تونس: هل قطف الشيوخ أحلام ثورة الشباب؟

تونس

تونس: هل قطف الشيوخ أحلام ثورة الشباب؟


27/01/2019

ينص الدستور التونسي في فصله الثامن على أنّ "الشباب قوّة فاعلة في بناء الوطن، وعلى الدولة أن تحرص على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدراته وتفعيل طاقاته، وأن تعمل على توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية"، غير أنّ الدراسات والإحصائيات المختلفة تقول إنّ مشاركته في الحياة السياسية لم تتعدَّ الـ5% منذ ثورة يناير 2011!

اقرأ أيضاً: الدعوة إلى إضراب في تونس.. وحركة النهضة توضّح موقفها
ويبدو الشباب التونسي منذ الثورة إلى اليوم، حاضراً في الاحتجاجات، غائباً عن المشاركة السياسية سواء في شكلها العملي المباشر عبر الانتماء للأحزاب، أو في شكلها المواطني كالمشاركة في الانتخابات، كما يبدو غيابه لافتاً في المناصب الحكومية، وفي المشاركة في صناعة القرار، وإبداء الرأي في الشأن العام.
عزوف وإقصاء الفئة الشابّة
وبالنظر إلى واقع البلاد، فإنّ الرئاسة يتولاها حالياً الباجي قايد السبسي (93 عاماً)، ويرأس البرلمان محمد الناصر (85 عاماً)، فيما يتزعّم الحكومة يوسف الشاهد (41 عاماً)، وهو أصغر سياسي يتم تكليفه بهذا المنصب في تاريخ تونس منذ استقلالها عن فرنسا العام 1956، خلفاً لرئيس الحكومة السابق حبيب الصيد (70 عاماً).

 الباجي قايد السبسي
هذا وأكّد مؤخراً سفيان طوبال، رئيس كتلة نداء تونس، الذي انضمّ حديثاً إلى المعارضة بعد تولي الحكم خلال الأعوام الأربع الماضية، في تصريح لإذاعة "شمس إف إم"، أنّ مؤسس وزعيم الحزب الباجي قايد السبسي، له الأولوية في الترشح للانتخابات الرئاسية المُفترض إجراؤها خلال كانون الأوّل (ديسمبر) من العام الجاري، إذا عبر عن نيته للترشح.

اقرأ أيضاً: في تونس.. انتقاد الإخوان المسلمين "جريمة" عقوبتها السجن!
من جهتها، أكّدت يمينة الزغلامي، النائبة عن حزب حركة النهضة الإسلامية (في الحكم)، في مداخلة لها على إذاعة" الديوان اف ام"، أنّ زعيم الحركة راشد الغنوشي (78 عاماً) هو مرشّحهم للانتخابات الرئاسية، و"إذا لم يرغب في الترشّح فإنّه سيتولى تقديم الأسماء التي سيتم انتخابها لاحقاً من طرف مؤسسات الحركة".
كما أعلن أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد (61 عاماً)، لموقع "حقائق أون لاين" في أيلول (سبتمبر) 2018، نيّته الترشح للانتخابات الرئاسية "هما وغماً وابتلاءً"، مؤكّداً أنه إذا تحمّلها فذلك انطلاقاً من "شعور عميق بالواجب"، للاستجابة لدعوات الشعب التونسي، لافتاً إلى أنّه لا يطمح إلى هذه المسؤولية، ولكن سيتحملها من أجل تونس؛ لأنّها تستحق، حسب قوله، وضعاً أفضل من الوضع الذي تردّت فيه، وبأنّه  يريد أن تعود السيادة إلى الشعب التونسي، وإلى البؤساء والفقراء الذين يزداد بؤسهم يوماً بعد يومٍ.

بوعلاقي: النظام الشيخوخي هو ما يميّز المشهد السياسي في تونس ما بعد الثورة

في هذا السياق، ترى الناشطة في المجتمع المدني سناء بوعلاقي (30 عاماً)  أنّ "النظام الشيخوخي"، هو ما يميّز المشهد السياسي في تونس ما بعد الثورة، في ظلّ عزوف وإقصاء الفئة الشابّة، بسبب "تعفّن الوضع، و"نقص الوعي، وانعدام الثقة في المؤطّرين السياسيين، وهو ما ولّد هوةً بين الأجيال"، بحسب قولها.
وتضيف بوعلاقي في تصريحها لـ "حفريات" أنّ الشباب يعيش تحولاتٍ شبه متناقضةٍ، فهو من جهةٍ يرفض الانخراط في العمل السياسي، ومن جهة أخرى يشارك وينظّم كلّ التحرّكات الاحتجاجية، ويستنزف مجهوده في فضاء الاحتجاج الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
وتفسّر الناشطة تصدّر "المسنّين" للمشهد بـ "المجهودات الكبيرة لبعض الجهات التي لها مصلحة في المحافظة على النظام القديم، بأيادٍ جديدةٍ عابثةٍ، غير أنّها أكثر فساداً من التي سبقتها".

عدم إشراك الشباب في الفعل السياسي، خلق لديهم سلوكاً من اللامبالاة والاستهتار

لامبالاة شبابية

ويرى مختصون في الشأن الاجتماعي أنّ تهميش الشباب في تونس وعدم إشراكهم في الفعل السياسي، خلق لديهم سلوكاً من اللامبالاة والاستهتار، وجعل طيفاً منهم يجد له مبرراً في الاستقالة الجماعية من المشاركة، وفي ترويج ثقافة اليأس، وعدم الجدوى من صوته في تغيير المعادلة.
ويؤكّد الباحث في علم الاجتماع، سامي نصر، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ تونس عادت إلى مربّع اليأس الذي كانت تعيشه قبل الثورة بعام واحد، عندما أكّدت نتائج دراساتٍ أنّ 80% من الشباب التونسي لا يرغب في الإقبال على المشاركة في العمل السياسي.

سامي نصر: من ينادون بضرورة توظيف أصحاب الخبرات والكفاءات أعطوا شرعيّةً لإقصاء الشباب من تسيير البلاد

ويعتبر أنّ القائمين على الدولة الذين ينادون بضرورة توظيف أصحاب الخبرات والكفاءات في المناصب العليا، من أجل إنجاح التجربة التونسية، "أعطوا شرعيّةً لإقصاء الشباب من تسيير البلاد التي أقام فيها ثورةً، وساهموا في إعادة إنتاج السياسيين، وتعيين أشخاصٍ فشلوا في إدارة الشأن العام قبل 14 كانون الثاني (يناير) 2011، في المناصب المهمّة".
ويلفت نصر إلى أنّ البلاد تعيش أزمة ثقةٍ يكنّها السياسيون تجاه الشباب، "بدت واضحةً من خلال حرمانهم من ترؤس الأحزاب، وترشيحهم للانتخابات، وأيضاً عدم تسليمهم مناصب حكوميةٍ مهمة، وهو ما خلق ارتداداً فقد على إثره الشباب الثقة في السياسيين".

اقرأ أيضاً: صاحب مقولة "هرمنا" يؤكد: ندمنا و"الجزيرة" تاجرت بالشعب التونسي
ويرجّح الباحث في علم الاجتماع أن يواجه الشباب عراقيل كثيرةً في حال فكّر في الترشّح للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، "في مقدّمتها ضعف موارده المالية، مقابل من يسيطرون على المشهد السياسي، لكنّه قد يحقق نتائج جيّدةً".
هل الأفق يحمل أملاً؟
وفي وقت كشفت فيه دراسةٌ لمنظمة الناخبات التونسيات أُعلنت في 7 كانون الثاني (يناير) 2019 أنّ حوالي 75% من شباب تونس ونسائها لا يرغبون بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، والرئاسية المقبلة، فإنّ عدداً قليلاً من الشباب مايزال متشبّثاً بمساره الإصلاحي، ويؤكّد ذلك عبد الحق بسدوري (31 عاماً)، أحد الشباب المشاركين في الحراك الثوري منذ بدايته، الذي قال إنّه سيترشّح، رغم ما يحدث، في الانتخابات البرلمانية القادمة، "من أجل محاولة إخراج الشباب عن دائرة اللّافعل، إيماناً بأنّ أيّ معركةٍ تخاض هدفها المراكمة لمعارك أكبر أوّلاً، ولأنّ الطبيعة لا تحتمل الفراغ".

اقرأ أيضاً: "بوعزيزي" جديد يعيد سيناريو 2011 إلى تونس
ووصف في تصريحه لـ "حفريات"، ما يعيشه شباب الثورة، خلال الأعوام الأخيرة، بـ"الصدمة النفسيّة"؛ لأنّهم حلموا بدولة العدل والمساواة، بعد ثورتهم لكن الواقع كان غير ذلك، "خاصّةً بعد عودة دولة النظام السابق، سواء على مستوى الممارسة السياسية، أو على مستوى الأشخاص المتصدّرين للمشهد"، وفق قوله.
وأشار إلى أنّ شقاً من الشباب يرفض الدخول في الحياة السياسية "بصفته قاعدياً أو قيادياً، لما يراه من حالة تعفّنٍ سياسي وأخلاقي، وهو ما جعله يتّخذ موقف المشاهد"، ويتوقع عبد الحق أن "يعيد الشباب الكرّة ويفجروا ثورةً حقيقيّةً في الأعوام المقبلة، تصحّح أخطاء الماضي، وتصلح مسار الثورة الأولى، التي تحقّق أهدافهم، ومطالبهم".

الثورة التونسية "لم تتمكن من إحداث ‏تغييرٍ جوهري"

تناقضات المشهد

وفي هذا السياق لا يرى المحلل السياسي، فريد العليبي، أنّ الأمر يتعلق بـ"مؤامرةٍ على شباب منتصرٍ سرق منه الشيوخ ثورته فظل ينظر إليهم ‏بحيرةٍ، متوسلاً أن يعيدوا له ما أخذوه، وإنّما بمسار الحدث التونسي نفسه."

فريد العليبي: بن علي رحل لكنّ النّظام التونسي القديم ظلّ قائماً وتصدر رموز الإسلام السياسي المشهد

وأوضح في تصريحه لـ "حفريات" أنّه "رغم رحيل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، فإنّ النّظام التونسي القديم ظلّ قائماً". ويرى أنّ الثورة التونسية "لم تتمكن من إحداث ‏تغييرٍ جوهري في بنية الاقتصاد، والسياسة والاجتماع، والثقافة"، بل إنّها تحوّلت، وفق العليبي "إلى كوابيس ‏من حيث نتائجها، وهو ما يفسّر تصدّر الرموز الدستورية (نسبةً إلى حزب التجمّع الدستوري المنحلّ) للمشهد ‏السياسي، إلى جانب رموز الإسلام السياسي الذي وصل إلى السلطة بصفقةٍ أشرفت عليها ‏القوى الداعمة للإخوان المسلمين".
ويعتقد العليبي أنّ التناقض الذي بُني عليه المشهد التونسي، "لا يقتصر فقط على إقصاء الشباب، وتصدّر الشيوخ، بل على تناقضات ‏أخرى كالتناقض بين جهاتٍ وفئاتٍ محرومةٍ وأخرى مرفّهة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية