تونس... هل تنتهي الهدنة الاجتماعية على مشارف الانتخابات البرلمانية؟

تونس... هل تنتهي الهدنة الاجتماعية على مشارف الانتخابات البرلمانية؟

تونس... هل تنتهي الهدنة الاجتماعية على مشارف الانتخابات البرلمانية؟


28/11/2022

على وقع استحقاق انتخابي محفوف بالمعارك السياسية، ضمن الخارطة السياسية التي كشف الرئيس التونسي قيس سعيد عن عناوينها ومساراتها وسقفها الزمني، تنذر الزيادات الأخيرة بمعركة ليّ أذرع بين المركزية النقابية وحكومة نجلاء بودن خلال الأيام القليلة القادمة.

هذه المعركة قد تشعلها تصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) نور الدين الطبوبي، التي أعلن خلالها عن تحرك احتجاجي نهاية الشهر الحالي يشمل المنتسبين إلى قطاع النقل رفضاً للجباية (الرسوم الضريبية) التي فرضتها الحكومة على الأجراء في هذا القطاع.

يأتي ذلك في وقت تعوّل فيه تونس على هدنة اجتماعية وقّعتها حكومة نجلاء بودن مع الاتحاد العام التونسي للشغل يقضي برفع أجور (680) ألف موظف وزيادة الأجر الأدنى المضمون، على أن تتوقف المطالب النقابية لمدة (3) أعوام، فيما تواجه البلاد وضعاً مالياً صعباً، وتكابد للخروج من أسوأ أزمة مالية تفاقمت بفعل تداعيات جائحة كورونا وتعطل قطاعات منتجة وأثر رجعي لتركة من المشاكل من مخلفات منظومة الحكم السابقة.

الطبوبي يلوّح بالنزول إلى الشارع

في خطوة غير منتظرة لوح الطبوبي في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر النقابة العامة لموظفي التربية السبت، في مدينة الحمامات شرقي البلاد، بالنزول إلى الشارع في حال استمرار تدهور قدرة التونسيين الشرائية.

وقال الطبوبي: إنّ "منظمة الشغيلة (الاتحاد العام للشغل) ترفض تحميل المواطن مزيداً من الحيف الجبائي (الضريبي) وإثقال كاهله بضرائب لتعبئة ميزانية الدولة لعام 2023، في ظل وضع يزداد غلاء وتدهوراً للقدرة المعيشية للمواطن"، مضيفاً أنّ "النقابيين مستعدون للنزول إلى الشارع في حال تواصل تدهور المقدرة الشرائية للعامل والموظف".

لوح الطبوبي بالنزول إلى الشارع في حال استمرار تدهور قدرة التونسيين الشرائية

وخاطب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل حكومة نجلاء بودن بالقول: "لا يمكن للأجراء (العمال والموظفين) تحمّل المزيد من الجباية دوناً عن بقيّة الفئات الاجتماعية"، مشدداً على أنّ "الاتحاد مستعد للنزول إلى الشارع لخوض معركته من أجل فرض عدالة جبائية واجتماعية".

التهديد الأول منذ 25 تموز

ويُعدّ هذا التهديد بالنزول إلى الشارع الأول من نوعه منذ أعلن الرئيس قيس سعيّد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021، التي تم على إثرها إنهاء حكم حركة النهضة الإخوانية، وإغلاق البرلمان، وإجراء استفتاء شعبي تم بعده تغيير الدستور، فضلاً عن تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 17 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

ويُمثل اتحاد الشغل ثقلاً سياسياً واجتماعياً لا يستهان به في التوازنات السياسية في البلاد، وقد لعب أدواراً مهمة منذ 2011 في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، كما لعب دور صمام الأمان بالنسبة إلى التونسيين، وتراوحت أدواره بين التعديلي في المشهد السياسي، والحاسم في المسائل الاقتصادية والاجتماعية.

تنذر الزيادات الأخيرة بمعركة ليّ أذرع بين المركزية النقابية وحكومة نجلاء بودن، خلال الأيام القليلة القادمة

ولعب على مرّ تاريخ تونس المعاصر دوراً سياسياً فاعلاً، برز في عام 2013 حين قاد حواراً وطنياً بمشاركة منظمات وطنية أخرى، وهي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الذي توّج بحصول هذه المنظمات (الرباعي الراعي للحوار الوطني) على جائزة نوبل للسلام عام 2015.

وساند اتحاد الشغل قرارات الرئيس منذ البداية، وذهب قبل ذلك في اتجاه اقتراح مبادرة للحوار الوطني تجمع مختلف الأطراف، ويُعدّ شريكاً مهماً لرئاسة الجمهورية لمواجهة التحديات القادمة.

هذا، ويحمّل مراقبون الرئيس قيس سعيّد مسؤولية تمادي اتحاد الشغل في الضغط وتجاهل الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد؛ إذ عمد الرئيس إلى استثناء الاتحاد من "استراتيجية الإهمال" التي طبّقها على المنظمات والأحزاب، واستقبل أمينه العام نورالدين الطبوبي أكثر من مرة، وأفسح له مجال التفاوض مع الحكومة.

لأول مرّة شتاء هادئ

واعتادت تونس على دخول شتاء ساخن كلّ عام منذ عام 2011، بالتزامن مع المصادقة على قانون الميزانية؛ إذ يرتفع منسوب التحركات الاحتجاجية بالعاصمة خصوصاً المتعلقة منها بالتشغيل، وتكون عادةً مصحوبة بمظاهر عنف واعتداءات على المحتجين، وهو ما لم تشهده تونس عام 2021، أي بعد إعلان قرارات 25 تموز (يوليو)، كما لم تشهد أيّ تحركات احتجاجية أو مطالب اجتماعية في هذا الشهر من عام 2022.

يُعدّ هذا التهديد بالنزول إلى الشارع الأول من نوعه منذ أعلن الرئيس قيس سعيّد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021

وكشف متعطلون عن العمل ناشطون في الحركات الاجتماعية، في تصريحات سابقة لـ"حفريات"، عن  وجود رغبة بين المتعطلين عن العمل في منح فرصة للسلطة الجديدة، من أجل مراجعة سياساتها وآليات التعامل مع المحتجين ومع مطالبهم الاجتماعية.

وشهدت تونس طيلة الأعوام الـ (10) الماضية تحركات احتجاجية كررت المطالب نفسها وبأشكال التحرّك والخطاب ذاتها، وقد واجهها النظام، الذي قادته حركة النهضة منذ عام 2011 بالتعامل نفسه، الذي ترواح بين القمع والعنف، والحلول الوقتية والاتفاقيات غير المنجزة.

يُمثل اتحاد الشغل ثقلاً سياسياً واجتماعياً لا يستهان به في التوازنات السياسية في البلاد

هذا الهدوء الاجتماعي يُعدّ الأول منذ اندلاع الثورة في عام 2011، التي فتحت الباب أمام الاحتجاجات والمظاهرات التي تتكرّر كلّ عام في كلّ محافظات البلد، وقد يساهم ذلك في خلق مناخ ملائم للمفاوضات والتواصل مع المانحين الدوليين.

أزمة اقتصادية

وتأتي تهديدات الطبوبي بينما تعاني تونس أزمة اقتصادية ومالية زادت حدتها جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وأثر رجعي لتركة من المشاكل من مخلفات منظومة الحكم السابقة، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ بدء الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021.

ويواصل التضخم في تونس الارتفاع، وقد بلغ 9.1% خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، صعوداً من 8.6% خلال آب (أغسطس)، وسط استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محلياً، وارتفاع أسعارها عالمياً.

هذا، وتتفاوض الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويلات لتخفيف حدة الأزمة، لكنّ المفاوضات لم تصل بعد إلى نتيجة، وقد تأخذ وقتاً أطول بينما يطالب الصندوق تونس بإصلاحات قاسية تشمل مراجعة منظومة الدعم.

وبالفعل تخطو الحكومة التونسية في هذا الاتجاه مع زيادات قياسية في أسعار المحروقات بالتزامن مع انفلات في أسعار المواد الغذائية وانخفاض في قيمة العملة الوطنية (الدينار).

مواضيع ذات صلة:

تونس: الغنوشي انتهى سياسياً فهل تختفي "النهضة"؟

تونس: دماء شكري بلعيد ومحمد البراهمي تطارد الغنوشي

اعترافات الغنوشي: إعلان هزيمة أم خداع سياسي؟

يُذكر أنّ الحملة الانتخابية في تونس انطلقت الجمعة، على أن تستمر (3) أسابيع قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم 17 كانون الأول (ديسمبر)، في ظلّ استقطاب سياسي حاد بين مؤيدي ومعارضي الرئيس التونسي قيس سعيد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية