تونس: هل تفضي الاتهامات الموجهة لحركة النهضة الإخوانية إلى حلّها؟

تونس: هل تفضي الاتهامات الموجهة لحركة النهضة الإخوانية إلى حلّها؟


05/04/2022

جددت قوى سياسية تونسية مطلبها بحلّ حركة النهضة الإخوانية في البلاد وتجميد نشاط الحزب، وذلك بالتزامن مع فتح ملفات قضائية في عدة اتهامات موجهة للحركة، أهمّها الفساد وتلقّي تمويلات خارجية ودعم الإرهاب.

ويتوقع المراقبون أن تفضي تلك الاتهامات، في حال ثبوتها، ومعظمها تمّ تقديمه للمحكمة مدعوماً بالوثائق والمعلومات، إلى حلّ الحركة الإخوانية وتجميد عمل الحزب، معتبرين أنّ قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بحلّ البرلمان نهاية الأسبوع الماضي يرتبط إلى حدٍّ كبير بالإجراءات التي سوف تتبعه بخصوص عملية الإصلاح السياسي ومحاسبة الفاسدين.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يصفع "النهضة".. فهل حان أوان الحساب؟

ونهاية الأسبوع الماضي استدعت وحدة البحث بجرائم الإرهاب، بعد ساعات قليلة من قرار الرئيس بحلّ البرلمان، رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان المنحل عناد الخميري ونواباً آخرين للتحقيق في شبهات بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي.

ماذا بعد حلّ البرلمان؟

وأورد تحليل نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالاً بتاريخ 1 نيسان (أبريل) 2022 للكاتب سالم ضيف الله أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد بحلّه البرلمان وضع نفسه في موقف يسمح له باستعادة شعبيته التي انجرفت إلى 65% من المؤيدين في نهاية آذار (مارس) الماضي، وفي قلب التوازنات والتحالفات السياسية التي ستظهر في القريب العاجل تمهيداً للانتخابات، بما في ذلك من جانب حركة النهضة نفسها، التي خسرت تحدّي المواجهة؛ فخرجت من المشهد النيابي، وأصبحت مهددة بانهيار ما تبقى في صفوف بعض تياراتها وأجنحتها من أوهام قوة وقدرة، وذلك في ظل الانقسامات التي عصفت بها منذ 25 تموز (يوليو) الماضي، ولم تتوقف حتى قبل يومين فقط من قرار حلّ البرلمان بعد استقالة (9) من كتلة النهضة في البرلمان، بينهم القيادي البارز في الحركة سمير ديلو.

وأوضح الكاتب أنّ سعيد بقراره وضع "النهضة" في زاوية صعبة، وهي التي كانت تأمل الالتفاف على قرار تجميد البرلمان مستفيدة من الجمود السياسي، ومن انصراف التونسيين عن الاهتمام بالشأن السياسي بشكل عام في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي فاقمتها بشكل غير مسبوق الحرب الروسيةـ الأوكرانية. ويبدو اعتماداً على تطورات وضع المشهد في تونس أنّ حركة النهضة أصبحت بعد قرار 30 آذار (مارس) تخشى صناديق الاقتراع والناخبين في كانون الأول (ديسمبر) المقبل؛ أي بعد (8) أشهر فقط، أكثر من خوفها من مواجهة سعيد نفسه، في ظل اهتراء قاعدتها الشعبية، وانشغال اللاعبين الدوليين والإقليميين الذين يمكن التعويل عليهم لمساندة مطالبها ومشاريعها بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها الهائلة المنتظرة؛ ممّا لا يترك لملف مثل "النهضة" أو الوضع في تونس مكاناً بين أولويات مكاتب ومؤسسات صناعة القرار في العواصم الغربية المؤثرة، بالنظر إلى المدة الزمنية الطويلة التي ربما ستستغرقها الحرب وتسوية تداعياتها وانعكاساتها.

خطأ قاتل

وأشار الكاتب إلى أنّ خطأ "النهضة" الأكبر، وربما القاتل، يتمثل في أنّها أعادت كلّ الأوراق، بما فيها ورقة التشريع؛ أي الدور النيابي بعد حل البرلمان، إلى يد الرئيس سعيد شخصياً، حيث إنّه من أبرز تداعيات قرار الحل واعتماداً على الدستور الذي علق الرئيس العمل بأكثر أبوابه، أنّ على الرئيس الدعوة لانتخابات برلمانية سابقة لأوانها، بين (45) يوماً و(90) يوماً، على أقصى تقدير، وهو ما يترافق بالضرورة مع معطيين اثنين على الأقل؛ أوّلهما تعديل القانون الانتخابي من جهة، ومن جهة أخرى إعادة النظر في تركيبة الهيئة المستقلة للانتخابات التي تشهد منذ فترة مشاكل تنظيمية انتهت بها إلى العمل بـ(7) أعضاء، وليس (9) كما في القانون المنظم للهيئة.

 

سالم ضيف: يبدو أنّ حركة النهضة أصبحت بعد قرار 30 آذار الماضي تخشى صناديق الاقتراع والناخبين في كانون الأول المقبل في ظل اهتراء قاعدتها الشعبية

 

وتابع ضيف الله حديثه: في الحالتين، وبعد حلّ البرلمان، تترك حركة النهضة للرئيس سعيد وحده حرّية التصرف في الملفين، بما أنّه الشريك للبرلمان في حسم الأمرين. وفي ظل غياب البرلمان، فإنّ للرئيس وحده بفضل المراسيم الرئاسية، أو عبر المجالس القضائية والدستورية، والخبراء والفقهاء القانونيين والدستوريين، صلاحية تعديل القانون الانتخابي، والهيئة المستقلة للانتخابات، لتخليصهما من الشوائب المحتملة، سواءً أكانت فصولاً أم شخصيات.

وأضاف: أمّا إذا اعتمد الرئيس التونسي على خطة عمله الأساسية، فإنّ التداعيات على "النهضة"، ومن ورائها على المشهد السياسي بشكل عام في البلاد، ستكون أعمق وأخطر، حيث إنّ سعيد سيتمكن، على عكس "النهضة"، من العمل دون ضغوط للإعداد لانتخابات كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وفق خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي سابقاً، وقبل ذلك الاستفتاء على تعديل الدستور نفسه، ممّا سيحرم النهضة من أيّ شرعية للعمل من داخل مؤسسات الدولة الدستورية، مع العودة إلى نظام رئاسي صريح، والقطع مع النظام الهجين الذي جاء به دستور ما بعد 2011، والمتسبب وفق كلّ المعطيات في تعطيل مؤسسات الدولة، بسبب نظام المحاصصة السياسية الذي شلّ البلاد بالكامل.

 

انشغال اللاعبين الدوليين والإقليميين بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها الهائلة المنتظرة؛ لا يترك لملف مثل "النهضة" مكاناً بين أولويات مكاتب ومؤسسات صناعة القرار في العواصم الغربية المؤثرة

 

وخلص الكاتب أنّه يمكن القول إنّ الرئيس قيس سعيد ارتكب في 25 تموز (يوليو) 2021 "خطأً تكتيكياً" برفض السير في طريق كان يبدو حينها في غاية الوضوح. ولكن الثابت بعد 30 آذار (مارس) 2022 أنّ الرئيس التونسى انتبه إلى أنّ العمل السياسي والجمود خطّان لا يلتقيان، ممّا سيدفعه إلى وضع استراتيجية جديدة هدفها تغيير النظام برمّته، وليس الاكتفاء بتخليصه من النقائص التي جعلت تونس دولة برأسين: الرئاسة ضدّ البرلمان، في حين اختفى باقي جسمها في رمال الفساد، والأزمة الاقتصادية، وتراجع مؤشرات التنمية، والبطالة، والإرهاب، دون الحديث عن أزمة كورونا المستجد وما كشفته من عيوب متأصلة، والعواقب الوخيمة التي تهدد بها الأزمة القادمة من شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، وهما المصدران الأساسيان للحبوب وزيت الطهي وبعض المنتجات الغذائية الحيوية الأخرى، إلى جانب آلاف السياح القادمين إلى تونس. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية