
في خطوة تبدد مزاعم واتهامات بانحياز القضاء التونسي، لكنها تهدد بإحياء خلافات لطالما استعرت في الكواليس، أعادت المحكمة الإدارية المرشح الإخواني عبداللطيف المكي إلى سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الأول/ أكتوبر القادم.
وبقرار المحكمة ينضم عبداللطيف المكي رئيس حزب العمل والانجاز إلى المرشحين المقبولين وهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي ورئيس حركة عازمون العياشي الزمال.
يأتي ذلك في وقت تحاول فيه حركة النهضة البحث عن بديل لدعمه كي تراهن عليه لمنافسة الرئيس قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
وفي 18 آب/أغسطس الجاري قال المتحدث باسم المحكمة الإدارية فيصل بوقرة إن الدوائر الاستئنافية المتعهدة بالطعون في إطار نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية قضت برفض الطعن أصلا في ملف المكّي.
وكان المكي قد طعن على رفض أوراقه من قبل الهيئة العليا للانتخابات، بعد أن كشفت "تزويره للتزكيات الشعبية".
ووفق القانون الانتخابي التونسي، يحتاج كل مرشح إلى جمع ما لا يقل عن 10 آلاف تزكية من الناخبين من 10 دوائر انتخابية على الأقل، أو 10 تزكيات من نواب البرلمان أو مثلها من مجلس الأقاليم والجهات (الغرفة الثانية في البرلمان)، أو مثلها من المجالس المحلية أو الجهوية أو البلدية.
من هو المكي؟
بعد 25 يوليو/تموز 2021، أي مع انطلاق إجراءات الرئيس التونسي ضد الإخوان، استقال المكي من حركة النهضة رفقة 113 من أعضاء الحزب.
بحسب مراقبين فإن قيس سعيد هو المرشح الأبرز للفوز في هذه الانتخابات الرئاسية وذلك وفقا لاستطلاعات الرأي
وبرر القيادي الإخواني استقالته بأنها تأتي بسبب ما وصفه بـ"السياسات الفاشلة وتمسك راشد الغنوشي برئاسة النهضة، محملا الأخير المسؤولية كاملة عن "الفشل السياسي الذي لحق بالحركة على مدار السنوات الماضية".
والمكي هو أحد مؤسسي الاتحاد العام التونسي للطلبة (اتحاد طلبة الإخوان)، وكان بين يناير/كانون الثاني 1989 وديسمبر/كانون الأول 1990 ثاني أمنائه العامين بعد عبدالكريم الهاروني.
ولاحقا، أدى صدام بداية التسعينيات بين السلطة وحركة النهضة إلى اعتقاله في مايو/أيار 1991 والحكم عليه بالسجن 10 سنوات، قبل أن يتم الإفراج عنه عام 2001.
ومع رفض السلطات طلب إعادة تسجيله في كلية الطب بتونس لمواصلة دراسته، خاض عام 2004 إضرابا دام 57 يوما.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2011، انتخب نائبا في المجلس الوطني التأسيسي. وعين في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وزيرا للصحة في حكومة حمادي الجبالي (إخوانية)، وحافظ على نفس المنصب في حكومة علي العريض (إخوانية أيضا).
وظهر المكي بعد 2011 كأحد أبرز قياديي النهضة، فانتخب رئيسا لمؤتمرها التاسع المنعقد في يوليو/تموز 2012، ومع عجز الجبالي عن تشكيل حكومة في فبراير/شباط 2013، برز اسمه كأبرز مرشح لخلافته قبل أن يقع اختيار علي العريض. ترشح المكي في الانتخابات التشريعية التونسية عام 2014 وفاز بمقعد في البرلمان.
التونسيون فقدوا ثقتهم بالإخوان
بالتزامن، تترقب حركة النهضة الإخوانية أي فرصة تسمح لها باختراق المشهد السياسى وضمان عودتهم، وهو ما يمكن ملاحظته، وفق مراقبين، من طريقتهم الرسمية وغير الرسمية في التعاطي مع ملف الانتخابات التي تمثل لهم طوق نجاة من قيس سعيد الذي كشفهم وفضح طريقتهم في السيطرة على المؤسسات بالبلاد.
من جانبه، قال عبدالرزاق الرايس، المحلل السياسي، إن "التونسيين فقدوا ثقتهم في الإخوان الذين حكموا خلال السنوات العشر الماضية، وخلفوا تركة سوداء مازالت تعاني منها تونس إلى حد الآن".
يأتي ذلك في وقت تحاول فيه حركة النهضة البحث عن بديل لدعمه كي تراهن عليه لمنافسة الرئيس قيس سعيد
وأوضح الرايس، لـ"العين الإخبارية"، أن "التونسيين لن يغفروا الجرائم التي ارتكبها الإخوان في حقهم من خلال إفلاس الدولة وإدخال البلاد في دوامة العنف والإرهاب لتصبح دولة مصدرة للإرهابيين"، لافتا إلى أن "التونسيين حملوهم المسؤولية عن الأزمات التي عصفت بالبلاد خلال تلك الفترة".
وبحسب الخبير. فإن "المكي لا يمتلك حظوظا في هذا السباق الانتخابي خاصة أنه لم يستطع التخلص من جلباب النهضة بالرغم من استقالته من الحزب بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021"، موضحا أن "الإخوان يأملون حاليا بعودتهم للنفوذ السياسي لكن كل آمالهم تظل مجرد أوهام".
كما ويقلل مراقبون، بحسب تقديرات صحيفة "العرب"، من فرص المكي في المنافسة بجدية على الانتخابات، مشيرين إلى أن النهضة فقدت بريقها، وأن الكثير من التونسيين قد انفضوا عنها بعد خروجها من الحكم، وهناك الكثير من أنصارها غاضبون على أدائها، وهم أيضا لم ينسوا للمكي انشقاقه عن الحركة في ذروة أزمتها، ما يجعل فرصه في المنافسة محدودة حتى لو مر إلى الدور الثاني.
سعيد يحذر من ألاعيب الإخوان
وقد حذر الرئيس التونسي قيس سعيد من محاولات وصفها بأنها تسعى لـ"تأجيج الأوضاع" وأن هذه الأصوات وفق رأيه تعمل بدعم من الخارج، لذا رأى سعيد أن يشدد على وزير الداخلية خالد النورى فى التصدى لأى محاولات من هذا النوع تضر بتونس وبمشهدها الانتخابى المقبل.
التونسيين لن يغفروا الجرائم التي ارتكبها الإخوان في حقهم من خلال إفلاس الدولة وإدخال البلاد في دوامة العنف والإرهاب
جاء هذا في المقابلة التي أجراها مع خالد النوري وزير الداخلية، الجمعة الماضية، حيث جرى استعراض الوضع الأمني العام في البلاد، منوها بالجهود التي تبذلها قوات الأمن إلى جانب قواتنا المسلحة العسكرية للحفاظ على الأمن القومي، داعيا إلى مزيد اليقظة والتأهب لكل محاولات تأجيج الأوضاع في شتى المناطق العمومية وهى محاولات يائسة تقتضى المسؤولية التاريخية إحباطها وفق ما يقتضيه القانون.
وأكد الرئيس التونسي، في هذا اللقاء، على أن الانتخابات ليست حربا بل هي موعد يتجدد في مواعيد محددة طبق ما يضبطه الدستور، مشيرا، في هذا السياق، إلى أن بعض الدوائر المرتمية في أحضان اللوبيات المرتبطة بدورها بجهات خارجية لا تقوم اليوم بحملة انتخابية بل بحملة مسعورة ضد الدولة التونسية وضد الشعب التونسى صاحب السيادة وحده.
قبول 4 مرشحين فقط
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، أعلنت في وقت سابق من الشهر الجاري، القائمة الأولية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، والتي ضمت 3 أسماء فقط، بينهم الرئيس الحالي قيس سعيد، قبل قبول ملف الإخواني عبد اللطيف المكي، ليتم تسجيل 4 مرشحين فقط
وقالت الهيئة آنذاك إنها قبلت المرشحين من أصل 17 قدموا أوراقهم لخوض انتخابات الرئاسة المقررة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهم الرئيس الحالي قيس سعيد، وأمين عام حزب "حركة الشعب" زهير المغزاوي، والعياشي زمال.
التونسيين فقدوا ثقتهم في الإخوان الذين حكموا خلال السنوات العشر الماضية، وخلفوا تركة سوداء
ورفض مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية 14 ملف ترشح، وقال إنهم "لا يتوفروا على الشروط اللازمة"، فيما يمتلكون مهلة لتقديم الطعون.
وبحسب مراقبين، فإن قيس سعيد هو المرشح الأبرز للفوز في هذه الانتخابات الرئاسية وذلك وفقا لاستطلاعات الرأي، خصوصا أن "زمال والمغزاوي لا يمتلكان شعبية وقبولا من التونسيين نظرا إلى أنهما لم يعرفا بتبنيهما لمواقف سياسية مهمة".
يُذكر أنه في 2019، تم قبول ملفات 26 مرشحا.
وتنص المادة 41 من القانون الانتخابي، على ضرورة تزكية المترشح للانتخابات الرئاسية، من 10 آلاف من الناخبين الموزعين على 10 دوائر انتخابية، على ألا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة منها، كما يحظر على أي شخص تزكية أكثر من مترشح، ويمكن للمترشح أيضاً الحصول على تزكية 10 نواب من مجلس نواب الشعب (البرلمان)، أو من 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة.