تونس: المعارضة المشتتة تفشل في التعبئة وتعجز عن التوحد

تونس: المعارضة المشتتة تفشل في التعبئة وتعجز عن التوحد

تونس: المعارضة المشتتة تفشل في التعبئة وتعجز عن التوحد


15/01/2023

برغم التوافق حول رفض خيارات الرئيس قيس سعيّد ومناهضتها، غير أنّ المعارضة التونسية عجزت منذ 25 تموز (يوليو) 2021 عن التوحد في جبهة واحدة أو في كتلة حزبية ائتلافية موحدة، أو حتى ضمن مبادرة واحدة، في حين تعدّدت جبهاتها وكثرت مبادراتها، التي فشلت جميعها في توحيد صفوفها.

هذا التشتت أرجعه متابعون للشأن التونسي إلى الخلافات الإيديولوجية والسياسية بين مكوناتها، حتى أنّ بعضها ظلوا خصوماً تاريخيين، إلى حين وصول سعيّد إلى سدّة الحكم، وإجهاض مشروع حركة النهضة التي تخبطت يميناً ويساراً لجمع أكبر عدد ممكن حولها لتعطيل مشروع سعيّد، وهو ما جعل تحركاتها دون فاعلية، وجعلها عاجزة عن تحقيق أهدافها التي تلخصت في العودة إلى الحكم، والحفاظ عليه.

وتذهب قراءات أخرى إلى أسباب متعلقة بتعنت القيادات ورفض التنازلات، كما أنّ هناك أسباباً ترتكز على البحث المحموم عن التموضع بشكل متفرد؛ ممّا زاد في فُرقة المعارضين.

انقسام عميق

مشهد الانقسام بدا واضحاً عندما خرج معارضو إجراءات سعيّد في الذكرى الـ (12) للثورة التونسية، التي انتهت بسقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني (يناير) 2011.

فبينما احتشد مناصرو جبهة "الخلاص الوطني" بالقرب من مقر وزارة الداخلية، وهي جبهة مؤلفة من أحزاب عدة بينها "حركة النهضة" الإخوانية، قادت الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية، وهي (5) بينها حزب العمال وآفاق تونس وحزب التيار الديمقراطي، هي الأخرى وقفة احتجاجية منفصلة، بينما سعى الحزب الدستوري الحر إلى تنظيم مسيرة نحو قصر قرطاج الرئاسي، تم منعها بعد مشادات كلامية بين أنصار الحزب والأمن.

مشهد الانقسام بدا واضحاً عندما خرج معارضو إجراءات سعيّد في الذكرى الـ (12) للثورة التونسية

وقال الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي في تصريح حول انقسام المعارضة، نقله عنه موقع "إندبندنت عربية": "لا أعتقد أنّ ذلك سيؤثر، المعارضة معارضات في أيّ بلاد، في فرنسا لا يمكن أن يمدّ اليسار يده إلى اليمين أو اليمين المتطرف، نحن أيضاً لا يمكن أن نمد يدنا إلى جبهة الخلاص التي تمثل حركة النهضة بكل وضوح، وحركة النهضة تتحمل مسؤولية تعفن الوضع طيلة العشرية الماضية، وفتحت الباب لانقلاب قيس سعيد، ولم تعتذر حتى إلى الشعب التونسي، وتعتبر أنّ فترة حكمها كانت جيدة، وهذا غير صحيح".

وأضاف: "الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية تريد العودة إلى أصول الثورة التونسية، وأن يقوم نظام سياسي واجتماعي يكرس شعار الثورة "شغل، حرية، كرامة وطنية"، ونحن كأحزاب ديمقراطية اجتماعية لا يمكن أن نلتقي ونتحالف مع الحزب الدستوري الحر الذي لا يعترف بالثورة ويعتبرها انقلاباً، ولا يمكن أيضاً أن نلتقي مع جبهة الخلاص".

أرجع متابعون للشأن التونسي تشتت المعارضة وعجزها عن التوحد في جبهة واحدة إلى الخلافات الإيديولوجية والسياسية بين مكوناتها

من جهتها، شددت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي، في تصريحات سابقة لإذاعة "شمس إف إم" التونسية، على أنّ الدستوري الحرّ لا يعترف بحركة النهضة كجزء من المشهد السياسي المدني.

وفي تعليقها على تصريح السياسي أحمد نجيب الشابي حول إيجاد تقارب بين حركة النهضة والدستوري الحر، قالت عبير موسي: "نجوم السماء أقرب له من تقاربنا مع النهضة"، معتبرةً أنّ تقارب الدستوري الحرّ وحركة النهضة مسألة غير مطروحة نهائياً، مهما كانت السيناريوهات.

وهو الموقف نفسه الذي تتبنّاه أحزاب تونسية كثيرة تجاه حركة النهضة، التي يتهمونها بالإساءة إلى التجربة التونسية، وبإدخال البلاد مربع الإرهاب والتعفن السياسي، فضلاً عن الاغتيالات السياسية، وتسفير الجهاديين إلى بؤر التوتر، والتسبب في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

عائلات سياسية مشتتة وسط انفجار حزبي

وعلى إثر الثورة، غصّ المشهد التونسي بالأحزاب التي تجاوز عددها اليوم (200) حزب، بينما لا تحتمل الساحة السياسية كل هذا الزخم الحزبي، معظمها لا يتوفر على تجربة يُعتدُّ بها في العمل السياسي المحلي، توزعت على عدّة عائلات سياسية، بينها "الدستوريون" و"اليسار" و"الإسلاميون" و"الديمقراطيون الحداثيون"، وبقية الأحزاب ذات التوجهات العروبية والاجتماعية.

ذكّر الرئيس سعيّد في أكثر من مناسبة بصراعاتهم وتشتت صفوفهم

ومنذ 2011، وبرغم المحطات المختلفة التي مرّت بها تونس، لم يحدث أن اتفقت العائلات المذكورة، أو اجتمعت داخل ائتلاف موحد، باستثناء التحالف التاريخي بين حركة النهضة الإسلامية، ونداء تونس الذي تراوح بين الحداثية والدستورية.

وذكّر الرئيس سعيّد في أكثر من مناسبة بصراعاتهم وتشتت صفوفهم، فقد أشار إلى أنّهم "كانوا يتصارعون بالأمس ويتبادلون العنف، واليوم صاروا على الموقف نفسه، وعلى قلب رجل واحد".

من أسباب التشتت تعنت القيادات ورفض التنازلات والبحث المحموم عن التموضع بشكل متفرد

ولفت إلى أنّهم "كانوا متفرقين، وكانت الاعتصامات تنظم ضدّ كل طرف من هذه الأطراف، التي اجتمعت اليوم على تشويه الحقائق وعلى تجويع الشعب والتنكيل به''. كما قال في تصريح آخر: إنّ (المعارضين) "يريدون لعب أدوار البطولة، وهم يتقلبون ويتلونون كل يوم، وكانوا بالأمس خصماء، وصاروا اليوم ولفاء".

عجز عن التعبئة

وكان من المتوقع أن يكون تحرك أحزاب المعارضة التونسية والقوى المؤيدة لها ضد الرئيس سعيّد يوم السبت 14 كانون الثاني (يناير) الحالي، في الذكرى الـ (12) لسقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، قوياً ويشكّل تحدياً لسلطته بعد القرارات التي أعلنها في 25 تموز (يوليو) الماضي، وجمّد على أثرها البرلمان، وعلّق العمل بالدستور، وأقال الحكومة، خصوصاً بعد انتشار الدعوات للتظاهر عبر كل وسائل الإعلام، من خلال قيادات المعارضة التي دعت أنصارها إلى النزول للمشاركة في التظاهرة الاحتجاجية، كما دعت "حركة النهضة" الإخوانية ناشطيها إلى المشاركة.

وعلى الرغم من كل الدعوات، فإنّ غياب الكثافة لدى المشاركين في التظاهرة الاحتجاجية كان واضحاً، حيث اعتبر سياسيون موالون لسعيّد أنّ "مسيرة جبهة الخلاص شارك فيها المئات فقط، أمّا الدستوري الحر، فكان عليه أن يجمع مئات آلاف التونسيين للذهاب إلى قصر قرطاج، هم يريدون الاحتجاج أمام القصر، وهذا لا يتطلب ترخيصاً بل قدرة على التعبئة".

واعتبروا أنّه على رغم التجييش والتعبئة الكبيرة، أصبح واضحاً أنّ هذه المعارضة عاجزة عن تحشيد الناس، الرهان اليوم كان على إسقاط قيس سعيد، لكنّه كان يوماً عادياً، والناس دائماً تنزل إلى الشارع فيه، وهذا الأمر ليس جديداً.

وكان رضا شهاب المكي، أحد أبرز رفاق الرئيس سعيد، قد استبق احتجاجات السبت بالقول: إنّ "عدد الداعين إلى استقالة قيس سعيد لا يتجاوز (50) فرداً، وحتى في صورة رحيله، فإنّ هذه الأطراف لن تعود إلى السلطة"، في إشارة إلى "حركة النهضة" التي تواجه عزلة وانقسامات غير مسبوقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية