تونس على شفا الإفلاس: خطة ذعر يبثها خصوم الرئيس

تونس على شفا الإفلاس: خطة ذعر يبثها خصوم الرئيس


09/02/2022

تتزايد المخاوف من تكرّر السيناريو اللبناني، بعد مؤشرات عديدة للاقتصاد التونسي تهدّد بتراجع الإنتاج والخدمات ومزيد من البطالة والتدهور في مستوى معيشة التونسيين، وتنبّئ بأزمة إفلاس استمرّ الحديث عنها على امتداد السنوات الماضية.

وفاقم هذه المخاوف التراجع الحادّ في مستويات المعيشة، واحتكار أغلب المواد الاستهلاك، فضلاً عن عدم توافر بعض المواد الأساسية بالأسواق، وهو ما قد يثير اضطرابات كبيرة بين المواطنين الذين سئموا بالفعل من ركود جاثم على أنفاسهم منذ سنوات.

اقرأ أيضاً: "حل الأعلى للقضاء".. إشادة تونسية بقرب زوال الإخوان

هذه المخاوف يحذّر منها داعمو الرئيس قيس سعيّد، ويرونها خطة لنشر الرعب بين التونسيين لرفض الإجراءات الإصلاحية التي أعلنها تباعاً، منذ 25 تموز (يوليو) حتى اليوم، مشدّدين على أنّ هذه الأوضاع لم تكن أفضل خلال العشرية الماضية، وأنّ خطر الإفلاس ليس بجديد بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ 2011.

خطر الإفلاس يدقّ الأبواب

وتُجمع أغلب القراءات التحليلية لخبراء الاقتصاد في تونس على أنّ تونس صارت قاب قوسين من السيناريو اللبناني، خصوصاً بعد أن تجاوزت ديونها الخارجية سقف 100 مليار دينار (الدولار 2.88 ديناراً)، وتراجع تصنيفها السيادي من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية.

وفي تقرير حديث؛ توقّع "بنك أوف أمريكا" المتخصص في الاستشارة وإدارة المخاطر أن تصل فجوة التمويل الخارجي إلى 5.6 مليار دينار (1.9 مليار دولار) خلال الربع الرابع من السنة الجارية، مشيراً إلى إمكانية عجز تونس عن خلاص ديونها مع تسجيل نقص في مواردها المالية.

ورأى البنك الأمريكي أنّ غياب الوضوح على مستوى السياسة الاقتصادية المتبعة في تونس سيقلّل من فرص نجاح البلاد في إدارة التفاوض مع صندوق النقد الدولي في المدى القصير على الأقل.

الأمل في إنقاذ الوضع الاقتصادي التونسي ما يزال قائماً، شرط أن تراجع الدولة سياساتها الاقتصادية بتعيين كفاءات في مجال المال والاقتصاد، ومراجعة اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي

أصداء الإفلاس تجاوزت حدود الوطن؛ حيث توقّع وزير المالية الأردني السابق والخبير الاقتصادي، عمر ملحس في تغريدة عبر "تويتر"؛ أن تسير تونس نحو لبنان في الخطوات المالية، متمنياً ألا تسير بلاده بخطوات واثقة نحوهم.

ويرى الخبير الاقتصادي صادق جبنون أنّ الوضع الاقتصادي في تونس صعب للغاية؛ لأنّه فقد 9.15 بالمئة من نسبة النمو، لافتاً إلى أنّ الأسباب تعود بالأساس إلى جائحة كورونا، إلى جانب رواسب وأزمات هيكلية تعود للسنوات الماضية.

الخبير الاقتصادي صادق جبنون: الوضع الاقتصادي في تونس صعب للغاية

ولفت جبنون، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ الاقتصاد التونسي يعاني أيضاً من أزمات هيكلية تعود إلى نهاية سنوات الألفين، خصوصاً أنّ الاقتصاد لم يتحول إلى اقتصاد عالي التنافسية على القيمة المضافة، مشدّداً على أنّه لم يقع دعم أسس الاقتصاد أو تغيير منوال التنمية بصفة تمكن هذا الاقتصاد من إعطاء نسب مردودية أعلى.

وكان ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، جيروم فاشيه، قد أكّد في وقت سابق للإعلام المحلي؛ أنّ تونس التي تسعى للحصول على تمويل من مصادر دولية، في حاجة إلى القيام "بإصلاحات عميقة جداً" لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ "أحد أعلى المستويات في العالم".

اقرأ أيضاً: تونس: حركة النهضة الإخوانية تحت مقصلة العدالة.. ما الجديد؟

كما أشار إلى أنّ تونس عرفت بسبب جائحة "كوفيد-19" "أكبر ركود اقتصادي منذ استقلالها" عام 1956، لكنّه شدّد على أنّ "مشكلات البلاد تعود لما قبل الجائحة، ولا سيما العجز في الميزانية والدين العام (بلغ حوالي 100% من إجمالي الناتج المحلي نهاية العام 2021) اللذين تفاقما".

وتظلّ نسبة النمو ضعيفة وغير كافية لاستيعاب معدل البطالة الذي يتجاوز 18% في صفوف أصحاب الشهادات من الشباب.

وارتفعت نسب القلق لدى التونسيين، بعد تداول معلومات عن مصادر غير معلومة، تقول إنّ تونس اقترضت من الجزائر من أجل خلاص أجور موظفيها، التي تأخرت، على غير العادة، خلال شهر كانون الثاني (يناير) المنقضي.

هل ينتظر تونس عام مضطرب؟

ومنذ بداية جائحة فيروس كورونا، مطلع عام 2020، أغلقت 130 ألف شركة أبوابها معلنة الإفلاس النهائي، وفق بيانات رسمية تونسية، فيما تؤكّد تقارير متواترة، أنّ العديد من المؤسسات التي بقيت صامدة بعد الأزمة الصحية لن تتجاوز السنتين.

من جانبه، قال كاتب عام المرصد التونسي للخدمات المالية، طارق بن جازية؛ إنّ وضعية عديد الأسر التونسية صعبة للغاية، مشيراً إلى أنّ حوالي 950 ألف أسرة تونسية لدى أحد أفرادها قرض على الأقل.

وأضاف بن جازية، في تصريحات لوسائل إعلام تونسية: ديون هذه الأسر لدى البنوك تبلغ 26.4 مليار دينار، مفيداً بأنّ أجور العاملين في القطاع البنكي مغطاة بنسبة 71 بالمئة من العمولات الموظفة على الخدمات البنكية.

ورغم تواصل ارتفاع نسب البطالة، التي بلغت 18 بالمئة، غير أنّ التحركات الاحتجاجية لم تكن بالمعدّل المطلوب، خاصة باعتبار أنّ تونس ظلّت على امتداد السنوات العشر الماضية على موعد مع شتاء ساخن كل عام، ترتفع خلاله أعداد التحركات الاحتجاجية، وتتعدد الاعتصامات المتزامنة مع حملات اعتقالات.

الخبير الاقتصادي صادق جبنون لـ "حفريات": الاقتصاد التونسي يعاني من أزمات هيكلية تعود إلى نهاية سنوات الألفين، خصوصاً أنّه لم يتحول إلى اقتصاد عالي التنافسية على القيمة المضافة

في هذا السياق، اعتبر الناشط في الحراك الاجتماعي عبد الحليم حمدي؛ أنّ الشارع التونسي، خصوصاً الشباب في حالة ترقّب، ووعي بأنّ الجميع في مفترق طرق، ولديهم قناعة بأنّ الوطن سُلبت ثرواته، وعليه أن يبدي درجة كبيرة من الوعي بصعوبة المرحلة.

وقال حمدي، لـ "حفريات"؛ إنّ الحركات الاجتماعية تترقب عودة نسق الحياة السياسية المرتبطة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتنتظر طرح منوال اقتصادي بديل للّيببرالية المتوحشة التي جثمت على البلاد خلال السنوات الماضية، مضيفاً أنّها تنتظر إشارات إيجابية للمضي قدماً بالبلد.

وتعارض سعيّد الأحزابُ الكبيرة في البرلمان، وهي نفسها لا تحظى بشعبية كبيرة، خصوصاً أنّ التونسيين منقسمون بشدة إزاء قادتهم، وتصلّ هذه الانقسامات إلى داخل فريق سعيّد الصغير.

الحكومة تنفي وتطمئن

المخاوف من الإفلاس، تحاول وزيرة المالية التونسية، سهام البوغديري، تخفيف وقعها، والتأكيد بأنّ حكومتها ليست مهددة بالإفلاس وتسدّد قروضها للمقرضين.

تصريحات وزيرة المالية جاءت عقب إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، عزمه إعادة تشكيل سياسة بلاده، عام 2022، من خلال دستور وبرلمان جديدين، لكنّ التهديد الذي يمثله تعرُّض تونس للإفلاس قد يقلب خططه رأساً على عقب، خاصة أنّ الإصلاحات الاقتصادية التي اتبعها لا تحظى بقبول الشارع التونسي، والتي كان أحدثها رفع سعر الوقود للمرة الرابعة خلال عام واحد.

اقرأ أيضاً: تونس: حركة النهضة وحيدة في مواجهة أزمتها

وفي السياق ذاته، تحاول الحكومة، التي عيّنها سعيّد في أيلول (سبتمبر)، الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي والتي تأمل وزارة المالية في تسلّمها بحلول نيسان (أبريل).

هل هناك فرصة لتجنّب الإفلاس؟

ويُعرف عن الاقتصاد التونسي أنّه كان من أكثر اقتصاديات الدول العربية تنوعاً، لا سيما أنّه كان قبل عقد من الآن يتمتع بزراعات متنوعة، وفي مقدّمتها الزيتون التونسي، ذو الشهرة العالمية، كما تتمتع بصناعات أنسجة وألبسة وصناعات تحويلية أخرى شكّلت إيراداتها آنذاك أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي لتونس، وهو ما يؤكّده الخبير الاقتصادي صادق جبنون.

وأضاف جبنون؛ أنّ الاقتصاد التونسي يتمتع إلى جانب ذلك بجزء من الخدمات، وأيضاً من الصناعات الميكانيكية، لكن تبقى أهمها الصناعة والفلاحة، التي يجب تطويرها أكثر مما عليه الآن.

من جانيه، يؤكّد الخبير المالي ياسين بن إسماعيل؛ أنّ الأمل في إنقاذ الوضع الاقتصادي التونسي ما يزال قائماً، شرط أن تراجع الدولة سياساتها الاقتصادية بتعيين كفاءات في مجال المال والاقتصاد، ومراجعة اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي.

اقرأ أيضاً: تونس: هل فات القطار "لإصلاح المسار"؟

وقال بن إسماعيل، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّ تونس قادرة على الخروج من الأزمة الاقتصادية دون الحاجة إلى صندوق النقد الدولي، وذلك باعتماد سياسة اقتصادية شاملة ومستدامة، لافتاً إلى وجود تشوّهات تشوب الدورة الاقتصادية في تونس، وتناقضات بين السياسات النقدية وسياسات الصرف من جهة، وسياسات الموازنة (سياسة الحكومة في تنفيذ مخطط التنمية) من جهة أخرى.

بن إسماعيل شدّد أيضاً على وجود تحريف رهيب في مهام البنك المركزي، إلى جانب تعطل الإنتاج، وتواصل الإخلالات، منذ الاستقلال عام 1956 إلى اليوم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية