
برغم فشل كل محاولاتها في العودة إلى المشهد السياسي من باب المعارضة بعد عقد قضته في الحكم، شهد موجات من العمليات الإرهابية وسفر أعداد ضخمة من الشباب المغرر بهم على بؤ التوتر، فضلا عن تورطها في الاغتيالات السياسية وفي جملة من قضايا الفساد المالي والسياسي، شهد إخوان تونس فشلا جديدا سابقا لأوانه.
فقد أعلن الحزب الجمهوري، "مكوّن من مكونات جبهة الخلاص الإخوانية"، أنّه يسحب ترشيح أمينه العام المعتقل في السجن بتهمة "التآمر على أمن الدولة" عصام الشابي لخوض الانتخابات الرئاسية في تونس المقررة في 6 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بعد أن جرى رفض طلب الشابي للحصول على وثيقة التزكيات، وفق ما نقل موقع (العين الإخبارية).
وأكد الحزب أنّ محامي الشابي لم يتمكن من الحصول على توكيل خاص لتقديم طلب لسحب الاستمارة الخاصة بجمع التزكيات الشعبية، وأنّ ذلك دفع بالحزب إلى اتخاذ قرار التراجع عن الترشح.
تكتيك جديد للفشل
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أنّ عصام الشابي يدرك أنّه ممنوع من الترشح نظراً إلى أنّه مسجون في قضية التآمر على أمن الدولة منذ شباط (فبراير) 2023، وهي تهمة عقوبتها الإعدام، لكنّ جماعة الإخوان تتقن لعب دور المظلومية، لذلك أعلن ترشحه، ثم سحب الترشح بعد يومين.
وللمرة الأولى تقرّ هيئة الانتخابات في تونس شرط تقديم السجل العدلي، "صحيفة السوابق الجنائية"، ضمن أوراق الترشح للانتخابات الرئاسية.
من جهته، قال محمد الميداني المحلل السياسي التونسي: إنّ عصام الشابي يدرك جيداً أنّه لا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية باعتباره سجيناً في تهمة خطيرة، وهي التآمر على أمن الدولة، والتخطيط لقلب النظام والانقلاب على حكم الرئيس قيس سعيّد.
وأكد الميداني في تصريح لموقع "العين الإخبارية"، أنّ الغاية من ترشيح جبهة الخلاص الإخوانية لعصام الشابي هي لفت الأنظار والاستعراض أمام الرأي العام الدولي وإظهار أنفسهم كأبرياء وضحايا الاستبداد.
وقال: إنّ "لعبة التباكي تتقنها جيداً جماعة الإخوان، لتظهر بأنّ النظام الحالي يريد إقصاءها من الحكم"، مؤكدا أن جبهة الخلاص تريد بالقوة العودة إلى المشهد السياسي، لأنّها تعتبر أنّ الوسيلة لإعادة التموقع وإدارة الشأن العام هي رئاسة الدولة.
وينص الدستور التونسي لعام 2022 على أن "الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكلّ تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب وأم، وجد لأب، وجد لأم تونسيين، وكلّهم تونسيون دون انقطاع، ويجب أن يكون المترشح أو المترشحة بالغا من العمر أربعين سنة على الأقل، ومتمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية".
سلسلة من الفشل
كما فشلت رهانات حركة النهضة وأذرعها على حشد الشارع واستثمار الأزمة خلال الفترة الماضية، ولم تجد دعوات التظاهر ترحيباً في الأوساط الشعبية، رغم المحاولات المتكررة واستعمال كل طرق الدعاية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ورغم محاولتها إيهام الشعب بأن الرئيس قيس سعيد والحكومة هما السبب في تردي الأوضاع الاقتصادية.
الغاية من ترشيح جبهة الخلاص الإخوانية لعصام الشابي هي لفت الأنظار والاستعراض أمام الرأي العام الدولي وإظهار أنفسهم كأبرياء وضحايا
ويرى مراقبون أن المجتمع التونسي يرفض عودة النهضة إلى الحكم أو حتى مجرد التفكير في ذلك، لأن أغلب التونسيين يرون أنها السبب الأساسي في تردي الأوضاع والانهيار الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة وتراجع المقدرة الشرائية وانتشار الفساد من أشخاص تابعين للحركة ونمو ثروة قيادييها أمام فقر الشعب.
الإخوان فشلوا أيضا في التشويش على الانتخابات البرلمانية وعلى تعطيل الاستفتاء على الدستور، وفي كل المظاهرات إلى دعوا إليها، وطالبوا فيها بما اعتبروه حينها "الانقلاب على الديمقراطية"، وعلى غلق البرلمان الذين سيطروا عليه، خلال الأعوام التي حكموا فيها البلاد.
ترشح سعيد يحطم كل آمال الإخوان
يُذكر أن الرئيس قيس سعيد قد خاض حربا طويلة مع الإخوان، كشف خلالها زيفهم وإجرامهم، مما دفعه للإطاحة بحكمهم الذي دام عشر سنوات في 25 يوليو/تموز 2021، وهو ما يعني استمرار هذه الحرب في حال ترشح لولاية جديدة، خصوصا أن حظوظه وفيرة في السباق الانتخابي، بالنظر إلى نتائج سبر الآراء، التي تؤكد استمرار شعبيته بالمقارنة بباقي المرشحين.
وكان الرئيس سعيد قد أصدر سلسلة قرارات وصفت بأنها "ثورة تصحيح" في 25 يوليو، وتضمنت حلّ الحكومة، وتعليق عمل البرلمان الخاضع لنفوذ حركة الإخوان، وتبعها إصلاحات في القضاء، ووضع دستور وانتخاب برلمان جديد.
وفي اعترافات سابقة حول أسباب فشل الإخوان، قال الإخواني المنشق محمد الحبيب الأسود: "لقد انفرد راشد الغنوشي بسلطة القرار داخل حركة النهضة ، وبرئاسة أبدية فعلية بالحضور أو بالغياب، حتى وهو في السجن من أجل تهم الفساد وغسيل الأموال والاغتيالات والتآمر على أمن الدولة، وهي مكانة أرادها له قادته من التنظيم الدولي للإخوان من خارج البلاد، فهم الذين جعلوا منه الشخصية الوحيدة التي تحمل هوية الحركة، والشخصية الوحيدة التي لها حضور دولي وسمعة عالمية تمثل التنظيم، بحيث إن انتهى راشد الغنوشي لأي سبب كان، انتهت حركة النهضة، وانتهى التمويل، وانتهى الحضور الدولي".
وأضاف أن: "التنظيم الدولي للإخوان هو عِلة وجود راشد الغنوشي ومن معه، ومنهج تفكيرهم، وأسلوب عملهم، وليس لهم بعده إلا الحطام".
مرشحون في السجون
ويقبع عدد من قيادات جبهة المعارضة الإخوانية في السجون التونسية بتهم مختلفة، بينهم من عبر عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة على غرار الأمين العام الحزب الجمهوري عصام الشابي (67 سنة) الموقوف منذ فبراير (شباط) 2023، بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، قبل سحب ترشحه.
كذلك أعلن الحزب "الدستوري الحر" ترشيح رئيسته عبير موسي القابعة في السجن منذ أكتوبر 2023 بتهمة "الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة".
فشلت رهانات حركة النهضة وأذرعها على حشد الشارع واستثمار الأزمة خلال الفترة الماضية، ولم تجد دعوات التظاهر ترحيباً في الأوساط الشعبية
من جهته، أعلن الأمين العام لحزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" لطفي المرايحي في نيسان (أبريل) الماضي اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية، إلا أن وحدات الأمن اعتقلته بتهمة غسل الأموال وفتح حسابات بنكية في الخارج من دون ترخيص".
كما انضم إلى السباق متقاعدان من الجيش وهما الأميرال المتقاعد كمال العكروت والعقيد عادل الدو، إلى جانب النائب السابق الصافي سعيد، الذي يعتزم تكرار التجربة رغم حصوله على أصوات متدنية في رئاسيات 2019.
يذكر أن الانتخابات الرئاسية في تونس تجري يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهي أول انتخابات تشهدها البلاد وفقاً لدستور 2022.