلسلة إصدارات قطوف الشريعة، وخصصت هذه الحلقة لمشروع إنشاء سد بولوفلاي بولاية (باي) جنوب غربي الصومال، وقامت وكالة (شهادة الإخبارية) بترجمته من الصومالية إلى اللغة العربية.

احتلت منطقة شرق أفريقيا المركز الأول من حيث عدد العمليات خلال عام 2023

الإصدار وثق جانباً من المشاريع لها، والتي من بينها تعبيد الطرق وحفر الأنهار والآبار وإنشاء السدود وغيرها، مثل ترميمها لعدد من قنوات الري لنهر شبيلي ومن أهمها (قناة شينها) في ولاية شبيلي الوسطى جنوب الصومال، وناقشت الحركة الظروف التي تحيط بعملياتها في شرق أفريقيا، وموقف الحركة تجاه دول الجوار بزعامة الحبشة وكينيا، وطرق التعاون في مواجهة هذا الغزو، والمحاولات التي تقوم بها الهيئات المتمركزة في (حلني)، وكيفية تجنيد الميليشيات القبلية، والسبل المناسبة لمواجهتها.

كما ناقش الإصدار واجب الحركة تجاه تطوير الخدمات الاجتماعية، مثل: الدعوة، ووجوب التكاتف في إفشال الاتفاقيات والمقاولات غير الشرعية التي تعقدها الحكومة، وعدم سماحها للبنوك الأجنبية المعادية التي حصلت على رخصة من قبل الحكومة بالعمل في البلد في أيّ حال من الأحوال، وضرورة التحذير من تدفق مواطني الحبشة إلى الأقاليم الصومالية، واستيطان معظمهم في المدن الكبرى، واستيلائهم على التجارة ومراكز الأعمال المهمة.

 

الحركة سعت لتطبيق ما يسمّونه "شوكة التمكين"، والانتقال من الاستنزاف إلى حكم مناطق بعينها

 

ونشرت مؤسسة الكتائب، الجناح الإعلامي لحركة الشباب المجاهدين، الإصدار المرئي "فذرهم وما يفترون" باللغة الصومالية، نصحت فيه الأمريكيين بأن يستخدموا في حربهم ضد حركة الشباب المجاهدين العلماء (المعتدلين) الذين يمكن توظيفهم، وبدا أنّ هناك انزعاجاً من قبل الحركة للتيارات السلفية الموازية والأخرى الصوفية، وأنّ التوازن في التواجد سيقلق كيان حركة الشباب، وسيدفعها إلى مزيد من الإجراءات في عملياتها المناوئة الإعلامية الدعائية والأخرى الفكرية المنهجية، وهو ما بدا في إصدار تالٍ للمتحدث باسم الحركة، الذي أجاب عن أسئلة تتعلق بالحملات العسكرية والإعلامية فأكّد على قدرتهم على التحمل، وإحساسهم برباطة الجأش الذي أعطاهم اتجاهاً واضحاً، وعزمهم الذي لا يتأثر بسهولة بإخفاء مفاجأة الحياة المتواترة، حيث تحدث قائد الحركة علي محمود ديري، في هذا الإصدار الذي مدته (29) دقيقة بالتفصيل عن مخطط الحملة الجديدة المرتقبة ضد ما يسمّيه هو (الولايات الإسلامية) وعن دور الحركة في مواجهة هذه الحملة، وكشف الستار عمّن يقود الحملات التي تستهدف مناطق سيطرة الحركة، مشيراً إلى أنّ الصراع في الصومال مرّ بمراحل كثيرة، وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي من بدأت للتخطيط لهذه الحملات التي تستهدف الولايات الإسلامية منذ عام 2019م وما تزال مستمرة فيها دون أن تحقق أيّاً من الأهداف التي وضعت لتحقيقها، وقال: "هذه الحملة كانت مستمرة منذ أعوام، والسبب وراء إطالة مدتها هو صمود المجاهدين وقدرتهم على تسديد ضربات استباقاية للأمريكان، وهذا ما تسبب في تأخر مدة الحملة، فقد تسببت الضربات التي وجهها المجاهدون للأمريكان في انسحاب قواتهم من الصومال، وذلك بقرار من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقد خطط الأمريكان لهذه الحملات ضد الحركة منذ ذلك الوقت".

لكنّ الأهم هنا، هو أنّ المتحدث باسم الحركة أكّد على شيء يبدو في جميع الإصدارات هو أنّهم إمارة ممكّنة، وأنّ زعيم الحركة يحكم ولايات إسلامية، أي إنّهم ممكّنون من الأرض الصومالية، وهذا ما أكده أيضاً القيادي أبو مريم في مقاله عن مدينة عيل بور، الذي ذكر فيه أنّ الاقتصاد المحلي في حالة انخفاض طفيف بسبب الجفاف، وكيف تغيرت الحال وانهزمت القوات الإثيوبية.

الحركة تؤكد أنّها جزء من شبكة القاعدة

يظل تنظيم (القاعدة) حاضراً في الانتقال الاستراتيجي لحركة الشباب للسيطرة المكانية، وبدا ذلك خلال عام 2023، في الدورة الثانية للاجتماع التشاوري حول قضايا الجهاد في شرق أفريقيا، الذي شارك فيه أكثر من (100) عضو يمثلون جميع شرائح الحركة، وبعضهم من رموز تنظيم القاعدة، إضافة إلى نقباء العشائر والقيادة العليا لحركة الشباب المجاهدين.

لم تخالف الحركة (القاعدة) سوى في تفضيل القتال المحلي القريب على البعيد

وفق الحركة ناقش المؤتمر الحالة الجهادية بشرق أفريقيا، بحسب البيان الختامي للمؤتمر الذي صدر بـ (5) لغات، هي العربية والصومالية والإنجليزية والسواحلية والأورومية، ورافق الاختتام إصدار فتوى في التصدي لـ (الصليبيين ونصارى الحبشة)!، وهي الفتوى الجامعة التي تكشف عن منهجية حركة الشباب، ويظهر فيها المنهج القطبي المتوغل في العمود الفقري للحركة، والتوسع في التكفير ومسألة الحكم بالردة على المخالفين، فبحسب نص الفتوى أكد المنظّرون الفكريون للحركة على تأييد قراراتهم وفتاواهم السابقة الصادرة عن مؤتمراتهم (1-5) في حكم الحكومة الفيدرالية الصومالية والإدارات الإقليمية، وأنّها كافرة كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام لما ارتكبته من النواقض. ولم تختلف الحركة عن (تنظيم داعش) في المسألة السابقة، وبنت حكمها على أمرين؛ هما: أنّ هذه الحكومة مؤمنة بالطواغيت وملتزمة بقوانين الأمم المتحدة، وأنّ هذه الحكومة تدين بالعلمانية "فصل الدين وعزله عن الحياة"، وتؤمن بالديمقراطية "حكم الشعب وسيادته" باعتبارهما نظاماً للحكم والتشريع في كل ميادين الحياة ومجالاتها.

أكد المؤتمر على ناقض (من لم يكفّر الكافر فهو كافر)، وبين حال من يدافع عن الحكومة الصومالية أو لا يكفرها مع علمه بحالها، وجاء فيها أنّ المدافعين عن هذه الحكومة هم كفّار (كفراً معلوماً من الدين ضرورة)، وهذا تطور فكري كبير يقترب من إيديولوجية (داعش) نفسها الأكثر تشدداً في مسألة (تكفير أعوان الحاكم)، إذ إنّها عممت حكم تكفيرهم، فحكمت على القبائل الموالية بضرورة قتالهم وتدمير ممتلكاتهم، لأنّه وفق الحركة مظاهرة بعض القبائل أعداء الله على المجاهدين كفر وردة وخروج عن الملة.

 

يظل تنظيم القاعدة حاضراً في الانتقال الاستراتيجي لحركة الشباب للسيطرة المكانية

 

لم تخالف الحركة (القاعدة) سوى في تفضيل القتال المحلي القريب على البعيد، وذكرت أنّ حكم جهاد العدو المجاور للمسلمين وحكم بدئهم بالقتال هو الوجوب، وقدمت تفسيراً على أنّه على المسلمين في شرق أفريقيا أن يهبوا لنصرة دينهم، وتوافقت مع تنظيم الجناح المتشدد في القاعدة حول حكم العذر بالجهل، وأنّ الجهل بالشرك كفر، والكفر ليس من جملة الأعذار، وإنّه وفق البيان والفتوى (لا يمكن أن يكون فاعل الشرك فاعلاً للتوحيد، ولا أن يكون عابد غير الله عابداً لله وحده في الوقت نفسه، فلا يكون عابد غير الله مسلماً بحال من الأحوال؛ لاستحالة اجتماع النقيضين)، وفق المؤتمر والمشاركين به.

تفسّر الحركة في إصدار تالٍ الحملة المناهضة أنّها مناهضة للشريعة، وأنّها جزء من حملة أوسع تهدف إلى القضاء على الإسلام، لأنّ الغرب يكره الشريعة الإسلامية، وأنّه لا يوجد منطقة تطبق فيها الشريعة غير الولايات التي تسيطر عليها الحركة، وأنّه لا يقتصر دور الولايات المتحدة في الصومال على تطلعاتها السياسية وحدها، بل يشمل نفوذها وسيطرتها على جميع المؤسسات المختلفة للحكومة الصومالية.

في الختام، يبدو الوضع مقلقاً في شرق أفريقيا، وأنّ الصراع الدائر بين القوات الحكومية وحركة الشباب يتمدد وينتشر ويتوسع في الدول المجاورة كينيا وأثيوبيا، ويشهد حالة من الاستنفار؛ حيث يشتعل قتال القوات الحكومية ضد الحركة بمؤازرة ميليشيات عشائرية مسلحة، فضلاً عن دعم قوات بعثة الاتحاد الأفريقي، التي تحتاج إلى آلية تنفيذ استراتيجية أخرى ضد حركة تُعدّ الأقوى والأكثر تنظيماً، وهي تنظيم ممكن في مناطق شاسعة.

مواضيع ذات صلة:

الصومال وتغيير النظام الانتخابي: ماذا في جعبة الرئيس؟

أزمة الصومال على طاولة مجلس الأمن الدولي.. هذه أبرز الملفات

الصومال: الإرهابيون يخترقون أجهزة الأمن والمخابرات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية