تنظيم الإخوان بين المحاكمة وتجفيف المنابع

تنظيم الإخوان بين المحاكمة وتجفيف المنابع

تنظيم الإخوان بين المحاكمة وتجفيف المنابع


13/01/2024

أحمد محمد الشحي

لإخوان تنظيم إرهابي معروف، قائم على أيديولوجيات متطرفة، وأجندات فكرية وسياسية وحزبية، ويتستر أعضاؤه بأقنعة دينية ومدنية للوصول إلى الحكم، وله أذرع عدة هنا وهناك، ولا تخفى خطورته على العقلاء، فأينما حلَّ هذا التنظيم حلَّ التحزب والتآمر ضد الدول وقياداتها ومؤسساتها، ونشأت الجماعات الإرهابية تسرح وتمرح، سواء كانت فروعاً لهذا التنظيم، أو تنظيمات مغايرة تستلهم منه العنف والإرهاب والتآمر، وهذا ليس تحليلاً شخصياً من عندنا أو تهماً جزافاً للتجني، بل هو حكاية واقع جاهر به أصحاب هذا التنظيم أنفسهم.

وقد كشفت السنوات الأخيرة وخاصة إبان أحداث ما سمي بالربيع العربي حقيقة هذا التنظيم لكثير من الناس، وكانت دولة الإمارات إحدى الدول التي انتبهت لخطورته.

ووقفت له بالمرصاد، وكشفت مخططاته، بل وقدمت المتورطين منهم للمحاكمة، وها هي اليوم تحيل 84 متهماً أغلبهم من أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي إلى المحاكمة لتورطهم في إنشاء تنظيم سري آخر بغرض ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على أراضي الدولة، في نهج إماراتي مميز للتصدي لهذا التنظيم وكل ما من شأنه الإخلال بالأمن والاستقرار.

إن التصدي لهذا التنظيم يتطلب مواجهة شاملة، وإحدى الوسائل الفاعلة في ذلك هي إطلاق يد القانون والتشريعات التي تجرم الإرهاب والتطرف، لتقديم من يهددون الأمن ويتآمرون ليد العدالة، تأديباً لهم وزجراً، وصيانة للمجتمع وحماية له، كما أن ذلك يكون بمواجهة الفكر المتطرف بالحجة والبرهان، وتفكيك خطابه، ومحاصرته علمياً وإقناعياً، لتجفيف منابعه الذاتية، فيكون كشجرة ميتة، لا ثمر لها ولا غصن، مكشوفة الحقيقة لكل بصير.

إن تجفيف المنابع الفكرية لهذا التنظيم لا يقل أهمية، فهذا التنظيم قائم على فكر يستهدف العقول، وثقافة سلبية تستهدف العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ونزع الولاء وكسر الروابط الوطنية، وزرع الكراهية والأحقاد، وتبرير العنف والإرهاب، ويقوم على استدلالات باطلة بنصوص دينية ومفاهيم مدنية، يقطعها عن معانيها وسياقاتها، ويُلبس الباطل لباس الحق، ويرفع شعارات براقة زائفة، فإذا وقع أحد في شراكه، وخاصة إذا كان معدوم الحصانة ضعيف الشخصية، تعرض لغسيل دماغ، فنبذ وطنيته وراءه ظهرياً، فلم يعرف لحاكم فضلاً.

ولا لمجتمع حقاً، ولا لوحدة وتلاحم أهمية، ولا لأمن واستقرار ضرورة، بل آمن بأن التنظيم وطنه، وأن زعيم هذا التنظيم قائده المطاع، فيصبح أداة طيعة للمخططات التي يحيكها هؤلاء في دهاليزهم المظلمة للإضرار بوطنه ومجتمعه، كما هو حال كثير ممن انخدعوا بهذا التنظيم ووقعوا في شراكه المظلمة.

وهذا الواقع الذي حكيناه يقتضي اتباع استراتيجيات وقائية وعلاجية للتصدي لفكر هذا التنظيم، بإزالة الشبهات، وتفكيك الاستدلالات، وبيان بطلانها بالحجج العلمية الناصعة، والفكر المستنير المشرق، على كافة المستويات، وبالأسلوب الذي يناسب مختلف الفئات والشرائح العمرية والثقافية، ولا بد أن يستند هذا التفكيك على أسس قويمة، تجتث الشبهات من جذورها، فلا يمكن معالجة هذا الفكر بفكر مشابه له في المضمون.

وإن اختلف معه في الشكل، كالفكر الذي يدعم الثورات والمعارضة والأحزاب والمظاهرات ويصف أنظمة الحكم بالاستبداد ويهدم مبدأ طاعة ولي الأمر، ولا يستند إلى ثوابت وقواعد راسخة، فهو غير محصن عن تبرير العنف لتحقيق الأهداف السياسية، فمثل هذا الفكر هو في حد ذاته داء لا دواء.

ومن وسائل التصدي الفكري لهذا التنظيم كذلك التركيز على بعض المواطن التي هي مظنة الاختراق، مثل بعض المناهج التي تدرس في بعض الجامعات والكليات، مثل بعض كتب الثقافة الإسلامية وغيرها.

فإن كثيراً من هذه الكتب مصادرها كتب الإخوان، وبعض الكتب وإن كان لها منحى آخر سياسي أو إعلامي أو غير ذلك فقد تكون فيها ثقافة سلبية مشابهة لثقافة الإخوان في الاستعداء ضد أنظمة الحكم وشرعنة المعارضة والخروج وكسر القانون، مما يتطلب مراجعة هذه المناهج، ووضع آليات للتأكد من سلامة أي محتوى جامعي موجه للطلاب والطالبات.

وتتأكد المواجهة الفكرية لهذا التنظيم وأمثاله في هذه الفترة، مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص تطبيقات الفيديوهات القصيرة، التي أحدثت نقلة نوعية كبيرة في طريقة تعاطي الناس مع مواقع التواصل نشراً للمحتوى أو تلقياً له، حتى أصبحت هذه المواقع ساحات هائلة تعج بالمحتويات المرئية المتدفقة صباح مساء، بما في ذلك الثقافات السلبية والمحتويات المحرضة، وهو ما يتطلب تفعيل الثقافة الإيجابية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتنويع استخداماتها، لتواكب هذا التحدي، وتواجه أي فكر متطرف دخيل.

عن "البيان" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية