تقية الإخوان.. وإحراج المتهافتين

تقية الإخوان.. وإحراج المتهافتين


03/08/2022

عماد فؤاد

«رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».. ها هو إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية، يعلن على وكالة «رويترز» أن الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة بعد الإطاحة بها من الحكم قبل تسعة أعوام، وأنها لن تشارك فى الصراع بين الأحزاب فى الانتخابات السياسية أو غيرها التى تديرها الدولة. تصريح إبراهيم منير لم يكن مفاجأة، وهو من قبيل تحصيل الحاصل فعلاً، فالجماعة الإرهابية على الأرض تفككت تنظيمياً وبقاياها -فى الداخل والخارج- لا حول لهم ولا طول، وقد يكون هذا التصريح من باب التقية -وهو الأرجح- والتقية كمصطلح دينى تعنى إخفاء معتقد ما خشية الضرر المادى أو المعنوى، وهى عند أهل السنة والجماعة فكرة طارئة، أو رخصة عارضة، أو هى حالة اضطرارية خلاف الأصل ألجأت إليها الضرورة والحاجة الشديدة، وهى سلوك مؤقت ينتهى بالنسبة للجماعة الإرهابية حال تحسن ظروفها.

وعلاقة جماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها عام 1928 مع أنظمة الحكم المختلفة، منذ الملكية وحتى سقوطها عام 2013، تؤكد أنها جماعة لا يمكن الوثوق بها.

أسس حسن البنا الجماعة فى عهد الملك فؤاد، بإيعاز من سلطات الاحتلال البريطانى لضرب الحركة الوطنية، التى كان يقودها آنذاك حزب الوفد، كما كانت علاقة الجماعة مع الملك فاروق الأول جيدة للغاية، ورغم ذلك قامت باغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر عام 1945، وكررت فعلتها باغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى عام 1948.

وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، قام قائدها جمال عبدالناصر بحل كل الأحزاب السياسية عام 1953، وأبقى فقط على جماعة الإخوان، ولكنها حاولت اغتياله فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، ثم حدث الصدام الأكبر عام 1965، الذى انتهى بإعدام مفكر الجماعة سيد قطب عام 1966، وبعدها استكانت الجماعة حتى أعادها الرئيس السادات إلى المشهد العام مرة أخرى عقب توليه الحكم عام 1970، وقامت جماعة التكفير والهجرة -التى خرجت من رحم جماعة الإخوان- عام 1977 بخطف ثم اغتيال وزير الأوقاف الشيخ حسين الذهبى، ثم انقلب الإخوان على السادات، وقامت الجماعة الإسلامية -التى خرجت من رحم الإخوان أيضاً- باغتياله فى أكتوبر 1981.

وجاء مبارك للحكم، وكرر خطأ السادات، بالإفراج عن كل قادة الإخوان مرة ثانية، وعبر «اتفاق ضمنى» أتاح لهم دخول البرلمان، واختراق جميع منظمات المجتمع المدنى مقابل عدم مزاحمته على الحكم، وظل الأمر كذلك إلى أن وقعت أحداث 25 يناير 2011، وكان للإخوان اليد الطولى فى خلع مبارك رغم تحالفهم -غير المعلن- معه.

وبالمراوغة أيضاً خدعت الجماعة بعد ذلك كل من تحالف معها من القوى السياسية بشعار «مشاركة لا مغالبة»، وحصلت على الأغلبية فى البرلمان، ورغم تعهدات قادتها بعدم الدخول فى صراع الرئاسة، لكنهم تراجعوا، ووصل مرشحهم لقصر الرئاسة عبر انتخابات شهدت ملابسات أقلها معروف مثل تزوير بطاقات الانتخاب، ومنع الأقباط فى صعيد مصر من المشاركة، وتبقى العديد من الملابسات التى ستتكشف فى قادم السنوات.

الحقيقة التاريخية المؤكدة أن الجماعة الإرهابية لا عهد ولا ميثاق لها، وما أعلنه قادتها مؤخراً لن ينطلى على المصريين شعباً وقيادة.

والحقيقة أيضاً تشير إلى أن تقدم الجماعة وتراجعها كان دائماً عبر قرارات سلطوية، ورهناً بإرادة وتوجهات نظام الحكم، ولكن سقوطها الأخير تم بإرادة شعبية كاسحة، وعودتها للحياة مرة أخرى باتت من المستحيلات.

تصريحات القائم بأعمال مرشد الإخوان ليست ذات أهمية، لكنها قد تكون رسالة شديدة الوضوح -والإحراج- للمتهافتين على عودة الإخوان للمشهد السياسى مرة أخرى، ومن يزايدون على وطن بأكمله من أجل إشراكهم فى الحوار الوطنى، ومن يرون الجماعة الإرهابية كفصيل سياسى أخطأ.. وعفا الله عما سلف، وها هو المرشد «النبطشى» يرفض إلحاحكم ومزايدتكم.

عن "الوطن"

الصفحة الرئيسية