تونس: هل يقطع القانون الانتخابي الجديد الطريق أمام المال السياسي الفاسد؟

تونس: هل يقطع القانون الانتخابي الجديد الطريق أمام المال السياسي الفاسد؟

تونس: هل يقطع القانون الانتخابي الجديد الطريق أمام المال السياسي الفاسد؟


09/10/2022

قبيل إغلاق أبواب الترشح للانتخابات البرلمانية التونسية السابقة لأوانها المقرّر إجراؤها في 17 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، تصاعدت مخاوف التونسيين من انتشار ظاهرة استعمال المال "الفاسد" لشراء التزكيات، تمهيداً لشراء الأصوات يوم الاقتراع، ممّا قد يشوّه العملية الانتخابية، فضلاً عن إمكانية حرمان أبناء المناطق الصغيرة والأحياء الشعبية، ممّن هدف القانون الانتخابي لخدمتهم، من الصعود إلى البرلمان الجديد.

مخاوف استجاب لها الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي تعهّد بإدخال تعديل جديد على القانون الانتخابي، وذلك قبل نحو شهرين من الاستحقاق الانتخابي المقبل، وقال سعيّد في بيان صدر عن الرئاسة مساء الجمعة: إنّه سيجري تعديلاً جديداً على القانون الانتخابي، مبرراً خطوته بوجود "تلاعب بالتزكيات" وتفشي "المال الفاسد"، معتبراً أنّ "الواجب الوطني المقدّس يقتضي تعديله للحدّ من هذه الظاهرة المشينة".

وأكد سعيّد، في لقاء جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن على "ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، ووضع حدٍّ لظاهرة المال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات، خاصة بعدما تبين أنّ عدداً من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانونياً، وصارت التزكيات سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى".

وقال سعيّد في بيان للرئاسة: إنّه "إذا كان التشريع الحالي (مرسوم القانون الانتخابي) لم يحقق أهدافه، فالواجب الوطني المقدّس يقتضي تعديله للحدّ من هذه الظاهرة المشينة، خاصة أنّ الذين تم إيقافهم ووقعت إحالتهم للعدالة هدفهم هو إدخال الارتباك في صفوف المواطنين وبثّ الفوضى، خوفاً من الإرادة الشعبية الحقيقية التي ستفرزها صناديق الاقتراع يوم 17 كانون الأول (ديسمبر)"، حسب قوله.

الرئيس التونسي قيس سعيّد تعهّد بإدخال تعديل جديد على القانون الانتخابي

ومن المنتظر أن يُنشر النص الجديد للقانون الانتخابي بالجريدة الرسمية اليوم أو غداً، وهو القانون الذي على أساسه سيتم تنظيم الانتخابات البرلمانية المقبلة.

هذا، وكشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في بيانها الخميس أنّه "تم التفطن إلى محاولات بعض الراغبين في الترشح لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب الحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية، وذلك إمّا باستعمال الوسائل والموارد العمومية أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات".

وأكدت الهيئة أنّ النيابة العمومية تعهدت بملفات بعض تلك الحالات وأذنت بفتح أبحاث والاحتفاظ بالمشتبه بهم.

شراء التزكيات أصبح أمراً واضحاً من عناصر الإسلام السياسي، أو من كبار المهربين والمحتكرين، ومن تلاحقهم شبهات الفساد

 

وبحسب مراقبين، فإنّ شراء التزكيات أصبح أمراً واضحاً في عدد من مناطق البلاد، وخاصة من قبل الساعين للترشح لعضوية مجلس نواب الشعب، سواء من عناصر الإسلام السياسي، أو من كبار المهربين والمحتكرين، ومن تلاحقهم شبهات الفساد، وهو ما ينذر بوصول فاسدين أو متطرفين إلى قبة البرلمان.

في الأثناء، انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي شكاوى من عدد من المواطنين يؤكدون أنّهم تعرّضوا لمحاولات مساومة لشراء تزكياتهم لترشيح عدد من نواب المجلس الجديد، وأكد عدد من نشطاء التواصل الاجتماعي باعتبارهم شهوداً أنّ ثمن التزكية الواحدة وصل إلى ما يقارب (200) دينار (61) دولاراً للصوت الواحد.

من جانبها، أكدت القيادية في حركة الشعب ليلى الحداد وجود المال السياسي فيما يتعلق بالتزكيات للترشح للانتخابات التشريعية، وأشارت في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى أنّ أعضاء من حركتها أكدوا أنّ التزكيات تُشترى بـ (10) دنانير (3) دولارات بالنسبة إلى تلاميذ البكالوريا، إضافة إلى وصولات أدوات مكتبية بـ (30) ديناراً (9) دولارات للعائلات.

مسألة التزكيات للانتخابات تفتح الباب للأحزاب ولأصحاب المال للتسلل، وحرمان المواطن العادي من حقه في الترشح

 

المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ناصر الهرابي كان قد شدّد أيضاً على أنّهم "يرفضون تماماً مسألة التزكيات للانتخابات، لأنّها تفتح الباب للأحزاب للتسلل ولأصحاب المال، وحرمان المواطن العادي من حقه في الترشح".

وأقرّ الهرابي في تصريح إذاعي بأنّ المواطن العادي لا يمكنه جمع (400) تزكية، ومن المستحيل أن يحصل عليها، وفق تعبيره.

وكان القانون الانتخابي الجديد قد قوبل بردود فعل متباينة بلورتها مواقف لشخصيات سياسية معارضة وأخرى داعمة للمسار السياسي الذي ينهجه الرئيس قيس سعيد، وقد اعتبر بعض الأطراف أنّ القانون الجديد سيؤسس لمشهد سياسي مختلف عن السائد، وسيطوي صفحة الأحزاب السياسية بمفهومها التقليدي، ولكن أكدت أطراف أخرى أنّ هذا النظام الانتخابي يقوّي "شوكة الأفراد"، نظراً لأنّ الاقتراع سيكون على أفراد وليس على قوائم انتخابية، كما كان الحال في المحطات الانتخابية السابقة في تونس منذ عام 2011.

ناصر الهرابي: المواطن العادي لا يمكنه جمع (400) تزكية، ومن المستحيل أن يحصل عليها

ونص القانون الجديد على التقليص في عدد أعضاء البرلمان الذي سينبثق عن الانتخابات البرلمانية المقررة يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) المقبل من (217) نائباً إلى (161) نائباً، ورفع عدد الدوائر الانتخابية إلى (161) دائرة، موزعة بين (151) داخل تونس و(10) دوائر خارجها، بعدما كان العدد سابقاً في حدود (33) دائرة انتخابية، من بينها (6) دوائر انتخابية في الخارج.

كما تضمّن هذا القانون عدداً من شروط الترشح، من أهمها شرط تزكية (400) ناخب لكل مرشح، واستخراج بطاقة السوابق العدلية، والقيام بالواجب الجبائي، إلى جانب استثناء العاملين في عدد من القطاعات المهنية من الترشح إلا بعد عام من مغادرتهم لنشاطهم المهني. وقد منع المرسوم الجديد العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي من التسجيل في سجل الناخبين والتصويت.

ووفق القانون الجديد، لا يحق لأعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين، والقضاة، ورؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية، والولاة، والمعتمدين الأول، والكتّاب العامين للولايات (المحافظات)، والمعتمدين والعمد (وهم ممثلو الحكومة في المناطق المحلية)، والأئمة، ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية، الترشح لعضوية البرلمان الجديد إلا بعد مرور عام من انتهاء وظائفهم.

جدير بالذكر أنّ مجموعة من الأحزاب من مختلف الحساسيات الفكرية، إضافة إلى "النهضة" و"الدستوري الحر"، قررت مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، على غرار حزب العمال اليساري وحزب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب آفاق وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى، بزعم أنّها لا تعترف بشرعية الدستور أو بالقرارات المتخذة بعد 25 تموز (يوليو) 2021.

مواضيع ذات صلة:

مستقبل حركة النهضة في تونس..ماذا بعد إحالة الغنوشي إلى قاضي مكافحة الإرهاب؟

هل يشهد الاقتصاد التونسي انفراجة قريبة؟

تونس: اعتقال آمر سابق لمطار قرطاج وتمديد حبس إخوانيين اثنين... ما علاقة سوريا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية