حرب بلا هوادة ضد إرهاب الإخوان المسلمين في فرنسا

حرب بلا هوادة ضد إرهاب الإخوان المسلمين في فرنسا

حرب بلا هوادة ضد إرهاب الإخوان المسلمين في فرنسا


14/08/2023

لدى فرنسا تحفظات جمّة على نشاط الجماعات الإسلاموية، لا سيّما مع دورها المتنامي في أوساط مجتمعات المهاجرين وبين العرب والمسلمين، الأمر الذي يبعث بمعضلة "النزعات الانعزالية" التي تواجهها باريس لمكافحة الإرهاب. وتكاد فرنسا تختلف عن غيرها من البلدان الأوروبية في مواجهة الإسلام السياسي، خاصة بعد المواجهات العنيفة والدموية مع "الذئاب المنفردة"، وعملياتهم الانتقامية المسلحة.

أنشطة مشبوهة للإسلامويين

منتصف أيار (مايو) الماضي، كشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن تجميد 20 صندوق أوقاف على خلفية ارتباطاتهم بـ"أنشطة مشبوهة" لقوى الإسلام السياسي. ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مسؤول فرنسي رفيع قوله إنّه قد "تم تأسيس هذه الصناديق في عام 2008 لتوجيه الأموال الخاصة نحو الأنشطة ذات الاهتمام العام، ولم يتم مراقبة هذه الصناديق من قبل السلطات الفرنسية".

وفي ملف بعنوان: "الدولة تضرب محفظة تمويل الإخوان"، قالت الصحيفة الفرنسية إنّ "المخابرات الفرنسية، قررت تسريع هجومها على جبهة تنظيم الإخوان المتطرف في فرنسا وضرب التنظيم هذه المرة في التمويل". وأردفت: "بعد عامين ونصف العام من صدمة اغتيال صموئيل باتي، الذي تم قطع رأسه على يد إرهابيين، في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2020، وبعد 5 أشهر من طرد الإمام الإخواني حسن إيقوسين إلى المغرب، حددت المديرية العامة للأمن الداخلي (المخابرات الداخلية الفرنسية) ما لا يقل عن 20 صندوق أوقاف مشبوهاً مرتبطاً بالإسلام السياسي في فرنسا".

شيار خليل: الإخوان يستخدمون الشباب أوراق ضغط ضد دولهم

وبسؤال الكاتب السوري المقيم في فرنسا، شيار خليل، عن الاستراتيجية والسياسة الفرنسية تجاه الإسلامويين، وكذا ملاحقة شبكاتهم المالية، قال لـ"حفريات": "ليست المرة الأولى التي تقوم بها فرنسا بتجميد أموال الإخوان، أو ملاحقة قيادات إخوانية في البلاد. فمنذ عدة أشهر كانت هناك أيضاً مطالب فرنسية من نواب فرنسيين طالبوا وقتها بحظر تنظيم الإخوان المسلمين وإعادة تدقيق ملفاتهم وتمويلاتهم المختلفة".

وتسعى مؤسسات فرنسية إلى البحث عن "تدابير ضد الإسلام الراديكالي في فرنسا للحفاظ على مبادئ الجمهورية. وطالب النواب الفرنسيون بإدراج تنظيم الإخوان المسلمين على لائحة وقوائم الإرهاب. كما أكد النواب أنّه يجب مراقبة سائر تحركات التنظيم الذي يحمل، بحسب رأيهم، الفكر السياسي المتطرف، والمخالف لمبادئ الجمهورية الفرنسية".

رقابة فرنسية على شبكات التمويل

وفق الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي، فإنّ هناك قرابة 20 صندوقاً للتبرعات تتولى إدارة وتمويل الأنشطة الإرهابية. ومنذ النصف الثاني من عام 2021، شرع وزير الداخلية، جيرالد دارمانا، في التحقيق على نطاق واسع بخصوص هذه الصناديق المالية، وذلك إثر الإعلان عن قانون مكافحة الانفصالية الذي ينص على احترام مبادئ الجمهورية.

تختلف فرنسا عن غيرها من البلدان الأوروبية في مواجهة الإسلام السياسي، خاصة بعد المواجهات العنيفة والدموية مع "الذئاب المنفردة"، وعملياتهم الانتقامية المسلحة

وبحسب شبكة "مونت كارول" الدولية، كشفت التسريبات الخاصة بالتحقيق أنّ هذه الصناديق أنشئت منذ عام 2008 عبر جمع تمويلات خاصة نظراً لأنّ صناديق الهبات لم تكن موضع رقابة دقيقة من السلطات، وقام الإسلام السياسي باستغلالها لتمويل نشاطاته المختلفة بعيداً عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة. فيما أدى التحقيق المعمق إلى رصد حوالي 20 صندوق هبات، وتم منع 8 منها، ومن بينهم 4 صناديق صدر بحقها شكاوى قضائية، ومن بينها "الصندوق الأوروبي للنساء المسلمات"، "صندوق الكندي" وصندوق "Apogée" أو "الأوج".

وتابعت: "تمّت مطالبة 5 صناديق أخرى بالإجابة عن أسئلة السلطات، وتقديم تفسيرات لطبيعة عملها، وآلياته، مثل صندوق "الوقف" وصندوق "التنوع للتربية والثقافة"، بينما قام المسؤولون عن صندوقين آخرين بإلغائهما فور تعرضهما للتحقيق. وقامت السلطات، حتى الآن، بتجميد حوالي 25 مليون يورو من أموال هذه الصناديق المختلفة".

كما كشف التحقيق أنّ آلية التمويل تقوم على ارتباط صناديق الهبات هذه بمجموعة من الجمعيات المدنية المنشأة، وفقاً لقانون 1901، أي أنّها جمعيات غير ربحية تنشط في مجالات الخدمات الثقافية والاجتماعية، كما ترتبط الصناديق من جانب آخر بمجموعة من الشركات العقارية لتشكل هذه المجموعات الثلاثة حلقة مغلقة، تقوم بموجبها الشركات العقارية بصب الأموال في صناديق الهبات، التي توزعها بصورة غير قانونية على الجمعيات المدنية المرتبطة بجماعة "الإخوان المسلمين"، وهي جمعيات تتولى رعاية المساجد التي تسيطر عليها الجماعة، وجمعيات تقوم بأنشطة اجتماعية وتربوية من خلال الإشراف على مدارس دينية وقرآنية، وتقديم نوعاً من الرعاية الاجتماعية والصحية.

المجتمع الموازي في فرنسا

ورصد التحقيق حوالي عشر شبكات تسيطر عليها جماعة "الإخوان المسلمين" بينما تمتد من مدينة ليل في الشمال وحتى مدينة مارسيليا في الجنوب، مروراً بالمنطقة الباريسية ومنطقة بوردو.

وتقوم هذه الشبكات بتقديم مختلف أنواع الرعاية للتابعين لها، بداية من توفير فرص عمل في شركات تسمح بارتداء الحجاب والتغيب لأداء صلاة الجمعة، ثم توفير معونات اجتماعية وصحية، وإقامة مدارس دينية وحتى إقامة ورعاية المساجد، فيما يشابه مجتمعاً متكاملاً، مغلقاً على أفراده وموازياً للمجتمع الفرنسي.

وأبدى المحققون مخاوفهم من نمو مظاهر التطرف، وفي مرحلة تالية أعمال العنف، في إطار هذا المجتمع المغلق، حيث يسود حديث ديني متشدد يرفض قواعد العيش في ظل الجمهورية الفرنسية، وأشار مسؤولون أمنيون إلى منظمات أخرى مثل "التجمع الفرنسي للدفاع عن الديمقراطية في مصر" والذي يضم بضع مئات، لم يتجاوزوا القانون في نشاطاتهم التي اقتصرت على المظاهرات وممارسة أنشطة ضغط في صفوف النواب الفرنسيين والأوروبيين، ولكنه – وفقاً للتحقيق – تجمع قريب من تيار الشباب الأكثر راديكالية في جماعة "الإخوان المسلمون". كما يقول التحقيق إنّ الجماعة تتحرك على المستوى الأوروبي مع "مجلس مسلمي أوروبا" الذي يضم عدداً كبيراً من فرنسا وألمانيا ويعقد جمعيته العمومية في تركيا.

في فرنسا، وبسبب تواجد الجالية الإسلامية بشكل كبير في العاصمة باريس، وعدد من المدن الفرنسية، يحاول المتطرفون الراديكاليون من المتاجرين بقضايا الدين والإسلام التغلغل في هذه المجتمعات، وإحداث شرخ في تلك المجتمعات من خلال تعزيز مفاهيم خطاب الكراهية بين أبناء الجالية الفرنسية تجاه الفرنسيين والأوروبيين، ومحاولة تعزيز مفهوم الإسلام المتطرف بين الجالية، وفق الكاتب السوري المقيم في فرنسا شيار خليل، لافتاً إلى أنّ تنظيم الإخوان في السنوات الأخيرة حاول استغلال الشباب من خلال مؤسسات دينية معينة لتوظيفهم في القضايا السياسية التي تخص أوروبا والشرق الأوسط، إلا أنّ جمعيات ومؤسسات عربية وفرنسية وأوروبية أكدت أنّ تلك المحاولات نابعة من مصالح أيديولوجية تابعة لدول معينة تحاول استغلال هؤلاء للتدخل في شؤون فرنسا وأوروبا، ثم تشكيل "أوراق ضغط" سياسية على تلك الدول.

الكاتب شيار خليل لـ"حفريات": هناك تدابير ضد الإسلام الراديكالي للحفاظ على مبادئ الجمهورية. وطالب النواب الفرنسيون بإدراج تنظيم الإخوان على لائحة الإرهاب

أما عن سياسيات فرنسا تجاه قوى الإسلام السياسي فهي "بكل تأكيد تعكس مجموعة متنوعة من المواقف والتحديات، وتتأثر بالعديد من العوامل، بما في ذلك الأمن الداخلي والمصالح الخارجية والقيم والتاريخ السياسي. ففي قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب تعتبر فرنسا مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن الداخلي من أولوياتها. وبناءً على ذلك، قد تتبنى سياسات صارمة تجاه الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تشكل تهديداً للأمن الوطني. يمكن أن يؤثر هذا على علاقتها مع بعض الجماعات الإسلامية"، حسبما يقول خليل.

وفي مجال العلاقات الدولية، فـإنّ "سياسة فرنسا تجاه القوى الإسلامية تعكس أيضاً علاقاتها مع الدول والمنظمات ذات الصلة. قد تتباين هذه العلاقات من تعاون إلى توتر حسب القضايا الإقليمية والدولية. هذا وتولي فرنسا قيماً مثل العلمانية وحقوق الإنسان أهمية كبيرة، وقد تختلف مع الجماعات الإسلامية في بعض المسائل المرتبطة بالقيم والهوية، بجانب أنّها تعتبر دعم الديمقراطية وحقوق المواطنين جزءاً من سياستها، ويمكن أن تتباين مواقفها حول تلك القوى بناء على مدى التزامها بالمشاركة السياسية السلمية".

أما في مجال الحريات الدينية، فرغم التزام فرنسا بمفهوم العلمانية، تحافظ على حرية الدين. ومع ذلك، قد تتخذ إجراءات للحفاظ على مبدأ الفصل بين الدين والسياسة، بحسب الكاتب السوري. وعلى الرغم من التحديات والاختلافات، إلا أنّ فرنسا تتبنى "سياسة توازن بين الحفاظ على الأمن والمصالح الوطنية، واحترام الحقوق والحريات الأساسية. وانطلاقاً من هذه المبادئ كلها، ومن شكاوى النواب والمؤسسات الفرنسية، تسعى فرنسا كدولة إلى محاربة تنظيم الإخوان المسلمين من خلال القرارات الجديدة التي ذهبت إلى حد تجميد أصول أموال التنظيم ومحاربة ومراقبة نشاطاته".

مواضيع ذات صلة:

فرنسا تحظر الحجاب في كرة القدم النسائية... لماذا؟

فرنسا تحاكم جماعة يمينية متطرفة خطيرة.. هذه كانت أهدافها




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية