
ما تزال المخاوف تجاه أنشطة الإخوان في أوروبا تثير المخاوف لدى المراقبين والخبراء، في ظل تنامي مساعي الجماعة إلى تكريس الانعزالية، ومواجهة قيم الديمقراطية الغربية، من أجل الهيمنة على المسلمين، وبناء دولة الإخوان الموازية، من خلال عدد كبير من المؤسسات والجمعيات الخيرية، والمراكز الثقافية، التي تنتشر في ربوع القارة الأوروبية.
كان المخطط الذي وضعه الإخوان، من أجل التمدد والانتشار في أوروبا، أشبه بخريطة تنظيمية لتنظيم دولي ضخم، حيث تضم الجماعة ضمن بنيتها في أوروبا شبكة معقدة من التنظيمات والجمعيات، التي تعمل كأذرع تنظيمية للجماعة، وأبرزها: اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE)، الذي أصبح مؤخراً مجلس المسلمين الأوروبيين (CEM)، وهو الوجه العام السرّي لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا. وتشمل فروعه اتحاد الشباب والطلاب المسلمين الأوروبيين (FEMYSO)، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH)، والمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث (ECFR)، وصندوق أوروبا. وربما تكون منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية (IRW) عضواً آخر في هذه القائمة، رغم أنّها تنفي وجود علاقات لها بجماعة الإخوان المسلمين، لكنّ تقارير متعددة أكدت ذلك.
اتحاد المنظمات الإسلامية أخطبوط بألف ذراع
علاوة على ذلك، فإنّ اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لديه أذرع في كل دولة أوروبية كبرى، وتتوزع هذه الكيانات على مختلف الدول، مثل: رابطة الثقافة النمساوية والجمعية الإسلامية الألمانية. وهذه المنظمات بدورها لها كياناتها التابعة والمرتبطة بها، بعضها قريب من الجماعة، من الناحية التنظيمية، بما يكفي لوصفه بأنّه "فرع للإخوان"، وبعضها مستقل نسبياً، بما يكفي لاعتباره مجرد "منظمات متأثرة بالإخوان". وكلها تدور في فلك الأفكار الانفصالية ذاتها، والمرتكزة على نظرية العزلة الشعورية التي نادى بها سيد قطب.
وفي كتابه هيكل الإخوان في البنية الأوروبية، يناقش (لورينزو فيدينو)، مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، وألتونا، من معهد إلكانو الملكي في مدريد، مدى توغل الأذرع الأوروبية الأكثر أهمية للإخوان، في دراسة مهمة تستعرض تاريخ الجماعة وأنشطتها، وتحركات أبرز قادتها، ونفوذها ومصادر تمويلها في القارة العجوز.
تباين في وضعية الإخوان وحراكهم
ترى الدراسة أنّ بعض الاختلافات بين البلدان تبدو مثيرة للاهتمام؛ فهناك أسباب لغوية جعلت جماعة الإخوان المسلمين تزدهر في المملكة المتحدة، وذلك بفضل سهولة استخدام اللغة الإنجليزية، إضافة إلى مرونة القوانين، وسهولة اختراق المؤسسات الصحفية والرسمية من قبل الإخوان.
ورغم أنّ بعض الحكومات، وخاصة ألمانيا، تراقب جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها وجمعياتها عن كثب وبصورة مكثفة، تعكس مدى الاشتباه في أنشطتها، فإنّ حكومات أخرى، مثل سويسرا، تتبنّى نهجاً أكثر تساهلاً مع الجماعة، في حين تعمل السويد التي تؤمن بالتعددية الثقافية على ملء جيوب الإسلاميين بالنقود؛ الأمر الذي منح الإخوان قدرات استثمارية كبيرة، نجحوا من خلالها في تنمية أصولهم، وتحريك الأوعية الادخارية الضخمة الخاصة بهم. والواقع أنّه من اللافت للنظر حجم الأموال الضريبية الأوروبية التي تلقتها بعض هيئات الإخوان المسلمين، في مقابل أنشطة اجتماعية خطيرة تمارسها الجماعة، ولكنّها تبدو خيرية.
وترصد الدراسة عمق العلاقات القائمة بين الإخوان، وبعض الساسة والمؤسسات في أوروبا، وتستنكر الود الذي يبديه بعض قادة الإخوان المسلمين تجاه المسؤولين العموميين من كبار المسؤولين إلى أدنى المستويات، وفق شبكة كبيرة من المصالح المريبة. وترى الدراسة أنّه من السخف أن يعامل قطاع من الحكومات الوطنية في أوروبا جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تمثل تهديداً أمنياً خطيراً، في حين يمول جزء آخر من الحكومات نفسها مشاريع الإخوان المسلمين.
تقرير ألماني يدق ناقوس الخطر
تستشهد الدراسة بتقرير أمني ألماني صدر في العام 2018، يشرح بإيجاز لماذا مثل هذه المواقف ليست حكيمة، ذلك أنّه على المدى البعيد، فإنّ "التهديد الذي تشكله الجماعات الإسلاموية، على غرار جماعة الإخوان المسلمين، على النظام الديمقراطي الليبرالي، ستكون أكبر من التهديد الذي يمثله الجهاديون".
وترى الدراسة أنّه ربما لا ترعى جماعة الإخوان الإرهاب بشكل علني ومباشر في أوروبا، لكنّ أنشطتها تعزز عزلة المسلمين عن المجتمع الأوروبي، وتكرس عداءهم له، وبالتالي تمهد الطريق لأوروبا المستقبلية، حيث تصبح الحرية والازدهار والوئام الاجتماعي مجرد ذكريات.
ويبدو أنّ الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها فرنسا، وتصميم إدارة ماكرون على تقويض البنية الشبكية لجماعة الإخوان المسلمين، وإخضاعها للدولة وللقيم الأوروبية، سوف تدفع بقية الدول إلى انتهاج السياسات نفسها، بعد أن ظهر للجميع مدى الخطورة التي تمثلها أنشطة الجماعة، المصنفة إرهابية في معظم بلدان الشرق الأوسط.