ثلث العراقيين على خطّ الفقر: الميليشيات تستثمر في عطالة الشباب 

ثلث العراقيين على خطّ الفقر: الميليشيات تستثمر في عطالة الشباب 


17/02/2021

يزداد الوضع الاقتصاديّ سوءاً في العراق، مع إجراء كلّ مسح إحصائي للفئات المتضررة مالياً داخل المجتمع، خصوصاً أنّ التفاوت الطبقي أصبح يأخذ مساره الطبيعيّ، نتيجة سياسات النظام السياسيّ "الخاطئة"، التي ولّدت طموحاً جمعياً لدى مختلف العراقيين نحو التوظيف في الدوائر الحكومية، مع تضاؤل واضح لمؤسسات القطاع الخاص وانعدام قوانين الضمان الاجتماعي فيها.

العراق يعيش أوضاعاً شبيهة بأوضاع دول الحلف الإيراني لتشابه العقليات الحاكمة.. واقتصاديون يعزون ارتفاع نسبة الفقر في المدن الجنوبية إلى هيمنة الميليشيات عليها


 عجز الدولة المكتظة بالموظفين وضعف الموارد المالية العراقية في الوقت الراهن، فضلاً عن إرهاصات جائحة كورونا، أدّت إلى ارتفاع نسبة الفقر في البلاد لـ 32%، وهي النسبة الأعلى منذ سقوط نظام صدام حسين، في 2003، ولغاية الآن. 
ويرجح مراقبون إمكانية استثمار الجماعات المسلحة لظاهرة البطالة المتفشية، وكسب الشباب لصفوفها مقابل مرتبات زهيدة تغلف بالأطر العقائدية، في حين تشهد مدن عراقية مختلفة حالات انتحار  كثيرة جراء أزمة البطالة والمشاكل الاجتماعية.

أوضاع شبيهة بدول حلفاء إيران
يعيش العراق أوضاعاً اقتصادية مزرية باتت شبيهة بدول الجوار الموالية للمحور الإيراني، كسوريا ولبنان، فضلاً عن اليمن، وأكّدت الحكومة العراقية تردّي أوضاعها الاقتصادية، حينما أعلنت وزارة التخطيط، مطلع الشهر الجاري، ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 32% مع تزايد حجم السكان إلى 40 مليون نسمة؛ أي بمعنى أنّ ثلث الشعب العراقي يعيش على خطّ الفقر.

يعد الجنوب العراقي هو الأكثر إنتاجاً للنفط الخام والأكثر ضمن وارادت النفط العامة في البلاد
وعن تلك التطورات السلبية، يعلّق الباحث السياسي محمد الشمري: "أوضاعنا الداخلية تكاد تشابه أوضاع ما تسمى "دول محور الممانعة"؛ من حيث تزايد نسبة الفقر وانهيار العملة الوطنية وعدم الاستقرار السياسي، وفشل الجهات المختصة في معالجة أزمة كورونا لدينا، وفي تلك الدول"، مضيفاً لـ "حفريات": "العراق ولبنان في مصافّ الدول العربية المتقدمة بعدد المصابين بالوباء العالمي؛ أي بعكس الدول الخليجية التي حاولت السيطرة على المشهد الوبائي".

الأكاديمي العراقي مهيمن الساعدي لـ"حفريات": بلادنا تحتلّ المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، بسبب آفة الفساد الذي تنخرُ النظام السياسي

 

وأكّد الشمري: "حتى العملات المحلية لبلدان الحلف الإيراني، تعرضت لانهيارات وتراجعات كبيرة، أمام العملة الدولية، تحديداً الدولار الأمريكي"، عازياً ذلك إلى "تشابه العقلية الحاكمة لتلك الأنظمة المتناغمة سياسياً مع طهران". 

الجنوب الشيعي الأكثر فقراً 
تمتاز جغرافية محافظات جنوب العراق، الذي تقطنهُ الغالبية الشيعية، بالغنى الاقتصادي نتيجة تعدد ثرواتها، بين النفط والغاز والسياحة الدينية، وتشكّل موارد محافظة البصرة في أقصى الجنوب 90% من موارد البلاد العامة، لكنّ سكان المدن الشيعية الخاضعة لحكم الإسلام السياسي الشيعي، كانوا في مقدمة النتائج الإجرائية بشأن معرفة مستوى خط الفقر في البلاد، يليهم سكان المدن السنية المحررة من داعش، ومن ثم سكان إقليم كردستان. 

اقرأ أيضاً: بعد القبض على "عصابة الموت" في العراق: هل تنتهي الاغتيالات؟

أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة ميسان، ميهمن الساعدي، يرى حلول سكان الجنوب في صدارة الإجراء المسحيّ لمعرفة نسب خط الفقر في العراق؛ أنّه "أمر طبيعي"، ويقول لـ "حفريات": "بلادنا تحتلّ المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية، وذلك مردّه إلى آفة الفساد الذي تنخرُ بالنظام السياسي". 

اقرأ أيضاً: هجوم أربيل... هل يفتح النار على الميليشيات العراقية الموالية لإيران؟

ويتابع: "عائدات بيع النفط والغاز، وغيرها من الموارد، تسير بطرق غير قانونية ولصالح القوى المتنفذة في الدولة، وعلى حساب الصالح العام"، لافتاً إلى أنّ "الجنوبيين أصبحت خيراتهم نقمة عليهم لخضوع مناطقهم لسلطة الميليشيات".

وتتضمن مقاييس وزارة التخطيط العراقية في معرفة مؤشرات نسب الفقر داخل المجتمع، جوانب تتعلق بـ: "السكن"، و"الصحة"، و"التعليم"، و"التأمين الغذائي".

بيئة صالحة للاحتجاج الدائم
ومن أبرز المحافظات الجنوبية المتصدرة لمؤشرات الفقر الأخيرة؛ محافظة المثنى، التي بلغت النسبة فيها 52%، تلتها محافظة الديوانية (49%)، ومن ثم محافظة ذي قار (48%)، أما محافظة ميسان؛ فقد بلغت نسبة الفقر فيها (47%)، ومجمل تلك المحافظات تزدهرُ فيها الموارد الزراعية والنفط والزئبق، لكنّها تصدّرت، رغم ذلك، التصنيف الإحصائي الخاص بالطبقات الفقيرة في البلاد، بينما يفترض أن تتصدر المناطق السنية التصنيف، لجهة أنّها مناطق غالبيتها مدمرة من حيث البنى التحتية وهجرة سكانها، قبيل وبعد معارك تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، نتيجة الحرب وشلل الرواج الاقتصادي فيها وقلة فرص العمل لأبنائها، ورغم ذلك جاءت تلك المدن في المرتبة الثانية؛ حيث وقفت نسبة الفقر في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين على 41%.  

تظاهرات خريجي الجامعات العراقية مستمرة أمام الوزارات للمطالبة بالتوظيف الحكومي

لهذا، دائماً ما تكون المدن الشيعية بيئةً صالحةً للاحتجاجات الشعبية العنيفة ضدّ منظومة الحكم المحلي فيها، والمركزي في العاصمة بغداد، وما يزال سعير الاحتجاج عالياً في تلك المدن؛ حيث يرفع الشباب هناك شعارات تطالب بـ "مكافحة البطالة"، و"محاربة الفساد"، و"بسط سلطة الدولة على سلطة الميليشيات"، كما أنّ هناك مئات المشاريع الخدمية والإستراتيجية المعطَّلة، أو المتلكئة، نتيجة السرقات المجهولة للمال العام المرصود، وضعف أجهزة الرقابة الحكومية في متابعة المقصرين.  

من مخلّفات الفقر 
وأدّت مخلفات الفقر الذي ازداد في العراق، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها، ومضاعفات جائحة كورونا، إلى تعرض المجتمع العراقي إلى هزّات قوية، ارتكزت كثيراً حول ديمومة الأسرة العراقية من عدمها.
يذكر أنّ جائحة كورونا أضافت مليوني عائلة عراقية إلى فئة الفقراء، بحسب تصريح مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي للحكومة، في 13 كانون الثاني (يناير) 2021. 

مجلس القضاء الأعلى العراقي يكشف عن ارتفاع حالات الطلاق بين الفئات العمرية الصغيرة
وقد شهدت المحاكم العراقية ارتفاعاً في نسب الطلاق بين الأزواج، وتشتّت أسر كثيرة جرّاء الفقر والبطالة وغموض المستقبل؛ فبحسب مجلس القضاء الأعلى العراقي؛ فإنّ "المحاكم العراقية تسجل يومياً 274 حالة طلاق، أي ما يعادل 11 حالة في الساعة الواحدة"، أغلبها يعزى إلى الظروف المعيشية والضغوطات النفسية على الأسرة، كما أنّ "أعمار المتطلقين أغلبها من مواليد 1990 فما فوق".

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل تركيا في شمال العراق؟
ويعزو مرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة، حالات الطلاق المبكر إلى "الزواج غير الناضج ومواقع التواصل الاجتماعي، والظروف الاقتصادية، التي تعدّ من أبرز أسباب حالات الطلاق بالفترة الأخيرة"، مؤكداً أنّ "الإحصائية الجديدة هي الأعلى تاريخياً في البلاد".
مخاوف مجتمعية 
من جانب آخر، تصاعدت حالات الانتحار، خلال الأعوام الأخيرة، بين فئة الشباب العراقي، نتيجة تدهور أوضاعهم الاقتصادية وانتكاساتهم النفسية؛ حيث يُرجّح باحثون اجتماعيون إمكانية شيوع "البغاء" بشكل واسع، في حال تنامي الفقر  في شرائح مجتمعية، أمثال الأرامل والمطلقات.  

ويقول الباحث الاجتماعي علي الخالدي: "تمّ تسجيل ثلاثة آلاف حالة انتحار، في أعوام (2019 و2020 و2021)، بسبب مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية، إلى جانب حالات التفكك الأسري".

اقرأ أيضاً: تركيا تنهي عملية مخلب النسر 2 شمال العراق... تفاصيل
وأكد لـ "حفريات"؛ أنّ "طرق الانتحار تراوحت بين الشنق بالحبل والغرق واستخدام السلاح الناري"، مشيراً إلى أنّ "الانتحار يشمل الرجال والنساء، لا سيما الفتيات".
 
وعن مؤشرات الفقر العالية قال إنّ "الفقر سيعرّض شرائح اجتماعية عدة للضياع، ولا أستبعد انتشار البغاء في مجتمع يعجّ بالنساء الفقيرات من شريحة الأرامل والمطلقات، فالحاجة قد تدفع بعضهنّ إلى ذلك". 
وأشار الباحث الاجتماعي إلى أنّ "القانون العراقي يمنح المرأة المطلقة حقوقاً مادية زهيدة جداً لا تكاد تسدّ رمقها، وإضافة لكون ذلك غير كافِ لها، إلا أنّ نساءً كثيرات يتنازلن عن هذا الحقّ بسبب تعرّضهنّ للتعنيف والضغط". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية