
تتصاعد المطالب في الشارع التونسي وبين ناشطين سياسيين، بحل حركة النهضة الإخوانية، لما جرته من ويلات على البلاد طيلة أعوام حكمها، خصوصا مع حسم القضاء التونسي في بعض القضايا التي تفضي قانونا إلى حظرها، فضلا عن محاولاتها التشويش على الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
ويقبع في السجن أبرز قيادات الحركة من بينهم رئيس الحركة راشد الغنوشي وأمينها العام العجمي الوريمي وعضو مجلس الشورى محمد الغنودي والناشط الشبابي بالحركة مصعب الغربي بتهم متعددة أبرزها "التآمر على أمن الدولة والتخابر الأجنبي"، إلى جانب الاغتيالات السياسية والإرهاب.
علما أن السلطات أغلقت منذ شهر نيسان/أبريل من العام الماضي، مقرات النهضة في كافة مدن البلاد، وحظرت الاجتماعات فيها، بعد توقيف زعيمها راشد الغنوشي، بتهمة التآمر على أمن الدولة.
إشارات رئاسية لحظر الحركة
ووجه الرئيس التونسي قيس سعيد إشارات لحل حركة النهضة الإخوانية، في مناسبات عدة، آخرها الخميس الماضي، خلال الذكرى الثالثة للإطاحة بحكم الإخوان في 25 تموز/ يوليو2021، قائلا: "قد يقول قائل إن هناك بطئا أو بعض البطء، لكن في الواقع أنه تأن وحرص على السلم داخل المجتمع والأمن القومي التونسي"، في إشارة إلى حل حركة النهضة.
ومن أسباب التأني؛ "تفكيك الشبكات التي تشكلت داخل عدد من مؤسسات الدولة وعطلت السير الطبيعي لدواليبها وما يحصل من قطع متعمد للماء والكهرباء ورفض لتقديم أبسط الخدمات، فضلا عن تعطيل إنجاز العشرات من المشاريع، والخيانات والارتماء للخارج".
هذه الإشارات، قال عنها زياد القاسمي المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري التونسي، في تصريح لموقع "العين الإخبارية"، إن حل الأحزاب لا يكون عن طريق البرلمان بل عن طريق القضاء، بعد مده بالوثائق التي تدين هذا الحزب أو تلك الحركة.
وأوضح المحلل السياسي التونسي، أنه في حال كانت الأفعال فردية، فإن الحركة قد تستثنى من الإدانة وتتم محاسبة المتورطين مثل الغنوشي ونور الدين البحيري وعلي العريض، إلا أنه في حال ثبوت تورطها (النهضة) خاصة في قضية لوبيينغ (حصول الحزب على تمويل أجنبي في الانتخابات التشريعية لسنة 2019) وثبوت التهم ضدها وإدانتها قضائيا يمكن حلها.
وأضاف أن الغالبية العظمى من الشعب التونسي أصبحت تلفظ التنظيم، ما يؤثر على مستقبله.
وقضية عقود لوبينغ (مجموعات ضغط) أبرمتها الحركة مع شركات أجنبية، للقيام بحملات لصالحها، بغرض تحسين صورتها والتلاعب بالرأي العام، اعتماداً على ما كشف عنه التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية المبكرة والانتخابات التشريعية عام 2019.
في حال ثبوت تورطها خاصة في قضية لوبيينغ (حصول الحزب على تمويل أجنبي في الانتخابات التشريعية لسنة 2019) وثبوت التهم ضدها وإدانتها قضائيا يمكن حلها
وبحسب قانون مكافحة الإرهاب في تونس، فإن الفصل السابع ينص على تتبع الذات المعنوية "حزب أو جمعية أو منظمة"، إذا تبين أنها توفر الدعم لأنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية، وفي حال ثبوت ضلوع الحزب أو الجمعية في نشاطات داعمة للإرهاب؛ يتم حرمانه من مباشرة النشاط السياسي لمدة أقصاها خمسة أعوام أو حلّه.
إلى ذلك، اتهم سعيد حركة النهضة بالعمل على تأجيج الأوضاع في البلاد قبيل الانتخابات عبر لوبيات مزروعة داخل مؤسسات الدولة، متعهدًا في الوقت نفسه بعدم "العودة للوراء أو تسليم البلاد لمن لا وطنية لهم".
ختم الأبحاث في قضية الاغتيالات السياسية
هذا وقالت المحامية إيمان قزارة، اليوم الجمعة إن احد قضاة التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب ختم مطلع الأسبوع الجاري البحث فيما يعرف بـ ''قضية الجهاز السري لحركة النهضة '' وأحال الملف إلى دائرة الاتهام بهذا القطب، وفقا لما نشره موقع إذاعة "الديوان" التونسية.
وذكرت المحامية وعضو هيئة الدفاع في قضية الشهيدين بلعيد والبراهمي لوكالة تونس افريقيا للانباء أن قاضي التحقيق أعلم المحامين والقائمين بالحق الشخصي في هذا الملف بشكل رسمي بختم الابحاث مطلع الاسبوع الحالي وهم قيادات في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (وطد) وعائلة الشهيد محمد البراهمي (أغتيل في جويلة 2013) وحزب "التيار الشعبي".
وأضافت أنه تم أيضا إعلام المتهمين بالختم وهم ''قيادات أمنية سابقة و مسؤولون في حركة النهضة''.
في هذا الشأن، يقول الخبير القانوني التونسي، حازم القصوري، إن "ثلاثة ملفات ستفضي قضائياً إلى حل حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في تونس، وحظر نشاطها السياسي للأبد"، مشيرا إلى التحقيق التونسي في عدة قضايا تتعلق بالإرهاب والاغتيالات السياسية وتلقي التمويلات من الخارج بما يتعارض مع أمن البلاد.
وفي تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أوضح القصوري أن ثلاثة ملفات خطيرة تواجهها النهضة أمام جهات التحقيق التونسية، الأول هو ملف تسفير مئات الشباب التونسي للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية المتحالفة مع الإخوان في بؤر التوتر منذ عام 2011، واستغلال نفوذهم بحكم البلاد لتسهيل تلك المهام، فيما يتعلق الملف الثاني بضلوع النظام الخاص أو الجناح المسلح للتنظيم بتنفيذ عمليات الاغتيالات السياسية التي جرت في البلاد خلال السنوات الماضية، وأبرزها ما تقدم به أعضاء هيئة الدفاع عن السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي من وثائق تؤكد تورط الإخوان.
ويرى القصوري أن الملف الثالث يرتبط بالفساد والاغتيالات السياسية، مؤكداً على ضرورة فتح هذا الملف خاصة بعد إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيد، مرارا تعرضه لمحاولات اغتيال.
حركة النهضة انتهت بالديمقراطية
من جهته، يرى المحلل السياسي عبد الواحد اليحياوي أن حركة النهضة والإسلام السياسي لم تعد لهما مكانة سياسية في البلاد وأن نهايتهم كانت بالديمقراطية وليس بالاستبداد أو بعملية الإقصاء قائلا :"السياسة التي اعتمدتها حركة النهضة في النهاية لا تتماشى ما يحتاجه التونسيون".
وأضاف اليحياوي لموقع "سبوتنيك" الروسي: "فترة الانتقال الديمقراطي هي من جعلت الساحة السياسية مكشوفة ليتضح أن الإسلام السياسي عاجز عن بناء دولة"، مشيرا إلى أن الحركة تعيش اليوم حالة من الضعف والفشل بفقدانها أغلب الأوراق السياسية التي كانت بيدها خاصة بعد تداول أنباء عن وجود نوايا لحل الحزب أو تجميد نشاطه على خلفية الملف القضائي المعروف باسم "الجهاز السري".
يقول حازم القصوري إن ثلاثة ملفات ستفضي قضائياً إلى حل حركة النهضة الذراع السياسية لجماعة الإخوان في تونس وحظر نشاطها السياسي للأبد
وتابع: "الإسلام السياسي وحتى في فترة نجاحه بعد الثورة واجه صعوبات في طريقة الحكم، لأن طبيعة بنيته الفكرية والعقائدية جعلته في تناقض مع الدولة ولذلك واجهت الحركة رفضا من داخل الدولة نفسها."ويرى اليحياوي أن حركة النهضة والإسلام السياسي عموما لا يمتلك آليات البقاء في المشهد السياسي وليس له برامج للحكم ولا المقبولية لدى الشعب التونسي.
ولفت عبد الواحد اليحياوي إلى أن صعود حركة النهضة إلى الحكم بعد ثورة 2011 كانت تجربة مقترنة بأخطاء أولها أن الحركة كانت مبنية على الخلط بين السياسي والديني.
مطالب شعبية بالحظر
هذا وأصبح حل وحظر حركة النهضة مطلباً شعبياً بعد ثبوت تلقيها تمويلات أجنبية من الخارج خلال الانتخابات، وارتباطها بالإرهاب، والاغتيالات السياسية، وتبييض الأموال، وتورط أغلب قياداتها في جرائم ضدّ الدولة التونسية.
هذه المطالب أعقبت حكم القضاء التونسي بسجن زعيم الحركة راشد الغنوشي وصهره رفيق عبد السلام، 3 سنوات سجنا، بتهمة تلقي حزبهما تمويلا أجنبيا خلال انتخابات 2019، وذلك بعد أشهر من التحقيقيات القضائية.
ويمنع مرسوم الأحزاب في تونس في فصله التاسع عشر تلقي أموال بشكل مباشر وغير مباشر، نقدية أو عينية صادرة عن جهة أجنبية، كما يمكن وفقا للفصل 28 من المرسوم ذاته، تعليق نشاط الحزب السياسي، في مرحلة أولى لمدة لا تزيد على 30 يوما، وفي مرحلة لاحقة يتم حل الحزب المعني بالتمويل الأجنبي بطلب من رئيس الحكومة.
أصبح حل وحظر حركة النهضة مطلباً شعبياً بعد ثبوت تلقيها تمويلات أجنبية من الخارج خلال الانتخابات وارتباطها بالإرهاب والاغتيالات السياسية
علماً أن الغنوشي يقبع في السجن منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي، على خلفية تصريح هدد فيه بإشعال حرب أهلية وبإثارة الفوضى، في حال إبعاد الحركة من السلطة.
كذلك صدر حكم آخر بسجنه بتهم تتعلق بتبييض الأموال والاعتداء على أمن الدولة، في قضية ما يعرف إعلاميا بشركة "أنستالينغو" المختصة في الإنتاج الإعلامي الرقمي.
وإلى جانب الغنوشي، تقبع قيادات بارزة بالنهضة في السجون لمواجهتهم شبهات متعددة، من بينها "التآمر على أمن الدولة" و"التورط في شبكات التسفير إلى بؤر التوتر"، من بينهم نائبا الرئيس نور الدين البحيري وعلي العريض.