ثقافة الكراهية ومعالجتها

ثقافة الكراهية ومعالجتها


07/08/2019

ديفيد بروكس

كثيرون ممن يقتلون الناس بالجملة، يستمدون إلهامهم للقتل من أيديولوجية مشتركة، يأملون انتشارها عبر موجة إرهاب، وأوضح تعبير عن هذه الأيديولوجية، ما كتبه الرجل المتهم بحادث القتل في كرايستشيرش في نيوزيلندا، والبيان الذي أصدره هذا الرجل، أشار إليه إرهابيون آخرون مثل المتهم بالقتل الجماعي في مدينة الباسو بولاية تكساس قبل أيام قليلة. صحيح أن الرجل، كتب يتحدث عن رحلاته حول العالم، وقال: «في كل مكان سافرت إليه، باستثناءات قليلة، عوملت بشكل رائع كضيف بل حتى كصديق، الثقافات المختلفة رحبت بي بود وتعاطف، واستمتعتُ كثيراً بكل لحظة قضيتها معهم». لكن الأيديولوجيا التي دافع عنها كانت عنصرية للغاية، وأول ملمح لها هو فكرة الجوهر، أي أن أهم شيء يمكنك معرفته عن الشخص هو عرقه، فالأبيض يرى العالم باعتباره أبيض، واللاتيني يرى العالم باعتباره لاتينياً. وثاني ملمح هو الفصل، فالأعراق صحية حين تكون نقية وغير مختلطة، والعالم يكون صحياً حين يعيش الأشخاص من أعراق مختلفة بعيدين عن بعضهم البعض، لكنه يمرض حين تختلط الأعراق. وكتب المشتبه به في حادث القتل الجماعي في الباسو، يقول: «أنا ضد اختلاط الأعراق، لأنه يدمر التنوع الجيني، ويخلق مشكلات هوية». والملمح الثالث هو الداروينية العرقية، أي أن الأعراق يحتدم بينها صراع دارويني، يحاول فيه كل عرق التفوق على منافسيه، وفي الوقت الحالي، نجد أن أعراق البشرة السوداء أقوى من الأعراق البيضاء، وعلى وشك طمسها عن طريق الإنجاب، وكتب المشتبه به في حادث كرايستشيرش، يقول إن المهاجرين جاؤوا من «ثقافة بها معدلات خصوبة أعلى، وتقاليد راسخة تسعى إلى احتلال أراضي شعبي، والحلول محلَّه عرقياً».
هذه ليست أيديولوجية نابعة من ثقة البيض بأنفسهم، بل من شعورهم بعدم الأمان، وهي صيغة متطرفة من حركة أوسع تعادي التعدد، وتظهر في صور كثيرة، فالقوميون المؤيدون لترامب والشعبويون السلطويون والمتطرفون الإسلاميون.. هم نسخ مختلفة من معاداة التعدد، وهذه الحركات تمثل رد فعل ضد طبيعة الحياة الحديثة، التي تعتمد على التنوع والسيولة والاعتماد المتبادل، ومعادو التعدد يتوقون إلى العودة للحدود الواضحة والحقائق المحسومة والهويات المستقرة، ويقتلون من أجل وهم عالم يتألق في خيالهم، لكنه لم يوجد قط في الواقع، والصراع بين التعددية ومعاداة التعددية هو أحد صراعات الموت الكبيرة في عصرنا، والمندلعة على كل جبهة.
لكننا لا نؤمن بأن البشر يمكن تقليصهم في لافتة عرقية واحدة، بل كل شخص يمثل سمفونية من الهويات، وحياتنا ثرية لأن كل واحد منا ينطوي على تعدد، والتعدديون يؤمنون بالاندماج وليس بالفصل، والاندماج يدفع معادي التعددية إلى الهلع، فقبل نصف قرن تجاوز عدد صغير من الزيجات خطوط اللون، والآن هناك 17% من الزيجات الأميركية بين أعراق مختلفة. والتعدديون يوسعون دوماً تعريف كلمة «نحن» ولا يقيدونها، فقبل 80 عاماً لم يكن هناك وئام بين البروتستانت والكاثوليك واليهود، لذا ظهرت فئة جديدة، وهي المسيحيون اليهود التي جمعت المتخاصمين سابقاً في «نحن» جديدة، وقبل 30 عاماً كانت الخصومات تتصاعد بين السود والهسبانك، فظهرت فئة «الملونين» الجديدة، لتخلق «نحن» أوسع نطاقاً.
أما الثقافة النقية فهي ثقافة ميتة، والحضارة التي يسعى الانفصاليون للحفاظ عليها كانت هي نفسها نتاج موجات مبكرة من الهجرة، وأخيراً، فالتعدد مغامرة حياة، والتعددية ليست مجرد عيش أشخاص متنوعين في مكان واحد، بل هي تداخل وتمازج، إنها حوار مستمر بلا نهاية.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية