جماعة الإخوان تستثمر في تلقائية السيسي لإحراجه

جماعة الإخوان تستثمر في تلقائية السيسي لإحراجه

جماعة الإخوان تستثمر في تلقائية السيسي لإحراجه


03/10/2023

 أدت تلقائية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الحديث خلال مؤتمر “حكاية وطن” مساء الأحد، إلى تفسيرات تعسفية لكلماته، فعندما أشار إلى الدور الذي قامت به جماعة الإخوان والطريقة التي تستخدمها في توظيف البلطجية للقيام بعمليات تخريب وتحريض على الدولة، تم اجتزاء الكلام من سياقه الطبيعي، فبدا وكأنه هو من سوف يقوم بهذا الدور إذا قام مصريون بانتفاضة ضد نظامه.

راج فيديو مجتزأ حول هذه المسألة، وحظي بمتابعات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يجد القائمون على الإعلام في مصر سوى منع إذاعته على المواقع الإلكترونية التابعة لهم، وجاءت تفسيراتهم أقل من المستوى في هذه الحالات.

حرص الرئيس السيسي على المشاركة والتعقيب على الكثير من القضايا في فعاليات مؤتمر “حكاية وطن” الذي اختتم الاثنين واهتم برصد الإنجازات التي تحققت على مدار فترة حكمه الأولى والثانية، استعدادا للمشاركة في الانتخابات التي ستجرى في ديسمبر المقبل.

وجاءت مداخلات الرئيس المصري في المؤتمر حاملة لرسائل داخلية وخارجية كثيرة، اعتاد توجيهها في مثل هذه المناسبات الرئاسية، والتي يستخدم فيها مفردات وعبارات من القاموس المصري الشعبي لتقريب وجهة نظره للناس.

يلجأ السيسي إلى إلقاء خطاباته العامة من الذاكرة، ولا يفضل الحديث من خلال ورق يوضع أمامه إلا نادرا، وإذا حصل ذلك قد لا يلتزم بما هو مدون كتابة ويستعين بتلقائيته في الحديث التي تمكنه من الشرح بالعامية المصرية أحيانا.

وتتضمن هذه الطريقة عبارات دارجة ربما يُساء فهمها من قبل البعض وتأتي مصحوبة بصور وفيديوهات تحظى بجاذبية عالية كلما بدت الخطابات أكثر تلقائية، ويستخدم فيها لغة الجسد التي يمكن تفسيرها وفقا للموقف السياسي لصاحبها.

يثق الرئيس السيسي في ذاكرته الشخصية وقدرته على سرد المعلومات وحفظ الأرقام والتواريخ بدقة، ما يجعله يلجأ أحيانا إلى التوضيح بغرض توصيل الرسالة إلى المواطن البسيط الذي يحتاج إلى توجيه الخطاب إليه باللهجة الدارجة التي يسهل عليه فهمها، من هنا تأتي المشكلة، ويستطرد في شهاداته على المرحلة الماضية.

زادت المشكلة مع انتشار المنصات الرقمية التابعة لجماعة الإخوان التي وجدت ضالتها في حشو مادة إعلامية غزيرة اعتمادا على ما يصدر عن السيسي من عبارات تبدو غير مقصودة، وتحوي كلمات حمّالة أوجه، ما يمكّن البعض من إعلاميي الإخوان من الاستفادة منها في توجيه حملات ضده واصطياد ما يناسبهم من المفردات.

منح إعلاميو الإخوان ما يوصف بحديث “الترامادول”، الذي قصد منه السيسي استخدام الإخوان للبلطجية لإرهاب المصريين، أهمية كبيرة في حساباتهم الخاصة والعامة، لأنه ينطوي على تبرئة لاتهامات سابقة للجماعة بارتكاب الكثير من جرائم العنف في الشارع المصري، ووجدوا ضالتهم في كلمات أخرجت من سياقها لتحويل الأنظار بعيدا عنهم في توقيت حرج.

وتريد جماعة الإخوان الإيحاء بأن السيسي إذا أخفق في الانتخابات يمكن أن يتسبب في إحداث فوضى، وهي تضع نصب عينيها رغبتها في العودة إلى المشهد السياسي عبر إضعاف الأمل في الرئيس المصري، والتشكيك في كل إصلاحاته، حتى إذا وقعت حادثة هنا أو هناك تستثمرها في تحميله المسؤولية عنها مباشرة.

يستعد السيسي لانتخابات الرئاسة في خضم تحديات عديدة، أسهمت في تصاعد حدة الانتقادات الموجهة إليه من قبل قوى معارضة لها تحفظات على ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، وتحاول أن توظف بعض الأخطاء لصالحها، بينها حديث الترامادول والبلطجية والإخوان والعنف وتغيير مساره السياسي عنوة، وبدلا من أن يصب في صالح السيسي يتحول إلى أداة ضده.

ينجم عدم حرص الرئيس السيسي على إلقاء خطابات مكتوبة والالتزام بها أمام الجمهور عما تفرضه عليه من قيود ربما تكبله في الاستفاضة السياسية، واقتناعه بعد مرور هذه السنوات في السلطة بأن هذه الطريقة محببة وتمكنه من توصيل أفكاره.

ولا يحيط السيسي نفسه بصحافيين يجيدون كتابة الخطابات الرئاسية البليغة والمتقنة، مثل الرؤساء الراحلين: جمال عبدالناصر الذي كان الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل لصيقا به وناصحا له، وأنور السادات الذي قرّب إليه كل من موسى صبري وأنيس منصور، وحسني مبارك الذي كان مكرم محمد أحمد وإبراهيم نافع أبرز من شاركوا في كتابة خطاباته العامة.

علاوة على أن الرؤساء الثلاثة استعانوا بعدد من السياسيين والدبلوماسيين الذين لعبوا دورا مهما في دعمهم عبر خبرات عملية متراكمة، كان لها أثر بالغ في أوقات كثيرة في الطريقة التي مكنت عبدالناصر والسادات ومبارك من مخاطبة الجماهير بلا تصيد لما حوته كلماتهم، وتعلموا أصول البروتوكول للتعامل مع القيادات في مواقف كثيرة.

لا يعرف الكثير من المصريين ما يدور في مؤسسة الرئاسة في عهد السيسي، وما هي الشخصيات الأكثر قربا منه، ومن هم الكتاب الذين لهم مكانة كبيرة لديه، وكل ما رشح من معلومات يقول إنه يميل إلى الاعتماد على نفسه، ويثق في شخصيات محدودة من داخل المؤسسة العسكرية العريقة، ناهيك عن الأجهزة السيادية التي تقوم بمهامها المتعددة بصورة طبيعية.

يقول مراقبون إن التحديات التي تمر بها مصر، في مقدمتها انتخابات الرئاسة، تفرض على السيسي التخلي عن تلقائيته في الخطابات السياسية، حتى لا يتم التمادي في التفسيرات التعسفية من قبل الإخوان بعد أن فقدت الجماعة قوتها في الداخل، ولا تملك ما تراهن عليه، في وقت تريد دفع الشارع نحو الرفض للنظام المصري.

ويضيف هؤلاء المراقبون أنه لا غنى لأي رئيس عن الاستعانة بمجموعة من المستشارين الأكفاء الذين على دراية بدهاليز الحكم، لمنع تفريغ الكلمات من مضمونها السياسي الحقيقي، وعلى الرئيس السيسي التقليل من تلقائيته في زمن الحملات الانتخابية، لأن المتربصين به سيتزايدون كلما وجدوا خطأ يستخدمونه ضده، وهو ما يمنح الفرصة لتثبيت روايات التفسير القاتم لكلماته.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية